تزييف التاريخ ممهوراً بتوقيع السيد المدير المهذب الطيب القلب
الجمل ـ الدكتور عبد القادر سعد :بدايةً نستأذن الصحفي أسامة المصري لأننا استعرنا عنوان مقالته الشهيرة في مجلة ((أسود وأبيض)) العدد /84/ تاريخ 7/6/2004 ص 40 ـ 41.
عرض التلفزيون السوري على قناته الأرضية منذ فترة قريبة ندوة تلفزيونية تناولت موضوع الآثار السورية بين الإهمال والاهتمام، استضافت فيه المدير العام للآثار والمتاحف.
أول ما يلفت النظر هو المستوى العلمي السطحي الذي ساد جو ذلك الحوار، والطريقة البدائية التي تم بها تناول المواضيع المطروحة، والتي يفترض أن تكون بأعلى المستويات لأن الضيف يمثل وجهة النظر الرسمية والعلمية لكل ما يتعلق بالآثار السورية وهو الذي يرسم السياسة السورية على صعيد الآثار، ويفترض أن تكون الإجابات على المواضيع المطروحة ـ رغم بساطتها ـ دقيقة وعلمية وواضحة.. إلا أن الذي شعر به كل متابع لتلك الندوة أنه عاد بالذاكرة إلى الوراء، إلى عشرات السنين عندما كان يستمع لمواضيع الإنشاء التي يقرؤها الطلاب الكسالى في الصف، فلا مقدمات منطقية، ولا تسلسل للأفكار، ولا رؤية بعيدة أو إستراتيجية واضحة.
وأعتقد أن المتابعين قد عجزوا طوال فترة اللقاء من أن يحصلوا على جملة مفيدة أو فكرة واضحة، لدرجة أنني شككت في نفسي بأن العيب قد يكون مني لأنني لست من المتخصصين في شؤون الآثار، إلا أن تساؤلاتي وأحاديثي في الأيام الماضية مع بعض المهتمين بالشأن الثقافي ممن تابعوا اللقاء أعاد لي الثقة بنفسي، فقد كانوا هم أيضاً يمنون النفس بحديث علمي منطقي شفاف فيه رؤية وإستراتيجية وقراءة صحيحة لواقع الآثار السورية، واقتراح حلول ناجعة لمعالجة تردي الأمور وما آلت إليه، وشكرنا الله ألف مرة أن الحديث كان على القناة الأرضية ولم يكن على الفضائية، على الأقل تعودنا نحن في سورية على أن تكون ندوات التلفزيون السوري بهذا المستوى الذي لا يتوقع منه المشاهد أن يحصل على أي فائدة علمية أو إجابة حقيقية من ضيوف تلك الندوات.
عذراً فنحن لا نعرف المدير العام شخصياً ولا تربطنا به أي علاقة مصلحة أو عداوة، بل على العكس عندما سألنا عنه من يعرفونه، اجتمعت الإجابات على أنه من الناس الطيبين المهذبين، ولكن هل هذا يكفي، ألا يحق لنا كمواطنين في هذا البلد أن نحلم بالمجد، ونتوق كي نرى علمنا بين السحب، نتألم ونبكي إذ ما أصاب طرف الوطن البعيد أو القريب أي جرح من أي نوع، أليس من حقنا أن نتساءل هل نضب بحر الكفاءات السوري لنكتفي بالطيبة والتهذيب لإدارة مؤسسة أقل ما يقال عنها أنها هامة وحساسة وهي المسؤولة عن رسم تاريخنا وتقديمه بأفضل صورة للعالم.
كيف يحدث هذا في الوقت الذي نخوض فيه أشرس المعارك مع عدو يستهدف وجودنا وتاريخنا وثقافتنا وأرضنا؟ كيف يحدث هذا والصراع على أشده يستهدف في كل لحظة هويتنا وتراثنا، ويسخر ويمول عشرات الأقلام الحاقدة والمأجورة لتزوير التاريخ وقلب الحقائق؟ أليس من حقنا أيضاً ونحن أبناء هذه الحضارة أن نرفع أصواتنا ونسأل ما هي المعايير والمقاييس التي يتم بها اختيار القائمين على شؤون الآثار.
اسمحوا لنا أن نصرخ كفانا جروحاً وأوجاعاً وأمراضاً ومهازل. لقد تعبنا من أنابيب الاختبار ومن سكب الحموض علينا ومن التجريب فينا وبمستقبلنا ومستقبل أبنائنا الذي هو مستقبل الوطن.
ما دفعني للكتابة ليس الحديث التلفزيوني وحده الذي كان البداية التي أثارت فضولي للتساؤل عن وضع مديرية بهذه الأهمية تدار بهذه الطريقة، وبغض النظر عن كل التفاصيل السلبية التي سمعتها ولا أستطيع نفيها أو إثباتها، فهذه ليست مهمتي.
إلا أن الإشارة للمقالة التي استهليت بها مقالتي تكفي لمعرفة ما آل إليه وضع المديرية العامة للآثار، والتي يفهم منها أن هذا الصرح يدمر تدميراً منهجياً مدروساً في الوقت الذي يسعى فيه المسؤولون عنه لتقديم صورة براقة مزيفة لإخفاء الأخطاء التي ترتكب بسوء نية أو بالإهمال كما حدث في معرض (أنا زنوبيا) ومعرض (صلاح الدين) في فرنسا منذ عدة سنوات حيث عرضت القطع الإسرائيلية بجانب القطع السورية وفي خزانة واحدة أحياناً، فضلاً عما احتواه دليلا المعرضين من أخطاء ومغالطات مقصودة بحق تاريخنا وتراثنا وهويتنا، تصل إلى حد الإساءة الكبيرة للعرب، والترويج لأفكار توراتية صهيونية (فالجيش الذي رافق صلاح الدين في ذاك العهد كان بمعظمه من الأتراك والأكراد، أما العرب فكانوا وحدة صغيرة فيه وأغلبهم من اللصوص وقطاع الطرق)، (وصلاح الدين كان من أصل كردي، وشخصيته عنيفة ودكتاتورية، وكان يكره العلماء ويحمل كرهاً شديداً للشيعة وحاول القضاء عليهم)، (وزنوبيا ملكة تدمر حكمت تدمر في فترة ازدهارها، أما من أسس تدمر فهو الملك التوراتي سليمان الذي بناها عندما كانت خراباً في البرية)، (وزنوبيا كانت ميالة للديانة اليهودية وربما اعتنقتها، وقد عاشت الطائفة اليهودية في عهدها حرية كبيرة خلال القرن الثالث الميلادي)، (وزنوبيا لم تكن أبداً ذات أصل عربي، ولكنها كانت على علاقة ما بالقبائل العربية...) تلك هي بعض الأفكار التي وردت في دليلي المعرضين المذكورين، وتلك هي الأفكار التي خرج بها عشرات الألوف من زوار المعرضين الذين جاؤوا ليعرفوا حقيقة تدمر وزنوبيا وصلاح الدين، أفكار كتبت وطبعت وقدمت لهم باللغة الفرنسية وبموافقة المديرية العامة للآثار والمتاحف...
ماذا بعد؟ هل باتت الصورة واضحة؟ وكيف يصنع الوهم التاريخ؟ وكيف تعيد التوراة كتابة تاريخ بلادنا بوجود المديرية العامة للآثار والمتاحف؟ المفاجأة ليست هنا، قد نسيء الظن بأن من أشرف على ذلك المعرض من مديرية الآثار ليس متخصصاً، أو أنه كلف بتلك المهمة دون أن يكون له علاقة بها، ولكن المفاجأة أن من أشرف ودقق ووقع على دليل المعرض هو المدير العام الحالي للآثار والذي كان آنذاك مديراً للمتاحف.
ماذا بعد؟؟ لم يبق شيء ليقال، فقط أفسحوا المجال للكثير من حسن الظن... لفرضيات النسيان والخطأ والسماح بقبول الرأي الآخر.. وارفعوا القبعات لمندوبي سفارات الاستعمار القديم والجديد وهم يعيدون تدقيق وتنقيح شجرة نسبنا، وكتابة تاريخنا القديم بأسلوب جديد. ولا تنسوا أن تحجزوا لكم أجنحة في" فنادق محو الذاكرة"
التي ستشاد على أنقاض أسواق دمشق العتيقة وفي جزيرة أرواد الأثرية، لتناموا فيها وتحلموا، فالأمانة في أيادي أمينة.
الجمل
التعليقات
الواسطة
يميز السوري
يبدو أن البعض
المجد لسوريا و
للأسف ليس فقط
كل المدراء
كبرها بتكبر
هي وقفت على
صحيح انا لست
رقابة داخلية
إضافة تعليق جديد