اقتصاد الظل في سوريا
في إطار أنشطة جمعية العلوم الاقتصادية عقدت في مكتبة الأسد مساء الثلاثاء الماضي ندوة بعنوان:
«اقتصاد الظل» حاضر فيها الدكتور حيان سلمان الباحث الاقتصادي وعضو مجلس إدارة جمعية العلوم الاقتصادية وكانت الجلسة برئاسة الدكتور منير الحمش فيما تولى التعقيب عليها الدكتور رسلان خضور، وحضرها عدد من الباحثين والمهتمين.
وقد بدأ المحاضر دراسته بمقدمة عن صعوبة تحديد اقتصاد الظل كمصطلح متفق عليه ومحدد بشكل دقيق.
لأنه اقتصاد متنوع الأشكال لكنه يعمل وفق مبدأ السرية، متعدد الغايات توجد فيه جميع اشكال العلاقات الاقتصادية (من بيع وشراء ـ دائنية ومديونية ـ ربح وخسارة...) توجد فيه كل أنواع الفساد والجريمة والاخلاق والبساطة، وبالتالي قدمه كمفهوم يتضمن مجموعة من الافكار المختلف عليها والتي لم تتبلور بشكل واضح لتوجد له تعريفاً واضحاً ودقيقاً، لذلك عمد الى توضيح العوامل المشتركة بين مكوناته لتستخدم كأداة لتمييزه عن غيره من قطاع عام او خاص أو مشترك هذه العوامل هي:
1 ـ انه اقتصاد لا يخضع للرقابة الحكومية، ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته في الحسابات القومية، لا يعترف بالتشريعات الصادرة ولا يمسك دفاتر نظامية.
2 ـ إنه يتهرب من كافة الاستحقاقات المترتبة عليه تجاه الدولة كالرسوم والضرائب ويستفيد من أغلب الخدمات المقدمة لغيره من القطاعات وبكل أشكالها.
وقام بتصنيفه إلى نوعين:
آ ـ اقتصاد الجريمة (او الاقتصاد الأسود) اذا كان يتعامل بسلع، محرماً استخدامات وتعاملات مثل (الاسلحة ـ المخدرات ـ المتاجرة بالبشر...).
ب ـ الاقتصاد غير الرسمي: اذا كان التعامل به ممنوعا واستخدامه مسموحا مثل (السوق السوداء لبعض السلع ـ ورش غير مسجلة....)
وفي سورية فبالنسبة لاقتصاد الجريمة فهو مقتصر على بعض مظاهره مثل الفساد ـ تهريب الاموال ـ استغلال الموقع الوظيفي ولا يتضمن انتاج او استهلاك المخدرات او تجارة الاسلحة والمتاجرة بالاعضاء البشرية بسبب الاعراف الاجتماعية والعقوبات القانونية.
وقدم مجموعة من الارقام مقارنة بلبنان للدلالة على الآثار الضارة المترتبة على اقتصادنا:
ـ بمقارنة الناتج المحلي الاجمالي السوري (بحدود 20 مليار دولار) مع الناتج المحلي الاجمالي في لبنان (18 مليار دولار) الا ان الضرائب في سورية كانت بمقدار 1.7 مليار دولار وبلغت في لبنان 3.8 مليارات دولار اي ما يعادل اكثر من 200% واذا كان القطاع العام لا يتهرب من الضرائب فهذا دليل على حجم التهرب الكبير من القطاع الخاص.
ـ بلغت الصادرات والواردات السورية لعام 2002 ما قيمته 13545 مليون دولار وفي لبنان 7266 مليون دولار، ورغم ذلك كانت التحصيلات الجمركية 0.5 مليار دولار وفي لبنان 1.1 مليار دولار.
ـ بلغت صادرات القطاع الخاص لعام 2003 (55) مليار ل.س بينما كانت مستورداته 181 مليار ل.س اي ان نسبة التغطية بلغت 30% ما يدل على حجم التهرب الضريبي وتهريب الاموال.
اما بالنسبة للاقتصاد غير الرسمي في سورية فقسم منه يرتبط بمنشآت ثابتة ومحددة جغرافياً مثل (مراكز الصرافة، ملاهي ليلية، ورش.. ) والبعض الآخر غير مرتبط بمكان جغرافي محدد مثل (الباعة الجوالون، خدم البيوت، مدرسون خصوصيون..) الا انه توجد مجموعة من الخصائص المشتركة بين النوعين منها:
أغلبها يتطلب رؤوس اموال قليلة وتعتمد على السيولة النقدية وتعتمد على الشكل العائلي او عدد قليل من العمال وغالبا ما يكون صاحب العمل هو المدير حيث لا فصل بين الادارة والملكية، اغلب منتجاته تتجه نحو السوق الداخلية وتستخدم مواد أولية ذات منشأ داخلي لكن دون رقابة. بالاضافة الى كونه مكملاً للقطاع النظامي الرسمي وبالتالي فهو يضم مختلف الشرائح الاجتماعية والتعليمية (من أميين وحتى شهادة الدكتوراه).
وقد قدرت بعض الدراسات ان مساهمة هذا القطاع في النشاط الاقتصادي لعام 1987 بلغت 20% الا انها تضاعفت بعد صدور المرسوم رقم 10 لعام 1991 ووصلت الى حدود 40% بسبب الانفتاح الاقتصادي مع الاشارة الى ان عدد من العاملين في القطاع غير الرسمي يعملون في القطاع الرسمي لتحسين مستويات دخلهم.
وقد بلغ عدد العاملين في هذا لاقطاع عام 1999 (1754987) عاملاً اي ما شكل 43% من اجمالي قوة العمل السورية، لكنه انخفض عام 2002 الى 1131810 عمال شكلت 23.47% من القوة العاملة وذلك لعدة اسباب هي التأثير الايجابي الذي تركته القوانين الاقتصادية من حيث تسهيل الاجراءات اللازمة لتسجيل شركات القطاع الخاص، وكذلك تخفيض المعدلات الضريبية، بالاضافة الى مشاريع مكافحة البطالة، وهجرة اليد العاملة الى دول الجوار بسبب تفاوت الرواتب والاجور بين سورية وهذه الدول.
وعرض د. سلمان اهم اسباب اقتصاد الظل في سورية مميزا بين اسباب الاقتصاد الاجرامي المتمثلة في تراجع دور الدولة والقوانين المختصة بمكافحة هذا الاجرام، وتدخل ضمن هذا الاقتصاد الاموال المهربة من سورية والتي تشكل قسماً كبيراً من الاموال السورية المهاجرة والتي تقدر بين 80 ـ 120 مليار دولار، وكذلك التهرب من الضرائب وأعمال الفساد.
أما مسببات الاقتصاد غير الرسمي فمتعددة منها:
ـ ضعف معدل النمو الاقتصادي وبالتالي عدم القدرة على خلق فرص عمل للقادمين الى السوق.
ـ التعقيدات الادارية وضبابية التعليمات وسيطرة العلاقات الشخصية وبالتالي لجوء الناس الى الابواب الخلفية.
ـ ندرة بعض السلع وانتشار السوق السوداء واعطى مثالا على ذلك ازمة الاسمنت عام 2005 ـ 2006 وارتفاع الاسعار المفاجئ وكذلك ازمة اللحوم.
ـ عدم مرونة وواقعية التشريعات الاقتصادية.
وقام المحاضر بعرض اهم نتائج اقتصاد الظل واقتصرت آثار الاقتصاد الاجرامي على الجانب السلبي ففي المجال الاقتصادي له اضرار متعددة منها (إن هروب وتهريب الاموال يؤدي الى التأثير السلبي على الحركة الاستثمارية ـ انخفاض معدلات نمو الدخل القومي ـ زيادة معدلات التضخم نتيجة تعميم الانتاج الاستهلاكي ـ سوء توزيع الدخل القومي..).
اما الآثار الاجتماعية للاقتصاد الاجرامي وخاصة غسيل الاموال فتؤدي بشكل مباشر الى اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء وزيادة التفاوت الاجتماعي والابتعاد عن العمل الانتاجي وبالتالي تزداد البطالة.
بالنسبة للاقتصاد غير الرسمي فله الى جانب سلبياته بعض الفوائد ومنها: انه يساعد في حل ازمة البطالة.
ـ يؤمن الإكتفاء الذاتي لبعض السلع والخدمات.
ـ زيادة دخول الافراد وكذلك خلق فرص عمل كثيرة مولدة لفرص عمل اخرى نتيجة لانخفاض تكلفة فرصة العمل.
وخلص الباحث الى مجموعة من المقترحات والتوصيات مثل: التوجه نحو زيادة معدلات النمو، وتأسيس جمعيات تعاونية للعاملين في هذا القطاع ما يدفعهم للعمل في الاقتصاد الرسمي كذلك تسهيل الاجراءات الادارية امام انتقال هذا القطاع الى الجانب الرسمي وتقليل الروتين، السعي نحو تنظيم السكن العشوائي لانه من اكثر العوامل تشجيعا لانتشار هذا الاقتصاد، التوسع الافقي والتكامل العمودي في القطاع العام والخاص من اجل زيادة إمكانية استيعاب اليد العاملة وزيادة البحث العلمي وتدريب اليد العاملة لتتلائم مع متطلبات سوق العمل.
