نحو كشف سرّ الطاقة المظلمة
الطاقة المظلمة، هي الطاقة التي تشكّل ثلاثة أرباع حجم الكون، وهي أكثر الألغاز تعقيداً في تاريخ الإنسان العلمي منذ أن ساهمت قبل حوالى قرن في تعقيد حسابات ألبرت إينشتاين في أشهر معادلاته. معاينة جديدة لمرصد شاندرا العامل بالأشعة السينية مدّت العلماء أخيراً بمعلومات جديدة ومفيدة وأعطت جواباً عن السؤال الصعب: ما هي الطاقة المظلمة واقعياً؟ العلماء يقتربون من تبنّي فرضية إينشتاين، الذي رأى في الطاقة المظلمة في استنتاجه الكوني عاملاً أضافه إلى نظريته الشهيرة عن النسبية العامة، ورغم ذلك، ظل إينشتاين يرى أن الطاقة المظلمة هي اللغز الذي يثقل كاهله وحساباته، وعجز دائماً عن شرح حقيقة قيمتها وطبيعتها.
«إن تراكم المعطيات لدينا، يسمح لنا بتكوين دليل مهم أن الطاقة المظلمة هي ثابت كوني، أو بمعنى آخر، يمكننا القول بأن «لا شيء» يمكن أن يساوي «شيئاً ما» على حد تعبير قائد الطاقم العلمي في ألكسي فيخلينين الذي قال: «نحتاج إلى كثير من الاختبارات والحسابات، ولكن حتى الآن، يبدو أن نظرية إينشتاين صائبة وصحيحة إلى حد مقنع».
معادلة إينشتاين الشهيرة للنسبية العامة، تقوم على وصف الانحناء الموجود في ما يعرف بالزمكان (مصطلح منحوت من كلمتي الزمان والمكان، وهو فضاء من أربعة أبعاد: أبعاد المكان الثلاثة والزمان) إذاً، يصف إينشتاين الانحناء الحاصل على أنه نتيجة ميكانيكية الجاذبية، في النظرية الأصلية، أضاف إينشتاين ثابتاً كوسمولوجياً (كونياً)، يتصرف بشكل قوة طاردة، مساوياً سلبياً لقوة الجاذبية المعاكسة بطبيعة الحال، وهذا ما يجعل الكون راكزاً ويمنعه من التداعي والانهيار على نفسه، ولكن إينشتاين ترك الفكرة حين أثبت الرصد الفضائي أن الكون يتمدد بشكل متسارع، وليس شكلاً ثابتاً محدداً، كما اعتقد طويلاً هو في مكان آخر.
ولسنين، ظل هذا الثابت الكوني مجرد نظرية يتخبط فيها الرياضيون وعلماء الفضاء، ولكن الرصد الفلكي الحديث للطاقة المظلمة في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ أواخر التسعينيات، والحاجة الضرورية لإثباتٍ نهائيٍ على أنها قوة طاردة، من أجل ضبط قواعد الكون، أعاد الاهتمام بهذه النظرية.
وكانت الدراسات السابقة لطبيعة الطاقة المظلمة قد ركزت على حساب السرعة التي يتمدد فيها الكون، التي تتطلب قوة ضخمة تعمل ضد قوة الجذب المركزية لأطراف الكون، وجاء جديد مرصد شاندرا ليؤمن لعلماء الفضاء معلومات جديدة: الطاقة المظلمة تقوم بخفض سرعة تشكل المجرات أيضاً، عبر قيامها بالضغط من أجل تمدد الزمكان، ما يحدّ من سرعة التكوين.
«المذهل هو أن هاتين الطريقتين المختلفتين في دراسة الطاقة المظلمة، أي دراسة المسافة (التمدد) والبنية (تكوين المجرات)، تعطياننا النتيجة نفسها في طبيعة عمل الطاقة المظلمة» حسب ديفيد سبريغل البروفسور في جامعة برنستون.
يدرك العلماء أن الطاقة المظلمة ظلت ثابتة خلال الأزمان، كعامل مهم في تحديد مصير الكون كله، ووجودها يؤكد نظريتين، أن الكون سيستمر في التمدد، وأننا نضمن أنه لم يتمزق كما قالت بعض النظريات سابقاً في ما سمّته «التمزق العظيم» المفترض كنتيجة نظرية لتمدد الكون على المدى البعيد.
«التقلبات الكمية في فراغ معين تملك وزناً ضئيلاً للغاية» يقول سبيرغل، «أي حتى أن اللاشيء، الفضاء الفارغ، يساوي شيئاً ما، وبما أننا نملك في فضائنا الكثير من اللاشيء، فإننا أمام ما يتيح لكوننا التطور والتمدد».
والآن إذاً، بعد إثبات وجود الطاقة المظلمة، والتأكد من وجود «ينابيع» تقوم بتدمير المادة والمساهمة في انتفائها بشكل هرمي معاكس، ما يفسّر نظرية المادة المفقودة في الكون، يبقى أمام العلماء مهمة التحقق من ماهية هذه الطاقة المظلمة وطبيعتها، لفهم أحد أهم العوامل التي تتحكم بالكون الذي نسبح في أسراره.
خضر سلامة
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد