وصفات دوائية على قنوات فضائية (بيع أوهام وإفراغ جيوب المشاهدين)
العسل والتداوي بالعسل والأعشاب حقيقة لاينكرها طب ولا علم.. لكنها في زحام تطور التكنولوجيا وسعي الإنسان وراء المادة قد شوّهت وفرّغت من مضمونها العلمي والإنساني. على أيدي ثلة من الفضائيات التي تضع نصب عينها التغرير بالمشاهدين في أي وقت دون استئذان تحت وطأة المنافسة والسعي وراء الربح ، وبيعهم الأوهام وسرقة أموالهم عبر تكاليف الاتصالات وبيعهم مواد فاسدة لا رجاء فيها على أنها أدوية عشبية ربما تعطي ثمارها في فترة قصيرة ثم تنقلب الأمور على المريض الواهم الذي يتعلق بقشة على أمل الشفاء فيصبح هذا الدواء أقرب إلى الداء نظراً إلى المواد التي يحتويها .
سر المهنة
ولعل تجربة ( م، ع) قد تكون مثالاً من تجارب عديدة لآخرين و صاحب القصة قال: ذهبت إلى أحد العطارين يناديه الناس بلقب دكتور وسألته عن أفضل نوع لتخفيف الوزن فأحضر كيساً داخله مسحوق وأخبرني بأن هذا الدواء مميز ومجرب فسألته عن مكوناته فتلعثم ونادى زميله وطلب منه إخباري عن مكونات هذا المسحوق وقال : هذه الخلطة عبارة عن عسل وإضافات عشبية وتأخذ معها زجاجة خل طبيعي ، وعن طريقة استعماله بادرني بقوله: يعتبر هذا الدواء سحراً في العلاج ، ولكن للأمانة لن تحس بمفعوله إلا بعد أسبوعين من استعماله، وسينقص وزنك من كيلو إلى اثنين في الأسبوع وعن كيفية تناوله قال: يؤخذ المخلوط مرتين قبل الأكل الدسم بساعة ثم بعد الأكل تشرب ملء غطاء من زجاجة خل التفاح وستجد الفرق ، وللعلم هذه الكمية تكفي شهرين وثمنها مع الخل كان من قبل 4000 ليرة سورية أما الآن فعليها تخفيض وستكون بـ 2000 ليرة سورية فقط ثم مد يده وتناول زجاجة صغيرة بها حوالي 50 ملل من الشراب لونه بني وقال هذه خلطة سرية مقوية للجنس وهذا علاج مجرب ويطلبه كثيرون لمفعوله الأكيد وقال : لا تخف فمكوناتها من الأعشاب الطبيعية وبسؤاله عن مكوناتها وأضرارها قال : هذا سر المهنة .
لقد ثبت عند تحليل بعض الأعشاب التي تستخدم كمقويات عامة للجسم أو مقويات جنسية أنها مخلوطة بحبوب الفياغرا وتؤدي إلى مضاعفات خطيرة خاصة عند الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية.
تجربة أخرى
شاي للرجيم السريع بدون أعراض جانبية عشبي 100% خال من المواد الكيماوية والمواد الحافظة هذا الشاي وهذه الكلمات بدأت بها أم سعدي التي تبلغ من العمر خمساً وخمسين سنة ، ازداد وزنها فبدأت مع مجموعة من جاراتها خطة لتخفيف وزنهن خلال مدة قصيرة ، واعتمدن إضافة إلى الرجيم القاسي، عشبة وضعها لهم عطار مشهور وبعد خسارة أربعة كيلو غرامات في الأسبوع الأول ، بدأت أم سعدي تعاني التعب والإعياء، حتى بلغ بها الأمر بعد أسبوعين إلى فقدان القدرة على النهوض من السرير، ذهبت إلى المشفى ، وأجرى لها الطبيب قياس ضغط للدم ، نصحها بعدها بالتخلي عن العشبة والاكتفاء بتقليل كمية الطعام أثناء الوجبات لأن ضغطها متدن ، ولأن العشبة أثرت على الدورة الدموية لديها.
(حتى طقت مرارتي)
أعاني من شعر خفيف ومن ظروف مالية متوسطة وبالرغم من ذلك كان هاجسي إيجاد علاج لتكثيف شعري هذا ما بدأت به سمر فتاة في العشرين وبعد الاطلاع والانبهار بإعلانات عن انبات الشعر تجرأت واتصلت بذاك الرقم على القناة الفضائية على الرغم من تكلفة المكالمات والرسائل وطلب مني الذي يدعي انه المعالج ( مرارة جدي ) وجاهدت طويلاً للعثور على مرارة الجدي (حتى طقت مرارتي) لكن عبثاً ، فعاودت الاتصال فاستبدل المرارة بعلاج عشبي واستخدمته لفترة دون فائدة فسئمت العلاج وتكاليف الاتصالات حتى آثرت الذهاب لطبيب جلدية فوصف لي (ريتان) ولكن سرعان ما انقطعت عنه نظراً لنصائح المقربين من حولي بأنه يسبب عقماً على المدى البعيد .
دخلت بغيبوبة
فتاة أخرى لم تتجاوز السادسة عشرة مريضة بالسكر ، يشير والدها لوضعها المستقر باستخدام الانسولين فنسبة السكر بالدم حوالي 200 ملغ ، وعن تجربته مع مدعي العلاج بالأعشاب قال : اتصلت به على القناة الفضائية التي تظهر رقم هاتفه وطلب مني ثمن خلطة الدواء بمقدار آلاف الليرات ، بالإضافة لإيقاف الأنسولين عند وصول الدواء ، وهي عبارة عن خلطة عسل ممزوجة بالأعشاب ساءت حالة الفتاة بعد تناوله ليومين دخلت بغيبوبة استدعت اسعافها واعطاءها 20 ميلي انسولين ليصل نسبة السكر 600.
الدواء لا يؤخذ عن عبث
** وهذا يقودنا إلى السؤال:هل كانت تلك الوصفات الشعبية التي نراها في العديد من القنوات الفضائية على الشريط الإخباري مناسبة ومفيدة للعلاج ؟
الدكتورة رجوة جبيلي معاون وزير الصحة لشؤون الصيدلة قالت : للأسف ما نراه الآن يعتبر غشاً وتأثرا إلى حد كبير بالعامل التجاري، والدواء حقيقة لا يؤخذ عن عبث والدواء النظامي موجود بالصيدليات والطب النظامي موجود بالمراكز الصحية والمشافي والعيادات ، لماذا مواطننا يتجه إلى هذه الإعلانات المضللة والملونة.. يبقى في حيز الاستفهام.
فكيف نحكم على شخص لمجرد وجود رقم هاتف على هذه المحطات للاستطباب باتخاذ أي اجراء بحقه، وبالتالي الجهات التي تقوم ببيع المنتج ليس لديهم مكاتب ومقرات ثابتة ، والهواتف خلبية تتغير بين الحين والآخر ، وبالتالي لا يمكن الوصول إلى حل جذري.
لم نجد أي فعالية للدواء المعلن
ونحن كوزارة لا نمتلك أي صفة قانونية لإيقاف مثل هذه الإعلانات ، راسلنا وزارة الاعلام بالالتزام بعدم بث أو نشر أي إعلان طبي عن ذوي المهن الطبية أو المشافي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة دون الحصول على الموافقة المسبقة من وزارة الصحة.
ونحن حاولنا في مديرية الرقابة الدوائية الاتصال بهذه الأرقام وبعد متابعات لم نجد أي فعالية للدواء المعلن وانه يعطي فعالية مؤقتة وفيه مواد كيماوية منها أدوية الريجيم التي تباع على الهاتف واسمها (أوبرا) منحفة وطبيعية 100% أخذنا عينة إلى المخابر فوجدت غير مطابقة للمواصفات ولها مضاعفات سحبناها من الأسواق لعدم ترخيصها أو تسجيلها ومثلها الكثير....
يتملصون من مسؤولياتهم
** تابعنا ما تبثه هذه المحطات المضللة من العلاج بالأعشاب وإمكانية أن تحل محل الدواء الكيميائي وقد تأتي ببعض النتائج عند بداية استخدامها ، فيصدق المواطن ويقع ضحية هذه الأقنية الاحتيالية ما تعليقك على ذلك؟
التداوي بالاعشاب النباتية أوالعشبية لها فوائد لا يمكن تجاهلها ، ومن منا يستطيع الاستغناء عنها كاليانسون ، البابونج أوغيرها الكثير من الخلطات سواء التي من الممكن أن تخفض نسبة السكر أو.... لكن لا تضمن آثارها الجانبية الأخرى، وإذا ما كانت مدروسة ومعروفة المكونات الموجودة على الخلطة النباتية ستحدث تأثيرات وتداخلات دوائية ، لماذا إذاً نسجله بوزارة الصحة لندرس سمّيته الحادة والمزمنة فهناك ما يسمى السمّية المزمنة على المدى البعيد وهناك تداخل دوائي ممكن أن تأخذ الدواء الكيميائي ومعه النباتي فيؤثرا على بعضهما البعض ويحدثا تحسساً معنياً معين وبالتالي هناك تآزر دوائي، والموضوع خطير وليس بسيطاً كما يعتقد البعض والاستهتار به يولد آثاراً جانبية تظهر على المدى البعيد ، والمروجون للمنتج يتهربون ويتملصون من النتائج السلبية ويخلون مسؤولياتهم ويقع المرضى ضحاياه ، وهناك أكثر من شكوى وردتنا بهذا الخصوص.
على حساب صحة ووعي الناس
من جانب آخر التقينا الدكتور الصيدلاني أحمد بدران رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة الذي أكد ان ظاهرة انتشار إعلانات الأدوية عبر وسائل الاعلام لاسيما على شاشات الفضائيات لعلاج جميع الأمراض ظاهرة غير منتشرة بالإعلام السوري لأنه موجه وهادف، وهذه المحطات عبارة عن دكاكين لتحقيق بعض الأرباح الصغيرة على حساب صحة ووعي الناس، والأدوية غير مطابقة للمواصفات وغير موافقة لمتطلبات السلامة والمنتوجات ترويجية أكثر ما هي طبيعية وما يمكن قوله الغريق يتعلق بقشة أمل الشفاء فتستغل هذه الأقنية المريض لضعف وعيه الطبي.
وعلى سبيل المثال تبين أن الأدوية المنحفة خطيرة جداً لدرجة أنها قاتلة للخلايا ومواد مسرطنة وقد تحدث قرحات وبدورها تسبب أحياناً الموت المفاجىء.
الدواء الوطني فعّال
وما أود قوله والقول لنقيب الصيادلة عن أسباب هذه الظاهرة تكمن عند أطبائنا بكتابة الوصفة للدواء الأجنبي ومواطننا للأسف يحب الدواء الأجنبي وهذه مقولة مغلوطة، فالدواء الوطني جيد وفاعليته جيدة وسمحنا مؤخراً باستيراد بعض الأدوية التي تعطي فعالية وكذلك الحد من تهريب الأدوية المزورة من خلال المرسوم الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد ومن خلال معاملنا المصدرة لدول العالم أصبح الدواء الوطني ذا أهمية واقتنع به المواطن لاسيما في ظل المنافسة بالسعر والنوعية بما يتناسب مع دخلهم.
والسؤال الذي يفرض نفسه من الذي يمكنه التصدي لهذه العشوائية التي تمارسها وسائل الأعلام؟
مدير شؤون الإعلان السيد وفيق السيد أحمد أشار بأن المؤسسة العربية للاعلان لا تنشر أي إعلان طبي يتعلق بالأدوية إلا بعد الحصول على موافقة من وزارة الصحة، وفي حال وصلتنا أي شكوى بهذا الخصوص نعالج الموضوع مع الوسيلة الإعلانية التي تم النشر فيها ونلزمها ضمن قوانين المطبوعات وكل ذلك بالاتفاق مع وزارة الصحة .
