مصر تترقب يوم «الفرصة الأخيرة»
تبدو مصر وكأنها على أعتاب حرب، وتحبس أنفاسها من جديد في انتظار صباح اليوم.
فبعد الدعوة التي وجهها وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي للمصريين للخروج اليوم إلى الميادين لتفويض الجيش محاربة «الإرهاب»، ودعوة «جماعة الإخوان المسلمين» المضادة للتظاهر في اليوم ذاته، الموافق 17 رمضان، ذكرى «غزوة بدر»، وأطلقوا عليها اسم «جمعة الفرقان» للتأكيد على تأييدهم للرئيس المعزول محمد مرسي ومطالبتهم بعودته إلى الحكم مرة أخرى، يترقب المصريون ما سيؤول إليه حال البلاد.
أغان وطنية تذاع على مدار الساعة في كل الفضائيات، وفى الخلفية صورة السيسي وهو يدعو المصريين «الشرفاء» إلى الاحتشاد في الميادين اليوم، وتفويضه لمواجهة «الإرهاب».
وراء هذه الصورة العاطفية التي صنعتها الشؤون المعنوية للقوات المسلحة بمهارة، ظهر واضحاً أن ثمة تناغماً بين أطراف العهد الجديد: قيادة القوات المسلحة، حكومة الببلاوي، والرئاسة، في ما يتعلق بترتيبات اليوم. فالرسالة واضحة ومباشرة من مؤسسات الدولة إلى «جماعة الإخوان المسلمين»: لا رجوع إلى ما قبل 30 حزيران، ولا تراجع عن مدنية الدولة.
ثلاث رسائل صدرت منذ أمس الأول، قد تعني أن صفحة «الإخوان» في الحكم طويت ولن تعود، وأن عصراً جديداً قد بدأ ويدشن اليوم.
أحدث الرسائل وأهمها، كانت من القوات المسلحة، وحملت عنواناً معبراً عن المرحلة: «الفرصة الأخيرة»، حيث صدرت في شكل بيان باسم «الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة» على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، وهي قناة رسمية للإعلان عن قرارات ومواقف القوات المسلحة تم اعتمادها عقب انطلاق ثورة «25 يناير» في العام 2011.
وأِشار البيان إلى أن دعوة وزير الدفاع المصريين للاحتشاد اليوم، تأتي في ذكرى «غزوة بدر»، واصفاً ذلك بأنه «له معان ودلالات أعمق وأكبر من كل من اجتهد في التفسير، وله منا كل الاحترام سواء أخطأ أو أصاب، وهذه المعاني واضحة للجميع ورؤيتها بسيطة وسلسة».
وأضاف البيان أن «القائد العام للقوات المسلحة قد أعطى مهلة أخرى لمدة 48 ساعة للتراجع والانضمام إلى الصف الوطني استعداداً للانطلاق للمستقبل، وهي المهلة التي تنتهي اليوم».
ثم ألقى البيان بـ«كلمة السر»، معلناً أنه «بانتهاء المهلة ستبدأ إجراءات جديدة للتصدي للعنف». ولفت إلى أن «القيادة العامة للقوات المسلحة وفور انتهاء الفعاليات اليوم، سوف تغير إستراتيجية التعامل مع العنف والإرهاب الأسود والذي لا يتفق مع طبيعة وأخلاق هذا الشعب العظيم، وبالأسلوب الملائم له والذي يكفل الأمن والاستقرار لهذا البلد العظيم».
وختم البيان بالتأكيد على «الالتزام بحماية الشعب، لا الاعتداء عليه»، وأن القوات المسلحة المصرية هي «جيش الشعب كله، ومن الشعب كله، ولا ترفع سلاحها أبداً في وجه شعبها، ولكن ترفعه في وجه العنف والإرهاب الأسود الذي لا دين له ولا وطن».
الرسالة الثانية جاءت من «مجلس الدفاع الوطني» الذي اجتمع، أمس الأول، بتشكيله الجديد وفقاً للإعلان الدستوري، وضم رئيس الجمهورية عدلي منصور، ونائبه للعلاقات الدولية محمد البرادعي، ورئيس الحكومة حازم الببلاوي، والنائب الأول لرئيس الحكومة السيسي، ومدير جهاز الاستخبارات العامة محمد التهامي، ورئيس الاستخبارات الحربية اللواء محمود حجازي.
ووفقاً لرئاسة الجمهورية، فقد «اجتمع المجلس فور انتهاء أولى جلسات المصالحة الوطنية التي رفض حضورها الإخوان والسلفيون». وقالت الرئاسة إن «مجلس الدفاع الوطني اجتمع وفقاً للمادة 22 من الإعلان الدستوري الصادر في الثامن من تموز الحالي، وبرئاسة منصور، للنظر في تطورات الأحداث الداخلية والموقف الأمني في البلاد، ولمناقشة التهديدات الموجهة للأمن القومي المصري داخلياً وخارجياً».
وأصدر المجلس عدة قرارات صيغت على شكل تأكيدات وتذكير بثوابت، أولها تأكيد «التزام الدولة بضمان حقوق وحريات كل مواطنيها، وخاصة الحق في حرية الاعتقاد والتعبير عن الرأي بالطرق السلمية، والتزامها حماية حق التعبير السلمي لمواطنيها».
الرسالة الثالثة، بعث بها رئيس الوزراء، حازم الببلاوي، خلال مؤتمر صحافي أمس، أعلن خلاله تأييده دعوة السيسي للشعب للنزول إلى الميادين اليوم، من دون عنف، مضيفاً «إننا بصدد وضع دستور وانتخابات برلمانية ورئاسية، وأتمنى أن يتم هذا في وقت قصير».
وبدت القوى المدنية، جميعها، متفقة على الدعوة للاحتشاد وحماية مكتسبات الثورة، حيث وجهت حركة «30 يونيو» الدعوة إلى جموع المصريين بالنزول إلى الميادين «ضد إرهاب جماعة الإخوان المسلمين».
وقال مسؤول الاتصال السياسي في حركة «تمرد» محمد عبد العزيز، «إننا أمام جماعة لا تجنح إلى السلم، ولا تصالح مع الإرهاب، ولن نصالح من سفك دماء المصريين»، مؤكداً أن «الطريق إلى المصالحة يبدأ من حساب كل محرض على العنف ومحاكمته». وطالب بمحاكمة «كل من استقوى بالخارج واستعان به على حساب أمن مصر القومي»، وخص بالذكر مساعد رئيس الجمهورية السابق عصام الحداد، الذي دعا، بحسب عبد العزيز، إلى التدخل الأجنبي في شؤون مصر.
وأشار عبد العزيز إلى أن «جماعة الإخوان المسلمين، وحزب مصر القوية، وحزب النور، كانوا يتسارعون عندما تأتيهم الدعوة من آن باترسون (سفيرة أميركا في القاهرة)، أو وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، لكنهم يرفضون الجلوس مع أبناء الشعب المصري للمصالحة، لذلك لا تصالح مع من يستقوي بالخارج ضدنا»، مطالباً بطرد السفيرة الأميركية من مصر، قائلا «إن الحركة تعتبر باترسون شخصية غير مرغوب في وجودها في مصر، وتخطت حدود العمل الديبلوماسي وتعمل حالياً على دعم جماعة إرهابية تحاول العودة إلى السلطة على جثث المصريين».
ولـ«جماعة الإخوان» أيضاً بياناتها، حيث وجه المرشد العام لـ«الإخوان المسلمين» محمد بديع رسالته الأسبوعية أمس، والتي تعتبر التزاماً تنظيمياً وتوجيهاً دينياً عقائدياً، وعنونها «رسالة إلى الشعب المصري الحر»، داخلاً بروح «انتحارية»، وفاتحاً الاحتمالات على صدام دموي.
وخاطب بديع في رسالته من وصفهم بأنهم، «إخوتي وأخواتي كل المصريين، يا أحبابي الشرفاء الوطنيين جميعاً، يا كل أحرار العالم»، واصفاً ما يجري في مصر منذ الثالث من تموز بأنه «الانقلاب الدموي الخائن والغادر والناقض لكل العهود والمواثيق والقيم».
وأضاف «ها قد رأيتم خمسة استحقاقات انتخابية ديموقراطية ينقلب عليها دعاة الديموقراطية ويستغل ذلك خائن غادر يحاول فرض هذه الجريمة بالقهر والحديد والنار».
ودعا بديع «المرابطين، يا كل الشرفاء، يا كل الأحرار»، إلى أن «تنزلوا لتعلنوا وقفتكم مع الحرية والشرعية ورفض الانقلاب العسكري الدموي الذي طالت الجميع ويلاته من اللحظة الأولى، وتزداد جرائمه ساعة بعد ساعة، وقد لفظ العالم كله، ورفضت كل شعوب العالم هذه الانقلابات العسكرية البغيضة ولن ترجع ساعة الشعوب إلى الوراء».
وقال بديع، موجهاً حديثه إلى السيسي، ومستهدفا شيخ الأزهر أحمد الطيب، «أما من قتلونا، أما من خانونا، أما من غدروا بنا وبمصر كلها، فأقول لهم ما قاله الله عز وجل لحبيبنا وزعيمنا محمد، وأطمئن به رئيسنا الشرعي محمد مرسي في وحشته (وإن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ)، هل سمعت يا سيادة الفريق السيسي هذه الكلمة ووعيتها؟ هل تعرف معنى فأمكن منهم؟، اسأل عنها من أفتوك بأخف الضررين، (غامزاً من قناة شيخ الأزهر) ففتحوا، بل وكسروا، باب الفتنة على مصراعيه، ولا تنس أن تسألهم أيضاً عن اليمين الغموس ما معناه وما عقابه؟».
ثم وجه المرشد سهامه إلى «حماة الحرمين الشريفين»، قاصدا قادة السعودية، فقال «أقسم بالله غير حانث، أن ما فعله السيسي في مصر، يفوق جرماً ما لو كان حمل معولاً وهدم به الكعبة المشرفة حجراً حجراً، فهل لو فعل السيسي هذا يا حماة الحرمين الشريفين هل كنتم ستؤيدونه في ما فعل؟».
ولجأت «الإخوان» إلى سلاح الإشاعات كسلاح أخير ضد حشد اليوم المؤيد لتفويض الجيش، فانتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالجماعة قصص عن تحذيرات من التواجد في ميدان التحرير، بحجة أن الجيش والشرطة سينفذان تفجيرات تستهدف الموجودين في الميدان واستخدام تلك التفجيرات كفزاعة للمصريين لإطلاق يد الجيش والشرطة لـ«قمع الإخوان».
القصص تحدثت أيضا عن «استهداف خاص للأقباط»، وادعت أن «احد تلك التفجيرات سيستهدف تجمعا قبطيا كبيرا لزيادة الشحن».
محمد فوزي وأحمد عبد الفتاح
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد