نحن هنا سيدي
الجمل- عدنان عبد الرزاق: اختلفت مفردات الولاء وتغيرت أبجدية تقييم البقاء أو المحافظة على المواقع والمكاسب، فأيام التصفيق ولّت ووقت الوشايات وتمسيح الجوخ" انقضت، والوقت غدا صعباً لمن لم يمتلك أسبابه، فالتحدي على أشده والكل يطالب بزيادة الإنتاجية والربحية، فأنا فلان وورائي فلان غدت شيكات بلا رصيد، وأنا الآمر الناهي أتعامل مع موقعي، كأنه بقية ميراث الوالد أو مزرعة ضمن أملاك العائلة صار عملة قديمة غير قابلة للتداول.
+ وكأنك تقول ذلك بتشفٍّ أو كأنك غير معني، أم تظن نفسك خارج إطار التنحية والطرد.
++ ليس كذلك، لكني أفكر أمامك بصوت عالٍ علّنا نجد طرائق تبقينا على ما نحن عليه، فلم نعد نتطلع لأكل اللحم بقدر ما نخاف على لحمنا من الأكل.
+ ما رأيك أن ينضم إلينا الدكتور إياه، فهو يسعى لمنصب منذ زمن فنشكّل فريقاً متكاملاً من النظرية والتطبيق، هو يُمسكنا مفاتيح التنظير، ونحن تكنوقراط عملنا على أرض الواقع وطعّمنا الأكاديمية بالممارسة
++ دعنا منه " فصوفته حمرا" وليس من حاجة لمزيد من سرقة الأضواء، فالدكتور يحب الحكي والتنظير والتحالف معه لن يغني من جوع.
+ إذاً كيف يمكننا المشي ضمن الموكب فننام دون التفكير في التفتيش ودون الخوف على الكرسي والسيارة.
++ عندي فكرة، غداً محاضرة لمعاليه حول اقتصاد السوق الاجتماعي، وغداً سيركّز على التحديات المحدقة بالاقتصاد بسبب تناقص الموارد في واقع استمرار استقرار أوضاع المالية العامة وميزان المدفوعات، عنوان صعب، قد لا نستطيع المشاركة فيه، لكن كل الطرق ستؤدي إلى روما وكل التحديات يمكن نسبها للمناخ السياسي الإقليمي المضطرب والدولي الذي يستهدفنا، ما يؤثر سلباً على المناخ السوري بالانطلاق من نظرية الجزء والكل، وبالاستناد إلى العولمة لا تسألني ماذا أقول أو تطلب مني أن أعيد ما قلت، لأني حفظتهم عن ظهر قلب من كثرة ما قالوهم أمامي.
+ فعلاً فكرة، نحضر المحاضرة، بل نجلس في الصف الأمامي، ابتسامة لمعاليه من هنا وإيماءة رأس دليل المتابعة والإعجاب من هناك، فيقدر مدى حبنا له ووقوفنا إلى جانب مشروعه الإصلاحي.
++ القصة أبعد من ذلك، يجب ألا يقتصر حضورنا على الحضور، بل لا بدّ من المشاركة ومعارضة رأيه أيضاً.
+ هل أنت تخرّف يا رجل، قلنا لن نسعى لأكل اللحم بل سنحافظ على مواقعنا، ولنترك الجدل والأسئلة لأولئك الباحثين عن مواقع، ألا ترى أن في كل محاضرة تصل بينهم إلى الشيطان الرجيم.
++ هذا خطؤنا، نترك لهم الساحة ونجلس كالأخشاب المسندة، ألا يكفي أن واقعنا العملي زفت، لماذا لا نزجّ بأنفسنا في المناقشات، فعلى الأقل عندما نخسر مواقعنا يمكننا تسخير الشائعات بأن مخالفتنا إياهم في الرأي أبعدتنا عما نحن فيه.
+ أنت تستعجل مصيرك، ألم تلاحظ أن مشاكسة ذاك المدير أين أوصلته، رغم أن أرقام إنتاجه وتسويقه أحسن حالاً من المهازل التي نعلنها نحن.
++ على كل، لن نستبق الأحداث، لنرَ كيف ستسير الأمور غداً، وعليها نسأل أو نصفق، ولكن دعنا ندخل سوياً ونجلس في الصف الأمامي، حاول ألاّ تتأخر كعادتك.
في اليوم التالي وفي واقع قد يصعب وصفه دونما كاميرا، حيث لا مكان لوقوف السيارات أمام المبنى الذي سيحاضر فيه معاليه، السادة المدراء يتراكضون ومن يبحثون عن منصب يتدافشون، القاعة تغصّ بمن فيها، كاميرات التلفزة منصوبة والصحافيون بانتظار تشريف معاليه.
هدوء إذا سمحتم، قالها رجل من خارج السرب بعد أن اعتلى المنبر، صمت الجميع بانتظار بيان لم يُحسب له حساب.
معاليه يعتذر عن المجيء نظراً لانشغاله بأمر هام، وقد كلّف الدكتور فلان أن ينوب عنه ويلقي المحاضرة.
نزل الرجل من على المنبر، غادر الحضور المكان وظلّ الدكتور البديل واقفاً يراقب.
الجمل: بالاتفاق مع مجلة الاقتصاد والنقل
إضافة تعليق جديد