منع الدعاية المأجورة
وحول الأرقام التي تظهر على الفضائيات الخارجية التي هي من داخل سورية أجاب:لم تظهر سابقة قدمت بشكوى من المواطنين على أي من الأرقام لبيع أو ترويج مستحضر معين، فليس لنا سلطة على هذه المحطات الأخرى وفي بلدنا يمنع أيضاً الدعاية الطبية المأجورة وفي حين تم ضبط هذه المخالفات يؤمر بإغلاقها ومحاسبتها وتطبيق القانون عليها من قبل وزارة الصحة.
آراء وانطباعات
من ثم استطلعنا بعض آراء الأطباء حول سر الاتجاه للإعلان عن أحد منتجات الغذاء رغم عدم الشك بفاعليتها وصلاحيتها ، ومع وجود الطب والوسائل العلاجية الحديثة أوضح الدكتور بهجت عكروش اختصاصي في طب الطوارىء أن المبرر مازال غير مفهوم ، مشيراً إلى أن الإقبال على مروجي العلاجات الوهمية منتشر في بلدان كثيرة ويندرج في أذهان الناس تحت مفهوم الطب الشعبي وأكد د عكروش أن اتجاه المرضى إلى هذه الفضائيات نابع من الإنسان بطبعه يرفض اعتقاد انه مريض ويميل إلى البعد عن تناول الأدوية ويسعى نحو من يبعث الطمأنينة في نفسه وهو ما تفعله بعض هذه الفضائيات عندما تمنحه بعض الأعشاب وإيهامه أنها ستحقق له الشفاء معتبراً أنها عمليات نصب واحتيال مدبرة واستغلال لجهل الناس وضعف ثقافتهم الطبية.
تنفع وتضر
ويعتبر الدكتور مصطفى مسالمة اختصاصي صحة عامة أن مقولة التداوي بالأعشاب تحتوي على خطأ كبير ضريبته خطيرة وخاصة الخلطات غير المعروفة التركيب فقد عايش أحد مرضاي هذه التجربة وعانى بسببها الكثير ، حيث أن زوجته أصيبت بفشل كلوي وعانت من الغسيل الكلوي كثيراً، فأشار عليه أحد المعارف أن يذهب إلى طبيب أعشاب معروف ومشهور قام بإعطائه خلطة خاصة تتكون حسب قوله من عسل وإضافات أخرى بلغ ثمنها 15000 ليرة سورية لكن بعد أن استخدامها اصابها اختلاطات الأمر الذي أدى إلى إسعافها إلى المشفى حيث أجريت لها الإسعافات اللازمة وفاقت من غيبوبتها التي كان سببها حسب رأي الأطباء هو ارتفاع البوتاسيوم في الدم نتيجة تناولها أعشاباً غير معروف محتواها ولم يشرف على إعدادها مختص. كما ثبت أيضاً أن بعض الأعشاب المستخدمة في تخفيف الوزن تحتوي على مواد مخدرة مثل انفيتامين التي تسبب الإدمان لمن يستعملها لفترة طويلة ، وكذلك بعض أنواع الشاي والحبوب المستخدمة في تخفيف الوزن أو التنحيف وجد أنها تحتوي على مواد مسهلة قد تسبب النزيف الدموي أو أخطاراً أخرى .
مخاطر صحية وخيمة
وعن الحلول تابعت معاونة وزير الصحة ان علاج هذه الظاهرة يقع على عاتق الاعلام ومن مكان عملي أقول من الممكن ان نناشد وسائل الاعلام بعقد اتفاقيات عربية مفادها عدم نشر أي اعلان لأي دواء ما لم يكن مرخصاً من وزارة الصحة وموافق عليه أصولاً ، والحد من انتشار هذه الوصفات التي تباع بدون ترخيص طبي وبدون التأكد من صحة مكوناتها ومدى مطابقتها للعلاج ، وبالتالي لا يوجد حتى الآن ضوابط حقيقية ملزمة حتى تتبع دور الإعلان في التوعية الصحية
ويبقى السؤال : هل يمكن تنظيم بيع الأعشاب الطبيعية بعد إخضاعها للأبحاث والتحاليل كي تتم فائدتها ويتم تجنب ما تحدثه من مخاطر صحية وخيمة وهل غياب الرقابة وغياب الوعي لدى المواطنين سمحت لمثل هؤلاء بسلب عقول وأموال البسطاء وغيرهم.
محمد عكروش
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد