أسوان: هدنة لـ3 أيام تمهيداً للمصالحة
شهدت محافظة أسوان، يوم أمس، هدوءًا حذراً، بعدما نجحت الوساطات في التوصل إلى هدنة لثلاثة أيام بين قبيلتي الدابودية وبني هلال، وذلك غداة الاشتباكات التي أوقعت منذ يومي السبت والأحد الماضيين نحو 28 قتيلاً بين الجانبين.
وفيما يأمل كثيرون أن يفضي اتفاق الهدنة إلى اتفاق مصالحة شاملة بين النوبيين والعرب في أسوان، عقد الرئيس المصري المؤقت المستشار عدلي منصور اجتماعاً طارئاً ضم رئيس مجلس الوزراء ابراهيم محلب ووزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي ووزير الداخلية اللواء محمود ابراهيم في مقر رئاسة الجمهورية، وذلك للبحث في سبل احتواء التوتر القبلي.
وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير ايهاب بدوي إن منصور تلقى تقريراً عن مستجدات الموقف في محافظة أسوان، ويتضمن التدابير الأمنية المتخذة من قبل القوات المسلحة والشرطة لمنع تجدد الاشتباكات، فضلاً عن الإجراءات المتخذة للحيلولة دون تكرار ما حدث، ووجّه بمحاسبة أي مسؤول يثبت تقصيره في الاضطلاع بمهامه ومسؤولياته".
ونجحت وساطة محافظ أسوان اللواء مصطفى يسري في التوصل إلى اتفاق بين الدابودية وبني هلال، وذلك بعد اجتماعات مطوّلة شاركت فيها قيادات القبيلتين، ومشايخ من القبائل العربية والنوبية الأخرى في المنطقة، وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية.
وبحسب ما نقلت صحيفة "المصري اليوم" عن مدير الإعلام في محافظة أسوان محمد حسن، فإن اللواء يسري عقد ما لا يقل عن أربعة اجتماعات منفصلة مع ممثلي كل قبيلة، قبل أن تنجح وساطته في عقد جلسة أخيرة انتهت إلى اتفاق تهدئة.
وأشار الى ان تلك الاجتماعات امتدت من الساعة التاسعة من مساء الأحد حتى الساعة الرابعة من فجر أمس. وأضاف أن جلسة إقرار الهدنة عقدت في غرفتين من غرف المحافظة، حيث جلس ممثلو كل قبيلة في غرفة منفصلة، ولم يجتمعا وجهاً لوجه طوال الجلسة، موضحاً أن المحافظ كان يجتمع بممثلي إحدى القبيلتين على حدة ثم ينتقل إلى الغرفة التي يجلس فيها ممثلو القبيلة الأخرى لنقل مطالب وضمانات الهدنة في محاولة لتقريب وجهات النظر والتوصل لاتفاق ينزع فتيل الأزمة الدامية.
وقال رئيس "جمعية بني هلال" سعودي حسن "اتفقنا على هدنة لمدة 72 ساعة لتقييم الموقف ومدى التزام الطرف الآخر بما ورد في الاتفاق"، مشدداً على أن أبناء قبيلته سيلتزمون بالاتفاق ما التزم الطرف الآخر".
ويتضمّن الاتفاق بين القبيلتين تفاهمات عدّة، من بينها ترسيخ تهدئة لفترة ثلاثة أيام، تشمل وقف الاعتداءات والحملات الإعلامية، وإطلاق سراح كل من قُبض عليهم من شباب القبيلتين باستثناء المتهمين في قضايا جنائية، وحصر المشكلة في مجال التنازع بين القبيلتين دون امتدادها إلى باقي المناطق أو الأطراف الأخرى.
كما يقضي الاتفاق بعدم قيام القبيلتين بعمليات قطع الطرق أو نصب كمائن تفتيش وتجنب الاحتكاك من خلال ابتعاد كل طرف عن مناطق تجمع الآخر.
واتفقت القبيلتان على تقديم أي متهم في عمليات العنف التي وقعت إلى الأجهزة الأمنية والقضاء المختص، ودعم جهود لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الحكومة للوقوف على أسباب الأحداث.
كما تم التوافق على الإسراع في دفن جثث قتلى أعمال العنف، بعد معاينتها من قبل الطب الشرعي، والحصر الفوري لكل الخسائر التي تكبدها الجانبان، سواء كانت في المنازل أو المحال أو العربات أو المواشي.
من جهته، أكد محافظ أسوان اللواء مصطفى يسري أنه تم البدء في تسيير دوريات مشتركة من قوات الشرطة والجيش لفرض السيطرة الأمنية في منطقة السيل الريفي، حيث وقعت الاشتباكات، والمناطق المجاورة لها، وفتح الشوارع والمحاور الرئيسية، مشيراً إلى ان "تلك الدوريات ستساهم في سرعة احتواء الأزمة الحالية وبسط يد الأمن ومنع تجدد الاشتباكات التي تحاول أطراف خفية تأجيجها ودفع شباب القبيلتين إلى مزيد من العنف".
في هذ الوقت، اتهم عدد من مشايخ الدابودية والهلالية جماعة "الإخوان المسلمين" بالوقوف وراء أعمال العنف القبلية في أسوان.
ونقلت صحيفة "الوطن" عن وجهاء من القبيلتين قولهم إن "بعض المنتمين إلى الاخوان عمدوا إلى كتابة عبارات تسيء إلى الجيش، والمشير عبد الفتاح السيسي، وأخرى تدعم الرئيس المخلوع محمد مرسي، وقاموا بمد المتعصبين من الطرفين بالأسلحة التي ظهرت للمرة فى يد أبناء النوبة، بهدف تكثيف الجهود الأمنية في المنطقة المحيطة بالقبيلتين، وإحداث فراغ أمني أمام مبنى المحافظة ومديرية الأمن لاحتلالها والسيطرة عليها".
وقال نقيب المعلمين في محافظة أسوان ياسين عبد الصبور، وهو أحد كبار قبيلة الدابودية، إن "الخلاف الواقع بين القبيلتين يقف وراءه هدف سياسي بحت، بوازع من جماعة الإخوان الإرهابية التي أرادت إحداث فراغ أمني في المحافظة وتوجيه مهام أفراد الأمن لفض أحداث الشغب والاشتباكات، ومن ثم السيطرة على المباني والمنشآت الحكومية الرئيسية في محافظة أسوان، والتى دعا إلى احتلالها أفراد من الجماعة المحظورة على مدار الأيام والأسابيع الماضية من دون أن يتمكنوا من ذلك".
وأضاف عبد الصبور ان "السلاح الذي استخدمته الجماعة الإرهابية في أعمال العنف التي ارتكبتها منذ ثورة 30 يونيو حتى الآن، هو نفسه الذي ظهر فى يد أبناء النوبة للمرة الأولى في تاريخهم".
وعلى الجانب الآخر، وصف المهندس أحمد سيد، من كبار قبيلة بني هلال، الاشتباكات الدائرة بين الطرفين بالكارثة الحقيقية، وهي اشتباكات يقف وراءها طرف خفي قد يكون سياسياً، لاستغلاله من قبل بعض التيارات السياسية للتدليل على غياب الأمن" في أسوان.
وفيما وجهت انتقادات عنيفة لوزارة الداخلية والقوات المسلحة على خلفية عدم الإسراع في التدخل لاحتواء الاشتباكات، التي خلفت 28 قتيلاً، فإن خبراء أمنيين يرون ان ثمة خصوصية للمجتمع القبلي في الصعيد المصري ربما فرضت التريث في التعامل الأمني المباشر مع نزاعات من هذا النوع.
وقال اللواء رفعت عبد الحميد، خبير العلوم الجنائية لصحيفة "المصري اليوم" إن التفسيرات الإعلامية حول وجود تقصير أمني في مواجهة الاشتباكات التي وقعت بين قبيلتي بنى هلال والدابودية بأسوان، متسرعة وخاطئة.
وأوضح أن "هناك موروثات أمنية وعرفية متبعة في مثل هذه الجرائم، وهي ألا يتدخل الأمن أولاً، ولكن الدور الرئيسي لحقن الدماء هو احتواء الأزمة من خلال لقاء شيوخ وكبار القبيلتين المتنازعتين".
وأضاف عبد الحميد أنه "للمرة الأولى في تاريخ العلوم الجنائية منذ القرن الثامن عشر، تحدث مثل هذه الجرائم، حيث لا خلافات ثأرية بين القبيلتين، فضلاً عن أن مدينة أسوان تتميز بأن الإحصائيات الجنائية في مثل تلك الجرائم تمثل صفراً، وما حدث هو نوع جديد من أنواع التخطيط الناعم، وهو سلوك إجرامي بدأ منذ عزل محمد مرسي، حيث بدأ بكتابة عبارات مسيئة على جدران مدرسة ثانوية من طلاب المدرسة، وانتهى بوضع جثث مذبوحة على سيارة كارو بهدف التصدير الإعلامي للخارج، وتلك الجرائم ليست ثأراً أو بسبب خلافات سابقة، فليس في الثأر ذبح".
وتابع أن "السيناريو الذي حدث في أسوان، هو نقل مفاجئ لمسرح الجريمة، من قلب القاهرة والإسكندرية وبعض محافظات الوجه البحري إلى أقصى الصعيد، وذلك يسمى (الفخ المسمم) وقد ابتلعه أهالي القبيلتين اللتين تربطهما صلة رحم، فضلا عن تقارب منازلهما".
وتوقع عبد الحميد أن يكون الجناة الرئيسيون من القيادات الإرهابية المطلوب ضبطها وإحضارها، مؤكداً أن التخطيط لكل الجرائم يتم من داخل السجون، ويستخدم فيها البلطجية وتجار المخدرات بأسلحتهم.
في المقابل، قال خبير مكافحة الإرهاب الدولي اللواء رضا يعقوب إن محافظة أسوان تعاني من فراغ سياسي وخلل أمني بسبب تفاقم أعداد الأسلحة النارية واستخدامها بدرجة كبيرة، مؤكدا أن المشكلة بين القبيلتين لها جذور منذ أيام ولم تجد من يعالجها، بسبب عدم وجود إدارة بالمحافظة لمواجة الأزمات، فضلاً عن عدم تفرغ المحافظ لإدارة شؤون المحافظة.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد