بلودان.. الحياة مستمرة

13-08-2015

بلودان.. الحياة مستمرة

ليس طريقاً عادياً ذاك الذي يمر بسهل الزبداني إلى بلدة بلودان، فعلى يساره تشتعل أكبر معركة في ريف دمشق. وفي الوقت الذي تصدح أصوات نارها بين جبال السهل، تشق حافلات دمشق - بلودان طريقها كالبرق الخاطف باتجاه الجبل المرتفع لتصل إلى ساحة البلدة.
وعلى الرغم من أن الجيش السوري أمن الطرف اليسار من الطريق المشرف على أحياء الزبداني، عبر رفع سواتر ترابية لحماية المارة من رصاص القنص، إلا أن أصوات المعارك وشظاياها كفيلة بأن تدخل الخوف إلى قلوب هؤلاء المارة، وتمنعهم من سلوك هذا الطريق.رجل مسن أمام جامع بلودان الكبير
لكن ملامح وجوه ركاب هذه الحافلات لا يبدو عليها الخوف أبداً. «هي إرادة الحياة» يقول أحد سائقي حافلات خط دمشق - بلودان، مضيفاً: «في الأيام الأولى لبداية المعركة تم قطع الطريق، ومرت علينا أيام حرمنا فيها من الاتصال بشكل كامل بدمشق. لأهالي البلدة أشغال وأعمال، وهناك أيضاً طلاب جامعة حرموا من الدراسة. وبسبب نقص المواد أيضاً، كان خيارنا، عند فتح الطريق بعد أن أصبح آمناً بشكل مبدئي، أن نساهم بعودة عجلة الحياة من جديد».
المسافة قصيرة على الطريق المتعرجة في جبل بلودان، حيث تصل في نهاية التفافاتها إلى فندق بلودان الكبير على مدخل البلدة. في لحظة واحدة يزول الذعر المرافق لعابر طريق السهل. خلف السيارة مباشرةً تتصاعد الأدخنة جراء المعارك الضارية، وأمامها مباشرةً حياة أخرى مختلفة تماماً، وكأنها في دولة أخرى: أطفال يلهون في الشارع، ورجال ونساء يتسوقون الخضار، وباعة يجوبون ببضائعهم شوارع البلدة، وعجقة سير نتيجة الازدحام على الشارع المؤدي إلى الساحة، وطلاب دورات موسيقى في طريقهم إلى المركز الثقافي في بلودان.
كل هذا على بعد مئات الأمتار كخط نظر عن معركة الزبداني. قد يصاب من يتابع المشهد، إن خرج من الحالة قليلاً، بالصدمة والذهول، ويخال له بأن أهالي هذه المنطقة فاقدون حاسة السمع، لأن أصوات المعارك تزداد حدتها شيئاً فشيئاً وهم لا يأبهون. يتساءل الغريب عن المنطقة كيف يعيش الناس هنا، لماذا لم يهاجروا، أو على الأقل: لماذا لم يهجروا بلدتهم ولو لحين انتهاء المعركة؟
 التجوال بين الناس ومحادثتهم هما السبيل الوحيد للإجابة عن هذه الأسئلة.
وعلى طاولة صغيرة مقابل الكنيسة الإنجيلية وسط بلودان، يضع أبو أحمد علب الزعتر والجبنة والمحمرة لصناعة المناقيش المخبوزة على الصاج. ويقول: «لماذا نهاجر؟»، إذا كانت بلودان تعيش أياماً صعبة هل يجب أن نتركها وحدها؟ مررنا بأيام صعبة في بداية العملية، لكن اليوم كل شيء أصبح متوفراً، وأهمه الخبز والخضار. الناس كلها تعمل، كل المهن وكل أصحاب المحلات عاد عملهم السابق، فلا يوجد مبرر للهجرة».
وأمام المركز الثقافي تقف مديرة المركز ميرنا المصري لتستقبل الأطفال المسجلين في الدورات الثقافية التي يقيمها المركز. وتقول: «بما أن البلدة آمنة من الداخل، لا أعتقد أن أهلها يفكرون بهجرها. المرحلة الصعبة التي قُطِع خلالها الطريق انتهت. اعتدنا على أصوات المعارك العنيفة والاشتباكات، لذلك كل شيء لدينا عاد إلى طبيعته، بما في ذلك نشاطات المركز الثقافي. فنحن كمثقفين نشجع دائماً على تنمية ثقافة الحياة، فكيف لنا أن نشجع عليها وألا نسعى لفرضها ونشرها عبر نشاطاتنا؟».
وفي ساحة أبو زاد على رأس جبل بلودان، المشهورة بالمطاعم والمقاهي، ينظف صاحب أحد المقاهي المكان، وينفض الغبار عن الكراسي والطاولات التي لم تستخدم منذ سنوات. ويقول: «هذه المنطقة كانت تستقبل ما يقارب 4 ملايين سائح من كل دول العالم. سنعود ونفتح من جديد. في اللحظة نفسها التي سيُعلَن فيها انتهاء المعارك في الزبداني سنعلن الافتتاح الجديد. نحن نؤمن بأن هذا العمل سيكون رديفاً للانتصار والمعركة. الإرهابيون أرادوا أن يقتلوا الحياة في المنطقة، وفي حربنا معهم يجب أن يكون للكل دوره في المعركة. دورنا نحن أن نعود ونستقبل حياة جديدة خالية من الإرهاب».

سيف عمر الفرا

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...