قرنا الثور المقدس
الحرية ذئب لا يروَّض، ومطلب الحرية في الحواري السورية تحول إلى حركة فوضوية غذت العصبيات القومية والطائفية وبررت بطش الأجهزة الحكومية وقسمت المجتمع السوري إلى ما لا يمكن جمعه تحت سلطة أي نظام قادم، بعثياً كان أم إسلامياً أم أطلسياً: هذي هي الصورة العامة للبلاد سواء أعجبنا ذلك أم لم.. والمشكلة تكمن فيمن سيحكم ومن سيطيع.. وبما أن الجميع يريدون أن يحكموا لا أن يطيعوا فسيستمرون في تناوب ضرب العصي على رؤوس بعضهم حتى تتحقق الطاعة لأحدهم، وعلى الأغلب سيكون الأقوى بطشاً والأتيس رأساً، فإما أن يكون ثوراً مقدساً بقرنين أحدهما بعثي والآخر إسلامي، وإما أن يكون تنيناً بقرن واحد يحمل شعار الناتو وشعلته التي أحرقت 100 ألف من الليبيين دون أن تهتز شعرة في رأس الثورجيين العرب..
وهاته القرون هي التي ستكعَش أمامها جمهور الأمة الأعمى الذي يحرك عصاه على هدي مرجعيات قديمة: قومية دينية مذهبية قبلية عشائرية، تفرض حريتها المناهضة لحرية الآخرين الذين ليسوا من دائرتها العصبية بذريعة الديمقراطية: إنها حرية الثيران العربية المندفعة في نفق الإمبريالية نحو مصنع المرتديلا الأمريكي...
لقد غدت لفظة "حرية" قرآن الشعوب العربية، وهي كلمة فضفاضة عربياً، وحمالة أوجه لغوياً، كالآيات القرآنية التي قسمت المسلمين إلى سبعين فرقة لإنتاج الكراهية، وواحدة ناجية هي تلك التي ستخضع للآلهة الغربية.. والمشكلة التي واجهت أجدادنا وتواجهنا من جديد هي عدم فهم فلسفة التاريخ العربي الذي يمر من أمام عيوننا ويفرّ من بين أيدينا، حيث كل شيء حدث بالأمس أصبح سخرية اليوم.. فالعالم يتغير باستمرار والناس عندنا يرون الصورة ولا يدركون حركة التغيير وقوانينها، لذلك تبدو حريتنا معكوسة الاتجاه، تذهب إلى الماضي بدلاً من المستقبل، حيث حرية السلف الصالح تضع "ملاية" على عيون الخلف الصالح، وهيغل ما زال ممنوعاً من الصرف في العقل السوري لأن (خير خلف لخير سلف) لم يعطوه فيزا بعد، بينما أعطوها للسفير الأمريكي وأخيه الفرنسي.. هيغل الذي تتلمذ على أفكاره الآباء المؤسسون للحلم السوري بعد الاستقلال وأواظب على قراءة ترجماته منذ عقد ونيف ولم أدرك بعد عقله الغربي بأدواتي الشرقية، ولكني أنتجت جملة افتتحت بها كتاب "رواية اسمها سورية" بالقول: "التاريخ هو حركة الذئاب في الزمن".. هذي الحركة التي أطلقت الإمبراطوريات الكبرى فوق هذا الكوكب، وكانت دمشق أبداً قبلتها، منذ أيام الإمبراطورية الهيلينية التي يرتفع المسجد الأموي فوق أساسات معبدها، مرورا بالبيزنطية فالإسلامية فالعثمانية وصولاً إلى الإمبراطورية الأمريكية وممثلها في دمشق الثعلب الأغبر روبرت فورد الذي يدرس حركة مجتمعنا عن كثب ويعمل مع قومه على تطويعها عن بعد، ونحن ما زلنا لأنفسنا معادون ولمشيئتهم مستسلمين.. ألم أقل لكم أن مشكلتنا بالأصل ثقافية ويجب تفكيكها وإعادة تجميعها داخل العقول أولاً وعلى الأرض ثانياً، أي بالحوار الذي دعت إليه السلطة مرغمة ورفضته المعارضة ترفاً.. ليش؟ قال لأنو ما ألهن ثقة بالسلطة.. طيب ومنذ متى تثق أي معارضة بأي سلطة، ومن قال أن الحوار والتفاوض بين الأعداء يبنى على الثقة؟ وهل يا ترى يثق أطراف المعارضة ببعضهم البعض؟ إن الصراخ على الشاشات وفي الشوارع والساحات لن يؤدي إلى أكثر من العطالة، عطالة اقتصادية ثقافية سياسية تدعم ما يسمى بالظاهرة الصوتية العربية التي لم نشفَ منها على امتداد قرن من الثورات المجيدة والدم العربي المسفوح مجاناً فوق الرمال التي لا ترتوي.
هامش: نسبة كبيرة من معارضي السلطة اليوم ارتكبوا الزنا معها بالأمس، وهم الآن يريدون إقامة الحد عليها ورجمها لأنهم ملوها ويرغبون بالزنا مع غيرها، وهذا ما دفع بصاحبنا وشاعرنا نزيه أبو عفش، المعارض الأزلي للسلطة، إلى إعلان وقوفه إلى جانب النظام الذي لم يحبه يوما ـ كما صرح لي ونحن نتعشى في بيته بمرمريتا ـ وأردف بالقول: يمكنني أن أتكلم حتى الصباح عن فضائح أصحابنا المعارضين مع السلطة ومكاسبهم منها، فأمنت على قوله: وأنا سأملأ الفراغات التي تتركها خلفك يا صاحبي..
سوق لتداول الأوراق غير المالية: قبل شهرين اقترحت إطلاق برلمان الشباب السوري، على أن يعقد (عكاظ) الشباب هذا في العاصمتين حلب ودمشق، وأن يكون منتدىً مستمراً في نقاشه وحواراته وأطروحاته كل الأيام، ويؤمّه شباب الوطن من شتى أرجائه على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، بحضور وسائل الإعلام، ولا تتدخل الدولة فيه طالما أنه لا يقترب من المسألة الأمنية (المؤممة لصالح السلطة).. ويحضر هذا العكاظ من يشاء من مسؤولي الدولة ومعارضيها للاستماع ونقل زبدة ما يُطرح إلى مجلس الشعب القادم للتصويت على تنفيذه أو تجاهله أو تأجيله بحسب الأولويات.. وهو إذا لم ينفع في دعم الإصلاح والتغيير مباشرة فسينفع في التقريب بين الجيل من جهة وآبائه من جهة أخرى، ويكون مدرسة دائمة لممارسة الديمقراطية التي نتشدق بها جميعاً ولا نعرف كنهها حتى اليوم.. وأهمية تنفيذ هذا الاقتراح واجبة بعدما لاحظنا المزاجية التي حكمت المحافظين ومستشاريهم الأمنيين في اختيار أسماء المدعوين إلى الحوار الوطني حيث غلبت أسماء العجائز المعتدلين على الشباب المتطرفين من كلا الفريقين وبالتالي بقيت مشكلتنا تراوح في مكانها.
نبيل صالح
التعليقات
صديقي أو جدي أو أخي نبيل صالح
لا يا عمي ..... معي قلمي ....
على قولة الرائع نارام .. عيب
للتاريخ صورة ومشهد واحد
مابين الديمقراطية والتاريخ
اختلف معك على التسميات
عيشة الكلاب
سلمت يانبيل
بتفق 100% ....
اسمعوا وعوا
قميص عثمان
مع الأسف الحوار مع بعضنا ضرب من الخيال
الديمقراطية العربية.... نموذج لكل العالم
استاذ نبيل : اعتدت الاستمتاع
ربيع الغربان
هامش ليس هامشياً
اللغة والنّاس
سورية أولا وآخرا
لادراسة و لا تدريس
حرية
أعتقد
لاتعليق
شخابيط
النصر المؤزر
سلمت يانبيل
سوري مخضرم !!
من نحن
نبيل صالح ... شكرا من القلب
شكرا استاذ نبيل
ربي يسر
آه كم أنت جريح يا وطني
فكرة أو رأي
الديموقراطية والحرية شماعة المصلحجيين ..
ديمووقراطية
تحية .
ورأي , وأمنية , وتنازل
مايقال بلهجة الشارع
طفح الكيل وسأعذر الموقع إذا لم ينشر التعليق
شر امة اخرجت للناس
سوريا (ابنة آشور المدلله)
اخ عدنان
العزيز abou nabiiil
العزيز نبيل صالح..
ما قصدك؟؟؟
لاتغيب عنا يانبيل
الان اصبحت الحرية عارا بعد
أشياء غير مترابطه,كما وطني
تحية لقارئ مزمن
الى الحر المحرور وزملائه من المحرورين
الرقص مع الذئاب
Pagination
إضافة تعليق جديد