واخيرا ختم الندوة بان معيار التمييز بين اقتصاد الظل والاقتصاد الرسمي هو من مؤشرين اثنين هما:
1 ـ العلنية وما يترتب عليها 2 ـ المساهمة في خزينة الدولة مقابل الخدمات المقابلة.
المداخلات:
ـ قدم الدكتور منير الحمش مداخلة اشار فيها الى ان المشكلة في اقتصاد الظل هي ان إحصاءاته قليلة وقد يعاني الباحث كثيرا وهذا ما عاناه المحاضر.
ـ د. رسلان حضور: اقتصاد الظل هام وخطر على الاقتصاد الوطني ككل، فإذا كان حسب التقديرات الرسمية 40% من الاقتصاد الوطني هو اقتصاد ظل، بالتالي فان 40% من حجم النشاط الاقتصادي هو خارج حسابات الدخل القومي، وخارج اطار الخطط الخمسية وخارج اطارات السياسات والبرامج وبالتالي فقدت الكثير من هذه الخطط والبرامج من صدقيتها وبالتالي فقدت قدرتها على حل المشاكل.
ـ الاستاذ رياض داغر: اتمنى ان يسمى هذا الاقتصاد باقتصاد الفساد، مضيفا ان الفساد الرسمي هو اهم بكثير من اقتصاد الظل.
ـ الدكتور عصام الزعيم: نحن نواجه مشكلة بطالة كبيرة، فاذا كانت الدولة عاجزة عن تأمين الوظائف اذا لماذا نقلق ولا نسعد من وجود هكذا اقتصاد؟!
ـ الدكتور غسان ابراهيم: ننشغل دائما بالارقام الاحصائية ونهمل الآثار الاخلاقية وهي اخطر من آثاره الاقتصادية.
ـ الدكتور عابد فضلية: بالرغم من ان الاهمال التعليمي واضح في هذا القطاع، فأنا على العكس اقول: من أهمل نفسه تعليميا هو الذي دخل هذا القطاع.
ـ الدكتور علي كنعان قال: بلغت الاموال المغسولة عالميا عام 2005 (3000) مليار دولار 18% منها في الولايات المتحدة.
لقطات:
ـ بدأت المحاضرة بالوقوف دقيقة صمت اجلالا لروح الدكتور ناصر عبيد الناصر عضو الجمعية.
ـ طلب رئيس الجلسة من المحاضر الاختصار في اكثر من مرة، فاتهمه المحاضر بالقمع والدكتاتورية.
ـ قال المحاضر: كما يوجد اقتصاد ظل توجد هناك شهادات عليا في الظل، فاردف بعض الحضور بانه بالإمكان شراء شهادة دكتوراه من الخارج بـ(5000) دولار.
ـ د. رسلان: اذا بدك تضيّع واحد كتر عليه الارقام، مشبها المحاضر ببعض الوزراء السابقين.
بالأرقام:
ـ يقدر ا لخبراء بان تجارة المخدرات تدر سنويا ما يبلغ 400 مليار دولار وان حجم الاموال الناجمة عن غسيل الاموال سنويا يتجاوز ما يتم استثماره في صناعة النسيج والسيارات.
ـ بلغت التحصيلات من الضرائب والرسوم من القطاع الخاص في الاعوام من 2003 حتى 2005 ما نسبته 11.7% ـ 13.9% ـ 23.1% في الوقت الذي تزيد فيه مشاركته بالناتج الاجمالي على 60%.
ـ تبلغ نسبة العاملين في هذا القطاع في نشاط البناء والتشييد نسبة 42.4% من العاملين فيه وذلك بسبب كثرة المخالفات السكنية.
ـ نسبة الفقراء في هذا القطاع من اجمالي فقراء سورية 48%.
ـ سنويا ينضم لسوق العمل السوري 250 الف طالب عمل، لكن لا يؤمن اكثر من 70 الف فرصة عمل.
ـ تحتاج اسرة مكونة من 5 أفراد الى 15500 ل.س شهريا لتلبية احتياجاتها بالحد الادنى.
ـ زادت انتاجية العامل السوري في اهم المنتجات بين عامي 1998 ـ 2002 من 657 الف ل.س الى 809 آلاف ل.س بينما بقيت الرواتب والاجور ثابتة.
باسم المحمد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد