مصر: حكومـة جديـدة اليـوم تقصـي رمـوز مبـارك
بدأت ملامح التشكيلة الوزارية لحكومة رئيس الوزراء المصري الجديد عصام شرف تتضح، أمس، مع الإعلان عن اختيار أربعة وزراء جدد لحقائب الداخلية والخارجية والعدل والثقافة، مستجيباً بذلك لأحد المطالب الرئيسية لشباب ائتلاف الثورة، الذين بدوا مصرين على تطهير البلاد من رموز نظام الرئيس المخلوع، وكافة أجهزته، وتحديداً جهاز أمن الدولة، الذي تعرضت مراكزه في العديد من المدن، بما في ذلك القاهرة، لعمليات اقتحام من قبل المتظاهرين الذين يخشون قيام ضباط هذا الجهاز المرعب بإتلاف وثائق قد تدين مسؤولين كبار في الدولة.
وبثت وكالة «أنباء الشرق الأوسط» الرسمية قائمة بأسماء 20 وزيراً استقبلهم رئيس الوزراء، من بينهم ستة وزراء جدد، سيتولون حقائب الخارجية والداخلية والعدل والثقافة والقوى العاملة والبترول. غير أن الوكالة نقلت عن المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء مجدي راضي أن «جميع الشخصيات» التي التقاها شرف «مرشحة» لتولي مناصب وزارية و«لن يتم تأكيد» تعيينها إلا بعد إقرارها من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى زمام الأمور في مصر منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في 11 شباط الماضي.
ومن المقرر أن يعقد رئيس الوزراء الجديد مؤتمراً صحافياً بعد ظهر اليوم، يرجح أن يعلن خلاله التشكيلة النهائية لحكومته. وسيتولى وزارة الخارجية، وفقاً للوكالة المصرية، نبيل العربي خلفاً لأحمد أبو الغيط، فيما كلف اللواء منصور العيسوي حقيبة الداخلية خلفاً لمحمود وجدي. أما حقيبة العدل فأسندت إلى محمد عبد العزيز الجندي خلفاً لممدوح مرعي، فيما سيتولى عماد أبو غازي وزارة الثقافة التي ضمت إليها الآثار، كما سيتولى شريف إسماعيل وزارة البترول بدلاً من محمود لطيف.
وبتغيير وزراء الداخلية والخارجية والعدل يكون رئيس الوزراء الجديد، الذي حمله المتظاهرون على الأعناق يوم الجمعة الماضي في ميدان التحرير باعتباره مرشحهم، الذي أكد أمامهم انه «يستمد شرعيته منهم»، قد استجاب لمطلب رئيسي من مطالب «شباب ائتلاف الثورة» والقوى السياسية المصرية، وهو إبعاد الوزراء القدامى الثلاثة الذين يحملونهم العديد من أوزار عهد مبارك.
وتحظى الشخصيات الجديدة كلها بالاحترام في الأوساط السياسية المصرية ومعروف عنها النزاهة.
وكان نبيل العربي (76 عاما)، وهو دبلوماسي محنك وخبير في القانون الدولي، تدرج في وزارة الخارجية المصرية حتى أصبح سفيراً لمصر في الأمم المتحدة، وقد شارك العربي في مفاوضات كامب ديفيد عام 1978، بصفته رئيساً للإدارة القانونية بوزارة الخارجية المصرية في ذلك الحين، كما ورد اسم العربي ضمن قائمة الشخصيات التي اقترح «ائتلاف شباب 25 يناير» ضمها إلى حكومة شرف.
أما اللواء المتقاعد منصور العيسوي، الذي سيتولى حقيبة الداخلية، فيتميز بأنه يأتي من قطاع الأمن العام، وليس من جهاز امن الدولة، الذي يتهمه المصريون بالمسؤولية عن الاعتقالات والتعذيب. وكان العيسوي محافظاً للمنيا خلال النصف الثاني من التسعينيات، وينسب إليه الفضل في تهدئة موجة العنف الإسلامي في هذه المحافظة.
أما وزير العدل الجديد محمد عبد العزيز الجندي، فهو رجل ثمانيني كان نائباً عاماً في مطلع التسعينيات، ومعروف في أوساط القضاة بطهارة اليد.
في هذا الوقت، أجرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون محادثات هاتفية مع شرف بشأن الانتقال الديموقراطي في مصر وإجلاء النازحين الذين فروا من ليبيا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي إن كلينتون «أكدت رغبتنا في دعم الانتقال الديموقراطي في مصر واقتصادها»، مشيراً إلى أنّ كلينتون وشرف «استعرضا أيضاً الوضع في ليبيا وخاصة الجهود الدولية والأميركية لإجلاء المصريين».
- في هذا الوقت، واصل المتظاهرون المصريون معركتهم لحل جهاز امن الدولة السيئ الصيت في عهد مبارك.
وطالب مئات من المتظاهرين بفتح مقر جهاز امن الدولة الكائن داخل وزارة الداخلية المصرية في وسط القاهرة والتحفظ على الملفات بداخله قبل حرقها. وذكر شهود عيان أن مواجهات وقعت بين المتظاهرين وأفراد بزي مدني يعتقد أنهم عناصر أمنية، حيث تم إطلاق النار من داخل الوزارة باتجاه المتظاهرين، فيما حاول الجيش المصري، الذي يضرب طوقاً أمنياً حول مبنى الوزارة، احتواء الوضع من دون الاشتباك مع المتظاهرين، متعهداً بالتحفظ على الملفات والتحقيق فيها.
ويأتي حصار المتظاهرين لمبني الوزارة في اطار التوجه العام للمحتجين بمحاصرة كل مقار جهاز امن الدولة في مصر.
وقال شاهد طلب عد ذكر اسمه إن «المتظاهرين كانوا يحاولون الوصول إلى مقر جهاز امن الدولة في منطقة لاظوغلي اعتقاداً منهم أن ضباط الجهاز يحاولون التخلص بالحرق أو الفرم من وثائق مهمة تدينهم، ولكن بلطجية مسلحين بأسلحة بيضاء هاجموهم بينما اخذ الجيش يضرب الجموع بالهراوات ويطلق أعيرة نارية في الهواء في محاولة للسيطرة على الموقف»، مشيراً إلى أن «المتظاهرين غاضبون، وسيتوجهون إلى ميدان التحرير».
وكان نحو 2500 متظاهر اقتحموا مقر مباحث أمن الدولة في حي مدينة نصر في شرق القاهرة ليحوزوا مستندات مهمة تابعة للجهاز قبل أن يتصرف المسؤولون فيها سواء بالحرق أو بالفرم في ماكينات فرم الأوراق. (تفاصيل ص 12)
وفي محافظة أسوان في أقصى جنوب مصر، أفاد شهود عيان بأن النار التهمت مقر مباحث أمن الدولة في مدينة كوم أمبو بعد قيام مئات المتظاهرين اليوم باقتحامه وإشعال النار فيه، فيما قال شهود إن مئات المتظاهرين حطموا محتويات مقر مباحث أمن الدولة في مدينة مرسى مطروح في أقصى غرب البلاد، وألقوا بعضها في الشارع وأشعلوا فيها النار.
- من جهة ثانية، قتل شخصان وأحرقت كنيسة، أمس الأول، في أعمال عنف بين مسلمين وأقباط في محافظة سلوان في جنوبي القاهرة. ونقلت وكالة «أنباء الشرق الأوسط» عن مصدر أمني قوله «توفي شخصان وحرقت كنيسة الشهيدين اثر صدامات بين أسرتين».
وتظاهر مئات الأقباط أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون في حي ماسبيرو في القاهرة احتجاجاً على حرق الكنيسة، حيث قطعوا الطريق على كوبري أكتوبر وكوبري 15 مايو وشارع كورنيش النيل وكافة الشوارع والمنافذ المؤدية إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون.
- إلى ذلك، أعلن المستشار الدكتور محمد أحمد عطية، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة ورئيس اللجنة القضائية العليا التي ستضطلع بالإشراف على إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 آذار الحالي، أن قرابة 16 ألف عضو في الهيئات القضائية المختلفة سوف يتولون الإشراف على 54 ألف لجنة اقتراع فرعية على مستوى الجمهورية.
وأشار عطية إلى أن اللجان القضائية التي ستتولى إجراء الاستفتاء على مستوى كافة محافظات مصر ستكون برئاسة رؤساء المحاكم الابتدائية، وعددها 30 محكمة، وعضوية المحامي العام وممثل عن مجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية بكل محافظة.
ولفت عطية إلى أنّ أي شخص يحمل بطاقة رقم قومي ويبلغ عمره 18 عاماً سيكون له حق الإدلاء بصوته في الاستفتاء، موضحاً أن مساعد وزير الداخلية المختص بالانتخابات سوف يرسل خلال الأيام المقبلة كشوفاً بأسماء الناخبين إلى اللجان القضائية لتتولى الإشراف على العملية الانتخابية برمتها.
- من جهة أخرى، بدأت، أمس الأول، محاكمة وزير الداخلية المصري السابق حبيب العادلي بتهمة غسل أموال، في أول محاكمة لأحد مسؤولي نظام حسني مبارك.
ووقف العادلي في قفص الاتهام مرتدياً ملابس الموقوفين البيضاء، ونفى الاتهامات الموجهة إليه بغسل الأموال واختلاس أموال عامة. ورد مرتين على القاضي المحمدي قنصوه «لا، هذا لم يحصل».
وأرجأ القاضي المحاكمة إلى الثاني من نيسان بعد تعليق الجلسة عشر دقائق اثر تبادل كلامي حاد بين محامين تطوعوا لتمثيل المجتمع المدني وبين الدفاع في المحكمة.
وبحسب القاضي، فإن العادلي متهم باستغلال منصبه لبيع قطعة ارض لمقاول متعاقد مع وزارة الداخلية بأكثر من 4,8 ملايين جنيه مصري (حوالى 800 ألف دولار). كما انه متهم بالضلوع في غسل أموال بقيمة تفوق 4,5 ملايين جنيه (حوالى 760 ألف دولار).
ولم ترض هذه الاتهامات الناشطين من اجل الديموقراطية الذين يطالبون بمحاكمته بتهمة انتهاك حقوق الإنسان، بعد إصداره الأوامر بإطلاق النار بالرصاص الحي على المتظاهرين خلال الثورة.
وفي شرم الشيخ، ذكرت مصادر أمنية أن زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك، سوزان، وابنه الأكبر علاء استقلا طائرة من المنتجع في طريق عودتهما إلى القاهرة.
وقال مصدر إن مطار ألماظة، وهو مطار عسكري في العاصمة، كان وجهة الطائرة. ولم يتبين على الفور سبب عودة سوزان وعلاء مبارك، لكن هناك قراراً من النائب العام بالتحفظ على أموال مبارك وأفراد أسرته ومنعهم من السفر إلى خارج البلاد، وهو ما يمكن أن يستتبعه التحقيق معهم.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد