مصـر: عيـد جـديـد يـأتـي ومـا زال التحـرش مستمـراً
البداية كانت في عيد الفطر في العام 2006 في منطقة وسط البلد في القاهرة. يومها كانت الراقصة دينا تقوم بدعاية لأحد أفلامها الجديدة بطريقة مختلفة، إذ أقامت عرض رقص شرقي أمام دار السينما في شارع طلعت حرب حيث يعرض الفيلم. كان المشهد غريباً، فاحتشد المئات يشاهدون، وانتهى الأمر بحالة من التحرش الجماعي بالفتيات والنساء في وسط البلد، بغض النظر عن العمر والملبس.
وعلى عكس ما قد يبدو عليه الأمر، فالجاني في هذه الحالة ليس دينا أو وصلة الرقص الشرقي التي قدمتها. كل ما حدث أن الراقصة والعرض الذي قدمته ساعدا في إماطة اللثام عن مرض موجود بالفعل ولا يحكى عنه.
منذ لحظة الإعلان عن استفحال المرض، تحوّل موسم الأعياد إلى موسم للتحرش الجماعي، وكذلك موسم للمبادرات الهادفة إلى مكافحة هذه الظاهرة.
«شفت تحرش»، و«التحرش بالمتحرشين»، و«هنصور هنصور دي الصورة طلعت وحشة»، كلها مبادرات دشنتها منظمات المجتمع المدني وناشطون شباب لمواجهة الظاهرة خلال عيد الأضحى.
«مقارنة بالعيد الصغير هناك انخفاض في عدد حالات التحرش بموجب الإحصائيات الصادرة عن الجهات الأمنية والمنظمات المهتمة برصد حالات التحرش. ولكن هذا لا ينفي أن الظاهرة ما زالت مستمرة، وبكثافة أعلى عن الأيام العادية، وبطريقة أكثر فجاجة»، هذا ما رصدته منسقة وحدة الحملات في «منظمة المرأة الجديدة»، منى عزت، في حوارها مع «السفير».
مبادرة «شفت تحرش»، أعلنت عن مجموعة من الملاحظات المبدئية التي رصدها المتطوعون خلال جولاتهم خلال عيد الأضحى، ومن أهمها عدم تدخل المواطنين لإنقاذ الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش، بالإضافة إلى أن الانتهاكات كانت من صبية تتراوح أعمارهم بين 8 و20 عاماً في معظم الحالات، فيما الفتيات المتحرش بهن تتراوح أعمارهن بين 11 و20 عاماً أو أكثر.
وكان من أهم ما رصدته الحملة من خلال حديث المتطوعين إلى المتحرشين أنهم يرون أن الفتيات هنّ سبب التحرش، وأنهنّ يخرجن في العيد ليتم التحرش بهن. كما لاحظ المتطوعون أن مظهر الفتيات وأعمارهن لا علاقة له بتعرضهن للتحرش.
وتشرح عزت ما ترى أنه أسباب الظاهرة، فتقول إن»ظاهرة التحرش الجنسي مرتبطة في الأساس بالبعد الثقافي ووضعية المرأة الاجتماعية. فهناك نظرة دونية إلى المرأة في المجتمع تغذيها عوامل عدة، جزء منها اقتصادي وسياسي. وفي مجتمع يعاني من كبت سياسي وقهر، تظهر محاولات لتعويض هذا القهر بالعنف ضد الفئات الأضعف».
العامل الاقتصادي كذلك شديد الأهمية بحسب عزت، التي توضح أن»انتشار البطالة وارتفاع تكاليف الزواج هما من بين الأمور التي تضغط على الشباب، وتدفعه إلى البحث عن طرق للتعويض وإثبات الوجود على كائنات أضعف، فيصبح التحرش بالنساء أحد طرق التنفيس عن الضغوط الاقتصادية التي يعانون منها».
وأثارت بعض الحملات التي دشنت هذا العيد لمواجهة التحرش حالة من الجدل، وخاصة حملة «التحرش بالمتحرشين» التي دعت إلى رش المتحرشين بـ«اسبراي»، وكتابة جملة «أنا متحرش» على المقبوض عليهم، كنوع من الوصم، وكذلك الدعوات إلى ضرب المتحرشين.
البعض اعتبر أن هذه الدعوات تكرّس لحالة من العنف في المجتمع، وأن الرد على الاعتداءات التي تتعرض لها النساء يجب ألا يكون بالطريقة ذاتها.
وفي هذا الإطار، ترى عزت أن اللجوء إلى استخدام العنف في مواجهة التحرش سببه غياب دور الدولة. وتضيف «الناس تلجأ إلى الأشكال الدفاعية الفردية والعنيفة بسبب غياب أي دور للدولة في مواجهة ما يتعرضون له من عنف، فيصبح العنف المضاد هو الحل. فإهمال التصدي لظاهرة التحرش ستكون نتيجته صعود معدلات العنف بشكل عام بما يهدد أمن وسلامة المجتمع ككل».
وبالرغم من أن معظم التقارير الإعلامية تركز على ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء في الطريق ووسائل المواصلات، فإنّ عزت تشير إلى أن الظاهرة أعمق من هذا، «فالتحرش ليس فقط في الطريق بل هناك أشكال أخرى ربما تكون أكثر أهمية، منها التحرش في أماكن العمل، وفي أماكن الدراسة».
وإذا كانت المبادرات والجهود التي يقوم بها الناشطون ومنظمات المجتمع المدني لم تنجح في القضاء على حالات التحرش إلا أنها ساعدت على وضع مشكلة التحرش في دائرة الضوء، وإجبار الحكومة على البدء في اتخاذ بعض الإجراءات للحد من هذه المشكلة.
ومن ضمن الخطوات التي قامت بها الحكومة كان الإعلان عن خط ساخن لتلقي شكاوى النساء من التحرش في مترو الأنفاق، وكذلك إعلان المجلس القومي للمرأة عن خط ساخن للشكاوى من التحرش بشكل عام. القضاء على التحرش تماماً لن يتم بإجراءات قانونية أو أمنية، بحسب عزت، فإذا كانت أسباب الظاهرة اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، فلا بد أن تكون معالجتها باستخدام أساليب أكثر عمقاً من مجرد سن قوانين أو معاقبة المتحرشين.
الجهود التي قام بها الناشطون دفعت رئيس الوزراء هشام قنديل إلى الإعراب عن نية الحكومة الجلوس مع ممثلين عن وزارات مختلفة مثل التعليم والثقافة للبحث في كيفية القضاء الجذري على التحرش والعنف ضد النساء. وهذه قد تكون بداية لوضع خطة طويلة الأمد من أجل مجتمع بلا عنف أو تحرش أو تمييز ضد النساء.
دينا جميل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد