وزارة النقل: نموذج حي لآلية عمل الفساد فيها
لا يتم استغلال المنصب فقط كما نتوقع تقليديا بإصدار إجراءات غير قانونية،أو النيل من الموظفين الذين يبدون رأيا مخالفا،أو حتى استخدام صلاحيات ونفوذ المنصب لتحقيق غايات ومصالح شخصية في مجالات ومؤسسات أخرى ....
بل إن من أهم مظاهر استغلال موقع المسؤولية وصلاحيات المنصب،والتي نادرا ما تظهر في فريق الفساد،هي المتاجرة بالمعلومات ومشاريع القرارات التي تصدر أو هي قيد الصدور،والتي يكون لهذا المنصب علاقة بها ...سواء كانت هذه المتاجرة لصالح شاغل المنصب مباشرة أو بشكل غير مباشرة ...
هنا نقدم نموذجا عن استغلال المنصب والمسؤولية للمتاجرة بالمعلومة ... ومن وزارة النقل للأسف!!.
القصة ، والتي نرويها بشيء من التفصيل كي تتضح الصورة أمام القارىء ويربط حقائقها جديدا،تتعلق بمشروع المرسوم الجديد الذي أعدته وزارة النقل بالتعاون مع وزارة المالية لاستبدال السيارات القديمة التي تجاوزت سنة صنعها 25عاما، إذ إنه وبعد صدور المرسوم 197 لعام2005 القاضي بتخفيض التعرفة الجمركية للسيارات السياحية فقد المرسوم 60 الصادر عام 2001 والخاص باستبدال السيارات جوهره و أصبح غير مشجع لمالكي السيارات القديمة لاستبدالها ،لاسيما مع ما تضمنه من بند يشترط فيه ألا تزيد استطاعة محرك السيارة عن 17 حصانا ماليا و لا تزيد سعته عن 1.6 ليتر مهما كانت سعة محرك السيارة القديمة المراد استبدالها....
لذلك دخلت وزارتا النقل والمالية منذ أكثر من عامين في مناقشات واسعة لإعداد مشروع مرسوم بديل عن المرسوم 60 وكان من أبرز التعديلات التي أدخلت عليه هي إلغاء فقرة شرط تحديد سعة المحرك ،بحيث يحق لملك السيارة القديمة استيراد سيارة حديثة بذات السعة أو على الأقل ألا تزيد سعة السيارة المستوردة عن سعة السيارة القديمة ، و تبلورت جهود وزارتي النقل والمالية في مشروع المرسوم الذي رفعته وزارة المالية منتصف شهر كانون الثاني الماضي بعد استكمال الملاحظات التي وضعت سابقا من قبل رئاسة الوزراء ، والذي تضمن النقاط الرئيسية التالية بالنسبة لاستيراد السيارات البديلة عن السيارات القديمة:
ـ استيفاء نسبة 50% من الرسوم الجمركية والضريبة الموحدة المحددة بالتعرفة الجمركية .
ـ أن لا تزيد سنة صنعها عن سنتين عدا سنة الإدخال إلى سورية .
ـ ألا تزيد سعة محرك السيارة الجديدة عن سعة محرك السيارة المستبدلة القديمة وفق تسجيلها في مديريات النقل .
ـ تحدد نسبة رسم الإنفاق الاستهلاكي المتوجب عن السيارات السياحية المستبدلة والمسجلة بالفئة الخاصة بواقع 50 % من الرسم المفروض بموجب المرسوم 61 لعام 2004 وتعديلاته .
إلى هنا ... والأمور بخير وجهود المالية والنقل مشكورة ومثمنة ..
لكن في خضم هذه المسيرة كان البعض من موظفي وزارة النقل الكبار ( ومنهم مدير مركزي ) يسابقون الريح لتهيئة كافة الاستعدادات لجني ثمار هذا المرسوم عند صدوره ...إذ قام هؤلاء و بعض معارفهم و فق المعلومات الموثقة التي حصلت عليها "تشرين" من مديرية نقل دمشق بشراء عدد كبير من السيارات القديمة التي يعود تاريخها إلى فترة الخمسينيات والسبعينيات للمتاجرة بها بعد صدور المرسوم الجديد ،والذي يمنحهم حق استيراد سيارات حديثة بذات سعة محركات سياراتهم التي تعود لخمسينيات القرن الماضي وبنصف التعرفة الجمركية،وهو ما يعني استيراد سيارات كبيرة بنصف الرسوم الجمركية ومن ثم بيعها بالسوق المحلية بالأسعار الرائجة لتكون أرباحهم بالملايين ، مستفيدين بذلك مما ورد في التعليمات التنفيذية المعدة من قبل وزارة النقل للمشروع الجديد والتي تعطي الحق للمواطن باستبدال أكثر من سيارة دون الحاجة لتقديم براءة ذمة من الدوائر المالية و إبراز السجل التجاري ....!!.
و قد أكدت مصادر مديرية نقل دمشق أن هناك عدداً كبيراً من السيارات سجلت خلال العامين الماضيين أثناء فترة إعداد المرسوم بأسماء بعض الموظفين في وزارة النقل ،ولدرجة أن بعض الأشخاص سجلوا أكثر من سيارة في شهر واحد ، مشيرة إلى أن أبرز سمات عمليات التسجيل انه لسيارات تعود غالبا للخمسينيات من القرن الماضي،وبالتالي فهي تخرج عن نطاق التجارة بالسيارات ، فليس هناك تاجر سيارات يشتري سيارات وضعها الفني و القانوني غير معروف في ظل الحديث عن استبدالها...أي أن الهدف واضح لا لبس به !!.
فهل هناك تجارة رابحة وأسهل من هذه التجارة ؟!.
تشتري بالرخيص اليوم .... وتبيع غدا بالنفيس ، كنا نحذر من استغلال بعض التجار لميزة وغاية مرسوم استبدال السيارات لسرقة المواطنين و تحقيق أرباح كبيرة ، فصرنا اليوم نخاف من بعض موظفي النقل الذي يبدو أنهم لم يحفظوا الأمانة ...ولا الأموال !!.
هذه المعلومات نضعها بين أيدي الجهات المعنية للتحقيق فيها ومحاسبة من تثبت إدانته..باستغلال مهامه ومنصبه لغايات و أغراض شخصية ، ونحن سوف نتابع الموضوع وسننشر معلومات أخرى قريبا.
زياد غصن
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد