مهن الرصيف في دمشق تدخل سباق التسوّق
حركة المارة عادية. من بعيد يبدو ذلك الرجل جالساً على كرسي صغير، وأمامه تشكيلة من بضائع ملونة، لا يمكن معرفة طبيعتها إلا بالنظر إليها عن قرب. يقف احد المارة امامه، يلقي نظرة ويبادر بالاستفسار... ويبدأ العرض. يتحلّق الكثيرون حول عبد الحليم البائع الخمسيني، ويتحايل البعض على الازدحام لإشباع فضولهم. بحركات سريعة، يفرم باقة بقدونس، ويقطع خيارة على شكل زهرة. فيما لا تبقى حبة البطاطا في يده أكثر من خمس ثوان، قبل ان تصير قطعاً جاهزة للطبخ.
يمتهن عبدالحليم البيع على الأرصفة منذ سنوات عدّة. الادوات التي يبيعها بسيطة: مجموعة منوعة من ادوات التقطيع المنزلية الخفيفة. يقول ان ما يعرضه ليس من الحاجات التي يبحث عنها الناس. لذلك «يجب ان ألفت انتباههم الى بضاعتي، فهي ليست ضرورية لهم، لكن بعضهم يعجبه ما أقوم به أمامه فيرغب بالشراء». يأخذ هذا البائع ما يفعله على محمل البساطة، يقول انه يجرّب ادوات التقطيع أمام الناس ليتأكدوا انها تعمل في شكل جيد وتوفر عليهم وقتاً وجهداً. لكن ما يقوم به ليس إلا واحداً من أساليب الاعلان التي جاءت على شكل عفوي، نتيجة خبرة بعادات الشارع والبيع فيه. يوضح انه يقوم بهذا العرض أكثر من عشر مرات في اليوم. لكن تغيّر أسعار الخضار التي يجرّب فيها أدواته، يؤثر على عدد هذه العروض :»الآن الكوسا غالية جداً، لذلك أجرب أداة الحفر مستخدماً الجزر، لأنه أرخص بكثير، مع انها مخصصة للكوسا». يجزم عبدالحليم ان ربحه يتوقف على العروض (أو التجارب) التي يقوم بها، ولولاها «كنت سأرجع الى عائلتي صفر اليدين». ومع انه يسمع تعليقات تزعجه أحياناً، من قبيل «انت احسن ست بيت أراها»، أو «نيّال مرتك»، لكنه لا يأبه بها. همّه الوحيد... زيادة البيع.
صار الكثيرون من باعة الرصيف يدركون ان جذب انتباه المارة هو أساس تجارتهم. لذلك يبتكرون أدوات هي بمثابة اعلان بسيط وواضح، يجذب الاهتمام مباشرة إلى المنتج. أليست تلك عناصر الاعلان الناجح؟!
واعتماداً على مبدأ العرض نفسه، يلتف المارة ليشاهدوا «كيف تطبع صورة ملونة بكبسة يد»، كما ينادي الرجل الذي يأخذ قطعة من الشمع المعالج ويمررها فوق ورقة بيضاء، وضعها فوق صورة في جريدة، فتنطبع الصورة نفسها، معكوسة، على الورق. هل كانت هذه القطعة البسيطة ستلفت انتباه أحد، لو لم يثر البائع حولها كل تلك الإثارة في جملته البسيطة؟!
ولذلك أيضاً صار مألوفاً أن يصادف العابر في شارع «الثورة» في دمشق (من أكثر الشوارع ازدحاماً) تلفزيون «20 بوصة» يعرض الأغاني، وحفلات الأعراس الخاصة، على قارعة الطريق! فهذه أمور صارت ملحّة لجذب الزبائن الى «بسطات» بيع «السي دي».
في مكان آخر، يصادف العابر على الرصيف شاشة كومبيوتر معلّقة كيفما اتفق، بشريط معدني. انه ركن يبيع أفلاماً مسجّلة عبر «دي في دي». بعد استخدامه شاشة الكومبيوتر يؤكد طارق ان البيع عنده زاد بنسبة خمسين في المئة على الأقل.
واللافت ان الافلام التي يبيعها طارق هي من أحدث الانتاجات العالمية. يشرح «يمر الناس ويشاهدون على شاشة الكومبيوتر واحداً من الأفلام العشرة الأولى في اميركا، صورة جيدة ونظيفة وفيلم رخيص (دولار واحد) فيشترون». لكن عرضه للأفلام له مضاعفاته السلبية. فهناك «بعض العاطلين من العمل» يتوقفون ويتابعون الفيلم من دون نيّة في الشراء. حينها يطفئ طارق الشاشة، فيعرفون «ذوقياً»، على حد تعبيره، انه لا داعي للتجمعات اذا لم يرد أحد الشراء. ويقول طارق: «هذه طريقتي في جعلهم يغادرون، طبعاً لا أستطيع ان اطلب منهم المغادرة لأنهم سيستفزون ويقولون نحن نقف على الرصيف... وهو ملك للدولة».
وسيم إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد