مصر: الكارثة الاقتصادية تقترب ومرسي ينتشي بدستوره
نتظر الرئيس المصري محمد مرسي 20 يوماً كاملة قبل أن يتحدث إلى الشعب المصري بعد طول صمت، وفي وقت بالغ الحساسية، اشتد فيه الاستقطاب بين التيارين الديني والمديني على خلفية أزمة الجمعية التأسيسية ودستورها. وبالأمس فقط خرج مرسي ليتحدث في كلمة تلفزيونية مسجلة أراد من خلالها، كما يبدو، الاحتفال باليوم الأول الذي بدت فيه الأمور السياسية أكثر استقرارا في حوزته، وفي حوزة جماعة «الإخوان المسلمين»، بعد إقرار الدستور بنسبة 63,8 في المئة، وتحقيقهم انتصار جزئي في معركتهم مع السلطة القضائية.
ومنذ آخر كلمة تلفزيونية مسجلة له عقب ما عرف في مصر بـ«مذبحة الاتحادية»، التي سقط فيها نحو 12 قتيلاً وأكثر من 600 مصاب، عقب قيام عناصر من «الإخوان» بالهجوم على المعتصمين ضد الإعلان الدستوري أمام قصر الرئاسة، وهي الكلمة التي وصفها كثيرون بأنها تصادمية متعالية غير متصالحة، كان الأمس هو أول ظهور لمرسي في كلمة مسجلة، والمناسبة كانت إقرار الدستور الذي أعدته جمعية تأسيسية سيطر عليها التيار الإسلامي وانسحب منها ممثلو الكنيسة والتيار المدني.
وجاءت كلمة مرسي بعد يوم على إعلان اللجنة العليا للانتخابات، في مؤتمر صحافي، عن أن نحو 10,6 ملايين مصري قد صوتوا بـ«نعم» لصالح الدستور، فيما رفضه نحو 6 ملايين مصري، وذلك من إجمالي ما يقرب من 17 مليون ناخب، من أصل 52 مليون مواطن لهم حق التصويت، أي بنسبة تصويت لاتزيد عن 32 في المئة، وهي النسبة الضعيفة التي اتخذتها المعارضة للتشكيك في شرعية الدستور الذي يفترض أن يلتف حوله الشعب.
لكن هذه النسبة وهذه الاعتراضات لم تقلق في ما يبدو مرسي، الذي بدا في خطابه التلفزيوني المسجل أمس، أكثر حيوية وانفراجا، منتشيا بنتيجة الاستفتاء على الدستور، ولعله في ذات الوقت أيضا يخمد أي أحاديث تواترت عن تردي حالته الصحية واحتمالات سفره إلى ألمانيا نهاية هذا الشهر للعلاج.
ووصف مرسي في كلمته اليوم الذي صوّت فيه 63 في المئة من 32 في المئة من الشعب المصري بـ«نعم» للدستور بأنه «يوم تاريخي». وبالرغم من أن الوصف تقليدي وسبق أن استخدمه مرسي نفسه، بل ورموز النظام السابق في إضفاء هالة على أحداث شاركوا في صنعها، فإن مصطلح «تاريخي» هذا كشف في تلقائية عن المسافة الشاسعة بين مرسي ومعارضيه، كون أن رئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي، وهو أحد أبرز قادة جبهة الإنقاذ الوطني، وصف هذا اليوم بأنه يوم حزين.
وحسم مرسي الحديث المتصاعد عن إقالة حكومة هشام قنديل التي يراها كثير من الخبراء السياسيين والاقتصاديين هشة وضعيفة، عندما أكد أنه كلّف قنديل نفسه بإجراء التعديلات الوزارية اللازمة لمواجهة التحديات الاقتصادية القاسية التي تواجهها مصر الآن، لافتا إلى أن تلك الحكومة ستظل مستمرة حتى انتخاب مجلس نواب جديد، أي حتى ثلاثة أشهر مقبلة. وإذا كان مرسي بذلك قد أنهى أي حديث عن إمكانية تولي نائب المرشد العام لـ«الإخوان» خيرت الشاطر منصب رئاسة الحكومة، فإن مرسي بدا في الوقت ذاته بعيدا لمرة جديد عن تطلعات المعارضة، ومن خلفها قطاع كبير من الشعب كان يأمل في تشكيل حكومة إنقاذ وطني من كل التيارات على رأسها شخص قوي وتوافقي، لمواجهة شبح الإفلاس الذي بات يحيط بمصر للمرة الأولى.
وردا على هذه الكلمة أعلنت جبهة الإنقاذ الوطني أنها ستواصل نضالها لاسقاط الدستور المعيب، وستخوض الانتخابات البرلمانية من أجل عدم ترك الساحة أمام تيار الاسلام السياسي المتمثل فى الاخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية.
طائر الإفلاس
يفرد جناحيه
في يومين متتاليين ـ تصادف أن في أحدهما تم الإعلان الرسمي عن إقرار الدستور ـ تلقت مصر ثلاث ضربات اقتصادية من العيار الثقيل. الضربة الأولى كانت أمس الأول، عندما خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني طويل الأمد لمصر إلى مستوى (- B) ، وهو ذات التصنيف الائتماني لليونان التي تعاني أزمة اقتصادية حادة وكادت تعلن إفلاسها قبل أشهر.
الوكالة أوضحت، أن السبب في هذا التصنيف هو التدهور في المؤشرات الاقتصادية وتراجع احتياطي النقد الأجنبي وعجز الموازنة والغموض السياسي. بل ذهبت للقول بأنه من المرجح حدوث تخفيض جديد للتصنيف إذا وجدنا أن الحكومة غير قادرة على منع تدهور المؤشرات المالية. التصنيف السابق قفز بمصر إلى مرتبة الدول التي يعد فيها الاستثمار مخاطرة، وهو أمر يحمل دلالات اقتصادية كبرى، ودلالات سياسية لا تقل أهمية.
الضربة الثانية للاقتصاد المصري جاءت في اليوم التالي. وقبل أن يتحدث الرئيس مرسي في كلمته التلفزيونية خفّضت «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني لثلاثة من كبرى المصارف المصرية من B/B إلى B-/C، وهي «البنك الأهلي المصري» (أكبر مصرف تملكه الدولة)، و«بنك مصر» (ثاني أكبر مصرف تملكه الدولة)، و«البنك التجاري الدولي»، وهو واحد من أكبر مصارف القطاع الخاص العاملة في مصر، ويملك فيه «البنك الأهلي» نحو 99.9 في المئة من الأسهم منذ العام 1987 بعدما كانت 51 في المئة عندما تم تأسيسيه عام 1975 بالشراكة مع مصرف «تشيس مانهاتن» الأميركي.
وبعد ساعات من تحفيض التصنيف الائتماني لهذه المصارف الكبرى، جاءت الضربة الاقتصادية الثالثة، عندما ذكرت شبكة «بلومبرغ» أن وزارة المال المصرية تعتزم التوسع في طرح السندات الحكومية في ربع السنة المالية بزيادة قدرها 60 في المئة، قياسا على الربع الحالي من العام المالي، وأن الحكومة ستسعى لبيع 26 مليار سند حكومي في الربع الجديد، تتراوح آجالها بين ثلاث الى عشر سنوات، قياسا الى 16 مليار سند في الربع الحالي، وهو رقم كبير للغاية دفع الوكالة الاقتصادية الأميركية البارزة إلى تصنيف العجز المالي في مصر حالياً بأنه الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.
وبدا أن هذا التوجه الحكومي الأخير جاء بعد تعثر المفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي للفوز بقرض تبلغ قيمته 4،5 مليار دولار على خلفية الفوضى السياسية التي تضرب مصر منذ أشهر. وانعكست كل هذه الضربات الاقتصادية المتتالية على المواطن المصري البسيط، الذي يعيش في قلق متضاعف منتظرا زيادة الضرائب على سلع غذائية وخدمية خلال أيام قليلة بعدما علق مرسي تفعيل هذه القرارات قبيل الاستفتاء، فيما ضرب نوعا من أنواع الهلع المتعاملين مع المصارف في ما يتعلق بتراجع قيمة الجنيه، فبدأ عدد كبير من العملاء في تحويل أرصدتهم إلى الدولار، بينما تم رصد صعوبة في التحويلات المالية في عدد من كبرى شركات التحويلات، ليبدو النصر السياسي الذي حققه الإخوان في الفوز بالدستور منقوصا بسبب التردي في الأوضاع الاقتصادية حتى ولو كانوا قد حققوا نصرا آخر نسبيا في المعركة مع القضاء.
القضاة... هل خرجوا
من المعركة مؤقتا؟!
البيان المشترك الذي خرج عقب الاجتماع المشترك الذي جمع أعضاء المجلس الأعلى للقضاة، ورئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند أمس، فسّره كثيرون بأنه تنحية مؤقتة للقضاة من الصراع السياسي الدائر في مصر منذ شهور. البيان الذي تمت صياغته بعد اجتماع دام لثلاث ساعات ونصف، ناشد المستشار طلعت عبد الله النائب العام العودة إلى منصة القضاء، لما يحققه ذلك حاليًا لصالح العمل بالنيابة العامة والقضاة وحتى يتفرغ الجميع لأداء عملهم.
وبالرغم من أن البيان يعني ضمنا استقالة النائب من منصبه، إلا أن لفظ استقالة لم يرد ذكره صراحة في البيان، فيما نص صراحة في جانب آخر على مطالبة القضاة المعتصمين ووكلاء النيابة المعتصمين بعد تعيين النائب العام بقرار من مرسي بالمخالفة للقانون بالعودة للعمل. بل ونص البيان أيضا على تعليق انعقاد الجمعيات العمومية للقضاة التي ظلت في حالة انعقاد دائم منذ الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في 21 تشرين الثاني الماضي.
لكن أمر القضاء على القضاة لم يتوقف عند حد أزمة النائب العام فقط بل امتدت الى المحكمة الدستورية التى تم استبعاد ستة من قضاتها واعادتهم الى محاكم النقض والاستئناف. أبرز هؤلاء القضاة هو المستـــشار حاتم بجاتو، المتحدث السابـــق باسم لجنة الانتخابات الرئاسيـــة، فيما لم يتحدد بعد موقـــف المستشارة تهـــاني الجـــبالي المعروفة بتصريحاتها المنـــاهضة لـ«الاخوان» منذ تم انتخاب محمد مرسي رئيسا للجمهورية.
محمد هشام عبيه
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد