لبنان إلى المواجهة
مرة جديدة يقف الفريقان أمام الحائط المسدود. قرر فريق السلطة تحديد جلسة لمجلس الوزراء اليوم متجاوزاً المساعي الحوارية التي قال النائبان وليد جنبلاط وسعد الحريري إنهما يريدان استئنافها. أما تحالف أمل وحزب الله فأوضح موقفه من النقاش حول المحكمة الدولية متهماً الفريق الآخر بالتهرب من الاتفاقات ومعلناً تمسكه بشروطه للحل السياسي وبحقه في اللجوء الى كل الوسائل للتعبير عن مطالبه، بينما أكد العماد ميشال عون على المنطق الحواري دون التخلي عن اعتبار الحكومة غير دستورية والتمسك بالمطالب.
إلا أن مناخ الاتصالات التي جرت امس على اكثر من صعيد، أوحت مرة جديدة بأن الامور تتجه صوب مواجهة مؤكدة ما لم يتم اجتراح معجزة ما، وخصوصاً أن مبادرة من خارج السياق الطبيعي قام بها الرئيس سليم الحص باتجاه الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة لم تؤت ثمارها بعدما تبيّن أن الاخير يمسك بيده نص البيان الذي سيصدر اليوم عن جلسة الحكومة، وان فريق السلطة يريد تكريس امر واقع بشأن المحكمة الدولية ويعود من بعدها الى النقاش الآخر. وهو الموقف الذي عبّر عنه صراحة “الناطق السياسي” باسم الحكومة الوزير مروان حمادة بإعلانه “التصميم على إنجاز المحكمة والسير قدماً في إقرارها السبت مهما تكن ردود الفعل”.
وكانت الخطوة الابرز من جانب السلطة تلك التي قام بها جنبلاط الذي زار بري بعدما مهد سابقاً الوزير غازي العريضي للأمر. وعلم أن جنبلاط تمنى على بري التدخل لدى حزب الله لوقف حملته الاعلامية عليه وعلى فريق الاكثرية وانه طالبه بلعب دور خاص لمنع الفتنة وإحياء المبادرة الحوارية في أسرع وقت ممكن. ورد رئيس المجلس بأن من يريد الحوار لا يبادر الى خطوة فاصلة مثل الدعوة الى جلسة للحكومة لإقرار بند في غاية الاهمية دون الاهتمام بموقف الآخرين، إلا إذا كنتم تريدون منا أن نبصم على ما تقررون. ورد جنبلاط بأنه يدعم التوافق على امر حكومة الوفاق الوطني ولكن من المهم الآن تمرير ملف المحكمة، وعلى بري القيام بدور لتسهيل إقرارها في المجلس النيابي قريباً، ورد بري بأنه سوف يقوم بما يمليه عليه الدستور في هذا المجال. وكشف لجنبلاط عن البيان الذي صدر لاحقاً عنه وعن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وكان الرئيس بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وكتلتا نواب حركة أمل وحزب الله قد أصدروا بياناً ليل امس توجهوا به الى جميع اللبنانيين، وعرضوا فيه موقفهم المؤيد للمحكمة الدولية منذ ان طرحت، وحذروا من تزييف هذا “الموقف الإيجابي” من هذه المحكمة الذي عبّروا عنه في كل المحطات. ولفتوا الى نكث الأكثرية بصيغة اتفق عليها على هامش طاولة التشاور مع رئيس كتلة “المستقبل” النائب سعد الحريري “تقوم على الموافقة على مبدأ إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي (...) والموافقة في الوقت نفسه على تشكيل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها قوى المعارضة بأكثر من ثلث عدد الوزراء وتتأمن فيها المشاركة الحقيقية وتكون مدخلاً لمناقشة وحل القضايا الخلافية”. وأشاروا الى انهم
“إزاء هذا الانقلاب وسياسة الأبواب الموصدة التي اتّبعت بتجاهل منطق المشاركة” قرروا استقالة وزراء الحركة والحزب وقالوا انهم إزاء “توظيف” جريمة اغتيال الوزير الجميل “لاستمرار تشويه موقفنا” من المحكمة يعرضون هذه الوقائع “للتأكيد على الموقف الحاسم بدعمنا قيام هذه المحكمة وفق الآليات التي تحافظ على الأصول الدستورية وتضمن الغاية المرجوة في الوقت الذي نصرّ فيه على حقنا المشروع في المطالبة بالمشاركة السياسية الحقيقية ولن نقبل الخضوع لأي ابتزاز للعدول عن موقفنا تجاه هذه المشاركة”. وحذر وا من “أن مواجهة الطرف الآخر لمطالبنا السياسية المشروعة باستخدام ذريعة موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي لإرباك الرأي العام والتعويض عن ضعفه لا تخدم بالتأكيد الحقيقة والعدالة وبالتالي لن تثنينا عن الالتزام أمام اللبنانيين باستمرار المطالبة وباستخدام كل الوسائل الديموقراطية المتاحة وفق الأنظمة والقوانين المرعية والتي سنضطر لاستخدامها إذا ما استمر الطرف الآخر بالتعنت وتجاهل ركائز الوفاق الوطني اللبناني. اللّهمّ اشهد أننا قد بلّغنا”.
أما العماد عون فأعلن “أن الدستور اللبناني هو الذي يتضمن المقاييس الشرعية والدستورية التي تقول انه يجب أن يكون الحضور من الثلثين، وهذا المقياس متوفر، ولكنّ هناك شرطاً آخر تنص عليه المادة 95 من الدستور وهو مكرّس في الفقرة (ي) من مقدمة الدستور التي تتحدث عن الحقوق الطائفية في تأليف الحكومة، وهذا المبدأ المعمول به دستورياً ينص على المناصفة، وضمن المناصفة هناك مثالثة، أي مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ومثالثة بين الطوائف الكبرى الثلاث، المارونية والشيعية والسنية، في توزيع المناصب. هذا الشرط غير متوفر، وهو المقصود بالفقرة التي تنص على أنه “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. من هنا تكون الحكومة قد فقدت شرعيتها”.
وأكد “أننا لم نتخلّ عن مطالبنا” متسائلاً: من أوصل الأمور الى هنا؟ كنا نطلب من السنيورة هذه الأمور لكنه قال لي في عدة مناسبات: “سيصيح الديك وستطلع الشمس”، وكأنه يقول لا فرق إن رضيت أو لم ترض. وفي المرة الثانية قال “روح خيّط بغير هالمسلّة”، مؤكداً أن “حكومة الوحدة الوطنية والمشاركة في الحكم هما المخرجان الوحيدان، بينما هم يفتشون عن المحكمة الدولية هنا وهناك. كل هذه الأمور جيدة ولكن ضمن إطار التفاهم والمحافظة على الوحدة الوطنية”.
وكان بري قد قال في حديث الى الـ“بي بي سي” إن الجلسة الحكومية المقررة اليوم “لن تكون دستورية” وإن الوزراء الشيعة لن يعودوا عن استقالتهم وفريق الاكثرية لم يقدم حتى الآن أي اقتراحات تشجعه على الدعوة لاستئناف الحوار، مؤكداً أنه لا أحد في لبنان ضد إنشاء المحكمة الدولية. لكنه لفت الى “أن مجلس الأمن يناقش مسوّدة هذه المحكمة خلال سبعة أشهر ولا يسمح لمجلس الوزراء اللبناني بأن يناقشه في خلال خمسة أيام” ووصف الحكومة بأنها غير ميثاقية وغير دستورية وبأنها “حكومة قائمة بحكم الواقع”.
وكشف بري أنه تلقى قبل أيام اقتراحاً من الفريق الأكثري وجد فيه “مساً بدستور الطائف” ويقضي بأن يكون للأكثرية 19 وزيراً مقابل 9 وزراء للمعارضة ووزيرين يسمّونهما “وزيرين ملكين لا يحق لهما أن يصوّتا”. وقال: “إن هذا الاقتراح ضد الدستور، ولذلك قلت إنه لا يصح”. وكرر طرح اقتراحه العودة الى الميزان الذي كانت الحكومة الحالية تألّفت على أساسه وهو “الثلث زائداً واحداً” كحل للخروج من الازمة السائدة.
فيما ذهب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين الى وصف الحكومة بأنها “مجموعة مغتصبة للدستور” كاشفاً ان السفير الاميركي جيفري فيلتمان حرض الأكثرية الحاكمة على النزول الى الشارع اثر اغتيال الوزير بيار الجميل والاستمرار في نهجها على ان “تغطيها التصريحات الاميركية” في هذا التحرك. وأشار الى ان المعارضة ستتعاطى مع أي دولة في العالم تتعاطى مع حكومة السنيورة “الفاقدة شرعيتها الدستورية” على أنها “طرف في الخلافات الداخلية”.
أما الرئيس إميل لحود الذي توقعت أوساطه تعرضه لحملة قوية مجدداً على خلفية المحكمة وأمور اخرى، فأكد أنه ليس في لبنان من هو ضد المحكمة الدولية، وأنه أبلغ امس الموفد الروسي نائب وزير الخارجية ألكسندر سلطانوف، أنه لم يشترط سوى إقرارها وفق الأصول الدستورية والنظر بالملاحظات التي وضعها لتنقيتها من الشوائب القانونية والدستورية لتحصينها إزاء أي من الثغرات التي ظهرت فيها.
وقالت المصادر: إن لحود أبلغ السنيورة امس من جديد عبر الأمانة العامة لمجلس الوزراء وبموجب كتاب رفعته إليها المديرية العامة للقصر الجمهوري بأن جلسة اليوم تعتبر غير دستورية وغير شرعية، ولا يبنى عليها اي قرار شرعي. وقالت المصادر ان الرسالة تضمنت النص عينه الذي وجهته إليه المديرية عشية الجلسة التي أقرت النظام الداخلي للمحكمة والأتفاقية المشتركة مع الأمم المتحدة في الثالث عشر من الشهر الجاري.
وليل امس وجه الرئيس لحود الى الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان رسالة أعلمه فيها أن أي مصادقة لاحقة على مشروع الاتفاق بين لبنان والأمم المتحدة في شأن المحكمة الدولية والنظام المرفق به، اللذين حظيا بوافقة الأمم المتحدة “لن يكون لها أي سند دستوري لأنها حصلت من قبل حكومة فاقدة شرعيتها الدستورية”.
وقال مراقبون إن فريق السلطة “استهلك” سريعاً النتائج السياسية لجريمة اغتيال الوزير بيار الجميل، وان الارتباك الذي أصاب المعارضة سرعان ما عاد ليصيب فريق السلطة، حيث تبيّن أن امتناع الرئيس أمين الجميل والبطريرك الماروني نصر الله صفير عن تغطية أي حركة شعبية سياسية تذهب أبعد من الاحتجاج على الاغتيال، قد خلق مشكلة عبّرت عنها اوساط مسيحية من قلب فريق السلطة بأن “هناك شعوراً في الشارع المسيحي بأن في السلطة من يهتم فقط لأمر المحكمة الدولية ولا لأي شيء آخر” وخصوصاً أن التحقيقات في الجريمة لم تظهر تقدماً لافتاً بينما انشغلت القوى الامنية امس بمراقبة كل الامكنة التي تخص وزراء ونواب فريق السلطة، وجرى تعقب سيارات قيل إنها كانت في وضع مشبوه، فيما اقدم مرافقو أحد نواب الأغلبية النيابية على توقيف سائق دراجة نارية كان يحمل جهازاً لاسلكياً وسلمه الى القوى الأمنية ليتبيّن لاحقاً أنه يعمل بصفة مخبر عند فرع المعلومات في وزارة الداخلية التي عاد إليها امس الوزير حسن السبع بعد اجتماع عقده مع الرئيس السنيورة والوزير أحمد فتفت في السرايا الكبيرة. كما انشغل الفريق الامني للسلطة بتوفير خدمات لمبيت عدد من الوزراء في السرايا الكبيرة أو في احد الفنادق وسط العاصمة وذلك تحضيراً لجلسة اليوم، وسط إجراءات أمنية إضافية لكل الشخصيات السياسية والنيابية والوزراية والاعلامية الخاصة بفريق السلطة.
كذلك تعذر امس جمع القيادات السياسية المسيحية عند البطريرك الماروني بعدما اشترطت قوى السلطة ان يوقع العماد عون سلفاً على بيان يغطي الحكومة وقرارها بشأن المحكمة ويحمّل سوريا مسؤولية ما يجري من جرائم، ويدعو الى صياغة علاقات جديدة مع السلطة، بينما أكد عون ان المطلوب من الاجتماع ليس تغيير قناعات الناس بقدر ما هو تعهد القوى بعدم تعريض الشارع المسيحي لفتنة، والتعهد أمام صفير بعدم القيام بأعمال من شأنها جر المسيحيين الى فتنة.
ويفترض ان تعقد قوى الاكثرية اجتماعات على مستوى قياداتها السياسية والشبابية لأجل تنظيم تحرك في مواجهة الآخرين.
المصدر : الأخبار
إضافة تعليق جديد