وقت "العزايم أبو طوني نايم"
الجمل- عدنان عبد الرزاق: "شو في، شو ما في، شو أخبار الحكومة"، لو أن كل مرة يسألني هذين السؤالين، يدفع لي ليرة سورية، لحقّقت حلمي القريب، واشتريت منزلاً فخماً وسيارة فارهة، فإن لم يرني، لا يتوان عن الاتصال للسؤال، فهو صاحب حق مهضوم، وهو كفوء، وهو موعود منذ مدة، وقد أجرت الأجهزة المختصة الدراسات اللازمة عنه، شهادته وخبرته ونضاله ومعارفه أيضاً، جمعيهم يخوّلوه لتبوّء منصب مهم، لكنه ما زال منتظراً، وما زال ينتقد الأداء الحكومي ولايدّخر جهداً للمشاركة في أي محفل أو تظاهرة، تمكنه من رشق الحضور بمعارفه ونظرياته ورؤاه في التطوير وإخراج البلاد مما هي فيه وعليه، في آخر مرة رأيته، شعرت أنه "سيطقّ" غيظاً إن لم ينظر أصحاب القرار بشأنه، ويولوه شيئاً من أمر البلاد والعباد، فالأنا عنده وصلت إلى ما قبل الانفجار بشعرة، ونقده للأداء العام بلغ ما دون التخوين بقليل، بل صرخ وأزبد وبكى، وقال "لا يريدون من هم أفهم منهم، كيلا يكشفوا ضعف أدائهم وألاعيبهم، وأنا أنتظر آخر تشكيل، وبعدها لكل حادث حديث".
حكي فاضي
+ لماذا منصب قيادي، ها أنت في موقع ينعكس ـ ربما ـ على الأداء العام ـ بما لا يقل عن أي منصب، فإن كان الهم العام هاجسك، فيكفيك نقل معارفك ونشر خبرتك وثقافتك.
++ قاطعني قبل أن أكمل، "بلا حكي فاضي"، وأنا في موقع المأمور وليس الآمر، وأنا مضطر لتنفيذ ما يطلبه معاليه دون سؤال أو اعتراض، فإن أصبت، فإنما الفضل يعود لإرشاداته وإن خبت فلأني فاشل، وقد ضقت بهذه الحالة، كما أشعر أن هذا المكان الضيق يخنقني، لدي الكثير الكثير، وليس من مكان ولا مجال، لأقول وطبّق، وما يزيد الطين بلّة، أني مجمّد هنا، وأرى الكوارث التي تحدث، ولا من مجال لأوقف الخطأ أو أرشد للصواب.
أسألك نفسي
+ دعك من كل ما يجري حولك، انطلق من نفسك وحقّق المعجزات التي تدّعي أنك قادر على فعلها هنا، وقتها تكون كالنجمة المضيئة في ليل حالك، وقد يكون في ذلك طريقك لحلمك؟
++ أنتم الصحفيون تستسهلون الأمور وتشغلكم المظاهر والقشور، لا ألومكم، لأنكم غير متخصصين وقد يأخذكم الكلام والخطب والنسب المفتعلة.
في علم الاقتصاد لا يمكن إحداث التنمية المنفصلة، لأن ثمة روابط ـ وإن خفية ـ بين القطاعات جميعها، فالصناعة مرتبطة بقوانين التجارة وكلاهما رقبته في يد المالية، كما لا يمكن فصل الأداء العام عن الزراعة والجمارك، والأهم في الأمر تحدي نضوب النفط، وما سيشكله من عبء على موارد الخزينة والموازنات القطاعية والإنفاق الاستثماري.
إذاً، لا يمكنني أن أقول أو أفعل في هذا الحيز الضيق، كما أن ما أنجزه سيذهب لسدّ العجز والخسائر في بقية القطاعات، إذاً أنا مأكول ومذموم وتقييمي العام كما أي فاشل يعجز عن تحقيق الربح والنهوض بالقطاع الذي يديره.
إقصاء.. بالقاف
+ هل سبق أن اعترضت على تنفيذ الخطأ، أو أن توصل صوتك، ورؤاك "للفوق"؟
++ لا أظن أن " الفوق" غافلون عني، وهذا ما يزيد من تأزمي، فإلى الآن لا أستطيع أن أفهم سبب إبعاد الكفاءات أو عدم الأخذ بآرائها، وهنا تحضرني قضية، لا يكاد اجتماع تقييمي إلا ويأتي المجتمعون على ذكري، وكثيرة هي اللجان التطويرية التي زججت بها، وكثيرة هي الدراسات التي طلبت مني، إلا أني لا أزال مركوناً هنا، فهل إقصاء أمثالي سياسة عامة، أم أن وجودنا قد يكشف الأخطاء التي ترتكب والتي ما عادت نتائجها وآثارها لتخفى عن مراقب.
فرسان النظرية
+ اسمح لي، أنتم تنعتون بفرسان النظرية، وما إن تتسلموا موقعاً حتى يتكشف ضعفكم الإداري والعملي، فما تقولونه وتحفظونه شيء، وما يمكن تطبيقه على الأرض شيء آخر.
++ هذا هو التضليل بعينه، فلا تطبيق دون نظرية يرتكز عليها، ولا تطوير عملي دون خطة ينطلق منها، وما يقال عن تنظيرنا إنما هو حقد من الدخلاء الذين يجهلونه، الذين يحسبون أن الاقتصاد يُعاد "بتبويس الشارب ويا الله شباب"، وانظر إلى جميع النهضات التي تحققت في العالم، ودلّني على واحدة لم تنطلق من النظرية، أو لم تتكئ على أكتاف الأكاديميين.
ولعل الأمثلة عن بعض الأكاديميين الفاشلين، إنما تساق لإبعادنا، وهي كلام حق يراد به باطل، لأن استمرار واقع التخبط، إنما من مصلحة "الراكبين" الحريصين كل الحرص على إبعادنا.
نظرية المؤامرة
+ وكأن لا شغل للمسؤولين سوى إبعادكم، ألا ترى أن ثمة نرجسية في طرحكم وأن نظرية المؤامرة نالت منكم؟!
++ على الإطلاق، وأيضاً ـ منفعلاً ـ أبعدني إذا سمحت عن هذا الكلام المعلب، نظرية مؤامرة وما شابه، لأن ما نبني عليه، إنما مستمد من الواقع، ومن تجارب متكررة، لماذا نطلب في أية دراسة ولجنة ونبعد في الوقت نفسه عن مواقع القرار، هل قدرنا أن نبقى "طيور الظلام"، هل مبتغى أصحاب القرار أن نبقى وراء الكواليس، نقدم الحلول والدراسات، ليستعرضوا النجاح ويتشدّقوا بالأرقام والنسب.
لا تزر وازرة
+ ولكن، أيّ نجاح وأية نسب وأنت من أحسستني أن يوم القيامة غداً، في جميع الأحوال كيف ترى طريقة الخروج من الواقع الاقتصادي وتحقيق ما تقولونه على الورق وفي المحاضرات؟!
++ ليس من حل سوى الإصلاح الإداري، ولا من مناص إلا في وضع أصحاب الرؤى التطويرية في موقع القرار، نحن في مرحلة تحول حرجة لا يمكن لأنصاف الحلول أن تجدي معها، كما لا يمكن للأيدي المرتجفة والعقول المقلدة أن يقودوا الدفة ويكونوا أصحاب قرار، وأعتقد أن الإصلاح قضية متكاملة، لا يمكن أن تبدأ فيها من قطاع على حساب آخر، فالإصلاح الإداري مهم والقضائي مهم والسياسي مهم والاقتصادي مهم، ولكن لا أن يأخذ قطاع دون غيره من عملية الإصلاح، كما لا بد من الجدية والحزم واجتثاث جذور الفساد.
يجوز الوجهان
+ كيف تشخصون ـ كأكاديميين ـ نقاط القوة والضعف في الاقتصاد السوري، وكيف ترون الحل للخروج من عنق الزجاجة؟
++ الاقتصاد السوري اقتصاد متنوع، وفي ذلك قوة وضعف في آن، لذا يجوز فيه الوجهان، فإن أردت أن ترى في الزراعة قوة، فلك ذلك، كما أنها موضوع ضعف أيضاً، وكذا الصناعة والتجارة، إلا أن الخطر الحقيقي الذي يداهم الاقتصاد السوري هو نضوب النفط، لأن في ذلك كشفاً للعورات الاقتصادية التي تغطيها صادرات النفط، فنحن على مدى عقد لم نعرف أن نؤسس لاقتصاد متين ولا لتنمية مستدامة، ولعل الامتحان الحقيقي الذي سيخضع له الاقتصاد السوري، هو الدخول في الشراكة مع الأوروبيين وخاصة إن صدقت التنبؤات ولم تكتشف آبار نفط جديدة، وقتها يمكن أن تحقق نبوءة السوداويين ونتحول لبلد مستهلك وسوق لاستهلاك منتجات الآخرين، فلا الصناعة قادرة على المواجهة ولا الزراعة قادرة على تخطي الامتحان، لذا ترانا نحتج على الأداء الحكومي الذي لا يؤسس لمناخ استثماري لبيئة سياحية يمكنهما أن يعوضا عن صفعة شح النفط.
تطفيش علني
+ لنفرض أنه تم تشكيل حكومة قريباً، ولم يكن اسمكم ضمن القائمة، بل وأبعدتم عن المهام الموكلة إليكم الآن، فماذا أنتم فاعلون؟!
++ وقتها، قد لا يكون لوجودنا من مبرر، فأن تأتي البلد بخبرات مستوردة وتركن خبراتها المشهود لها، ففي ذلك تصريح واضح لأن نرحل، ولم يسكت صديقنا المستوزر بل تابع بألفاظ وعبارات كمن مسه جني، فالمسؤول فلان وما زال يعترف أنه معلمه، والوزير فلان يستشيره قبل أن يتخذ أي قرار، هو من أسّس مدرسة كذا وهو من أدرج المفهوم كذا، هو أبو الليبرالية وهو شيخ الاشتراكيين، وقتها خابت محاولاتي المتكررة في تغيير الحديث أو زرع روح الدعابة، عرفت حينها غلاوة الكرسي وخطر هاجس المناصب.
بالاتفاق مع مجلة الاقتصاد والنقل
إضافة تعليق جديد