ملكـة جمـال للمشرّديـن

12-10-2009

ملكـة جمـال للمشرّديـن

صحيح أنها مسابقة ملكة الجمال، لكن الفرق كان كبيراً. المرشحات مشردات، بعضهن يسكن في أماكن الايواء الخاصة بالمشردين. أخريات أتين مباشرة من الشوارع. بينهن فتيات في اوائل العشرينيات، ونساء ناهزن الستين. من المسابقة
قصة المسابقة، التي اقيمت أمس الأول، جاءت من التقاء أفكار أم وابنتها. آلين دوبرتاي شابة جميلة، في أوائل العشرينيات، أرادت أمها ان تسجلها في مسابقة ملكة جمال بلجيكا. الأم تدير منذ 15 سنة مؤسسة خاصة بإيواء المشردين. رفضت آلين فكرة امها، لانها تعتبر «مسابقة ملكة الجمال تدور فقط حول المظاهر، وانا لا احب ذلك».
الشابة اقترحت على الأم تنظيم مسابقة لملكة جمال المشردين، وهكذا كان. تدرك آلين ان «ملكة جمال المشردين» عنوان «يحمل تناقضاً»، لكنها تشرح إنهم أرادوا «التأثير عبر الصدمة»، فالهدف من المسابقة «فتح عيون الناس على وجود الكثير من النساء المشردات في الشوارع. الناس في بلجيكا لا يرون، وأحياناً يجب أن نهزّهم كي ينظروا حولهم».
عشر متسابقات كن يتجهّزن للسير على ممر العرض. سيقدمن خمسة عروض. اولها عنوانه «العودة الى البدايات»، ويظهرن فيه بألبستهن التي اعتدن ارتداءها في حياة التشرد، ثم تأتي ثياب السهرة واخرى موضوعها «اميرة في الظل». ليس هناك عرض بلباس السباحة. فالاختيار يعنى بمعيار واحد، كما يوضح المنظمون. انه «الداخل فقط. الداخل الذي يطلع الى الخارج».
بين المشاركات كانت الشابة اينا بابتيستا، وعمرها 22 سنة، تتجهّز للعرض. تقول إنها لم تشارك كي تفوز، وانما «لأستعيد ثقتي بنفسي، ولأستمتع من جديد بالحياة، فانا فقدت هذا الاحساس لسنوات عديدة». تقصد سنوات تشردها. تشرح كيف فقدت عملها، وتراكمت ديونها فطردت من بيتها. عاشت لأشهر في مركز ايواء للمتشردين الشباب. ملكة جمال المشردين
توافق بان الظهور في مسابقة كهذه، وتحت عنوان التشرد، محرج للمشاركات، فالموضوع «محظور قليلاً». لكنها تلمس هذا الإحراج أكثر عند زميلاتها «لأن بينهن من يسكنّ في الشوارع». فلماذا هي، إذاً، مرتبكة إن لم تكن محرجة؟ تبتسم بخجل وتجيب «يعني كل هذا الاعلام والمصورين. لا اعرف، هذا كثير». تشجّع الشابة المسابقة لأنها «توعي الناس بضرورة حل مشاكل المشردين. عندما كنت أصغر، وأرى مشرداً نائماً في الشارع كنت أستغرب. الآن صرت أفهم معنى ذلك».
لجنة التحكيم مختلفة ايضاً. ولان المعيار للتنافس هو «الداخل»، فان اعضاءها كانوا يعرفون المشاركات بشكل جيد، كما يؤكد لنا المنظمون. المحكمون بعضهم عايش المشاركات، ومنهم من جالسهنّ. والتحكيم قام به فنان ومنسقة ازياء وخبير بالشخصيات، وكذلك ممثلون عن جمعيات خيرية، ومسؤولة عن مطعم للمشردين اضافة الى احدى متسابقات ملكة جمال بلجيكا.
حانت اللحظة المنتظرة. دلفت المشاركات الى ممر العرض، ضمن صالة كبيرة في مجمع في بروكسل. بعضهن مشين بثقة كبيرة، عكستها عيون لامعة، ومنهن من ارتبكن وتعثرن في المشي. والنتائج ارادت تشجيع المشاركات العشر. كل واحدة منهن حازت لقباً. هناك ملكة جمال المجتمع المشرد، وملكة جمال الحديث، والأناقة والإرادة وغيرها. لكن «اللقب الأهم» هو ملكة جمال المشردين. جائزته «سنة من السكن المجاني»، وصاحبته وحدها ستعمل «سفيرة للمشردين».
ازداد التوتر بين المشاركات اللواتي وقفن صفاً واحداً، امام لجنة التحكيم. واخيرا اعلنت تيريز فان بيل فائزة باللقب. عشرات فلاشات الكاميرات كانت ترتد على وجه المرأة الكهلة، وهي تعانق زميلاتها، وبينهن شابات جميلات، ثم التفتت لتقول «سأبذل أقصى جهدي لمساعدتهن في تأمين سكن كي لا يبقوا في البرد مثلما كنت».
قالت تيريز وهي تكفكف دموعها «لم أكن أتوقع ذلك أبداً، انا سعيدة جداً. بحياتي لم يكن عندي حظ». سئلت: كيف ستتغير حياتها الآن؟ فأجابت: «سأجد سكناً آخر. اريد ان اعيش بكرامة وسلام. عمري 58 سنة، ومصرّة على ان ابدأ حياتي من جديد»، ثم ختمت بلهجة واثقة «آمل أن أجد رجل أحلامي، وأنا مؤمنة بهذا الآن».

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...