النخب والإعلام السوري
وقع رامز ترجمان وزير الإعلام يوم أمس في معرض الكتاب بمكتبة الأسد كتاب " حق المواطن في الإعلام" الذي يقع في 330 صفحة وثق فيه الإعلامي نضال زغبور مشاركات الإعلاميين ورؤساء تحرير ووزراء وسياسيين وفنانين شاركو في المؤتمر الوطني الأول للإعلام الذي انعقد بدمشق فيما بين 22 ـ 24 نيسان الماضي وفيمايلي مشاركتي المتواضعة المنشورة في الكتاب:
سورية ولّادة، ولطالما كانت، عبر تاريخها الطويل، تنتج النخب ثم توزعهم في أنحاء العالم بدل أن تستثمرهم لصالحها.. فحضن سورية واسع للغريب ضيق على أبنائها، وإذا عدنا إلى سورية منذ أوائل القرن الماضي حتى اليوم نلاحظ كيف أن السياسة كانت سبباً لطرد النخب باستثناء فترة منتصف الأربعينات وحتى منتصف الستينات حيث أنتجت سورية خلال هذين العقدين موجات من النخب الاقتصادية والثقافية والعسكرية والسياسية والدينية كانت فاتحة لوطن جديد ينتظره ما كان ينتظر أوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، غير أن الآيديولوجيات الحزبية المغلقة منعت تحقق ذلك، ولا نلوم البعث هنا لأن القومي السوري والشيوعي والإخونجي كانوا يشكلون بدورهم دوائر مغلقة على آيديولوجياتهم، ولو أن أحداً غير البعثيين تسلم السلطة لما تجاوزهم في سياستهم الوطنية الوصائية التي تجسد مخاوفهم أكثر من طموحاتهم، حيث انطلق الجميع من أفكار ماضوية ولم تتجاوز الحداثة عندهم حدود الشعارات، باستثناء الإسلاميين الذين كانو واضحين في رفضهم للحداثة شكلا ومضمونا، فأعادت أحزابنا، التي ضمت مجمل أفراد الشعب، إنتاج الماضي بمانشيتات جديدة، لهذا لم يكونوا متصالحين مع النخب غير المؤدلجة سياسياً، بل واعتبروها عدواً، الأمر الذي خرب البيئة الحاضنة حتى لم تعد قادرة على تهيئة موجات جديدة من النخب السورية..
فقد أعدنا إنتاج الماضي بأدوات الحاضر منذ بداية الاستقلال حتى بداية الحرب العالمية على الأرض السورية دون أن ندري، وفشل الجميع في إنتاج الحداثة المبتغاة.. ونحن اليوم نظاما ومعارضة نعيد إنتاج أنفسنا دون أن ننتبه لخطورة رحلتنا نحو الخلف الذي هرب أجدادنا منه نحو مااعتقدوه المستقبل ؟!
مع بداية القرن الواحد والعشرين بدأت تتشكل نخب خجولة تحت مظلة حيتان الاستثمار واختراعهم الذي سموه «اقتصاد السوق الاجتماعي» برعاية صاحبنا المستشار عبدالله الدردري، الذي أوجد فتوى اقتصادية تناسب طموحات أولاد السادة الاشتراكين الذين يرغبون باستثمار أموال آبائهم داخل البلد، ضمن توليفة خربت قوانين النظام شبه الاشتراكي، ولم تقدم بديلاً حقيقياً له، بما فيه اختراع «القطاع المشترك» حيث تحالف الطمع مع الفساد ولم يأبهو لتجديد وتطوير مؤسسات الدولة فعلياً، فكانوا تجسيداً حقيقياً للشتيمة التي اخترعها آباؤهم عن "البرجوازية العفنة" التي كانوا يطلقونها على خصومهم إبان ثورتهم عليهم!؟
في ظل هذا الجو نشأت صحافة الدكاكين بعد إلغاء التأميم وكان الهم الأول لهذه الدكاكين هو الإعلانات ورضا المعلنين عنهم من القطاعين العام والخاص، وبدلاً من أن تنتج نخباً جديدة فقد مسخت الأسماء القديمة اللامعة، فنبذت المتعففين وضاجعت الباقين فحملوا منها حملاً كاذباً بدليل أن أغلبهم تم شراؤه بسعر أعلى لينضموا إلى الثورة السلفية على الدولة السورية، إلا الذين آمنوا وصبروا على عسفِ الإخوة الأعداء.
وعلى أي حال فإن الحروب تجب ما قبلها، ونيرانها تعيد صهر المجتمعات، وقد نشأت لدينا خلال الحرب نخبة إعلامية جديدة يمكن تقسيمها إلى فئتين:
أ - مجموعة المراسلين الحربيين.
ب- أدمن الصفحات الوطنية.
وهما موجة شابة واحدة يتوفر لديها كثير من الحماس والقليل من الدعم والخبرة. وقد اتفقت مع السيد وزير الإعلام منذ أواخر الصيف الماضي على تشكيل جمعية للإعلاميين الحربيين الذين شكلو موجة إعلامية لافتة لاينقصها الحماس والتضحية وتحتاج إلى الرعاية والدعم مع خطة استراتيجية لمسيرتهم لما بعد الحرب حتى لا يكون كبندقية تنتسى في زمن السلم، فهؤلاء يمكن أن يشكلو رافعة للإعلام الوطني الذي دمرته السياسات التوجيهية والعقلية الوصائية خلال نصف قرن ولم تنفع كل القرارات والحلول الصادرة عن نفس الجهات التي كانت سببا في تراجع النخب الإعلامية..
كما اتفقت مع الوزير ترجمان عل تشكيل رابطة لمدراء الصفحات الوطنية على مواقع التواصل الإجتماعي لدعمهم ماليا وتأهيلهم إعلاميا، دون محاولة تأطيرهم والهيمنة عليهم كيما تتشكل بحرية تناسب حماسهم الوطني وتطلعاتهم الإعلامية.. فهؤلاء قيمتهم في جمهورهم الذي نجحوا في مخاطبته بإمكانيات بسيطة حتى باتو يسبقون الإعلام الرسمي في نشر الخبر .
أخيرا أقول أن الجهات الإعلامية الوصائية مازالت تعيد إنتاج نفسها في الوقت الذي تتحدث فيه عن تجديد الخطاب الإعلامي، ومازالت تستخدم الآلية نفسها في التعيين والإقصاء، ورغم فشلها المزمن مازالت لاتعرف قيمة الموجة التي شكلتها الحرب، هذه الموجة التي ستبدأ بالإنحدار والتلاشي مع نهاية الحرب إذا لم تتمكن الجهات الحكومية من شحنها وإعادة توجيهها بقوة تحمل معها سفينة الوطن التي تتقاذفها أمواج الأعداء ..
نبيل صالح
التعليقات
للأسف خسرناك كاتبا صحفيا ولم
لا أظنها شتيمة ..
ثمن الكرسي...؟!
إضافة تعليق جديد