مصر: «العهد الجديد» ينطلق بحماية الجيش
بدأت، أمس، فعلياً المرحلة الانتقالية الجديدة في مصر، بعد الإعلان عن تكليف وزير المال الأسبق حازم الببلاوي تشكيل الحكومة، وتعيين رئيس «حزب الدستور»محمد البرادعي نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الخارجية.
هي طليعة توليفة جديدة تتبدى فيها الشراكة بين قوى الثورة (البرادعي)، والتكنوقراط البعيدين عن نظام حسني مبارك (الببلاوي)، والدولة (الرئيس عدلي منصور)، برعاية وتأييد من الجيش، الذي أصدر، امس، بياناً لمناسبة بدء شهر رمضان، تميّز بنبرة حاسمة لا تخلو من سيطرة، وإعلان مبطن عن دوران ماكينات «العهد الجديد». واستهلت القيادة العسكرية بيانها، الذي أذيع عبر التلفزيون الرسمي، بالتأكيد أن القوات المسلحة «تعرف أن الشعب المصري العظيم يثق في جيشه، مطمئناً إلى حسن فهمه مطالب الشعب، والقدرة على تحمل المسؤولية، حتى يتمكن الشعب بإرادته الحرة من اختيار طريقه نحو مستقبل مطلوب من الجميع، وحيوي بالنسبة إلى حياتهم وأمنهم، وتأكيد مطالبهم حتى يتحدد مسار المستقبل وتستقر ضماناته».
وفي رسالة لم تخلُ من نبرة «فقدان صبر»، أضاف البيان: «تؤمن القوات المسلحة أن جماهير الشعب تطلب من كل العناصر المؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية أن تستوعب الضرورات، وتقدر عواقبها وتحافظ على السلم العام مهما كان الثمن».
وارتفعت وتيرة النبرة الى حد التحذير من أن «جماهير الشعب، والقوات المسلحة وراءها، لا تريد لأحد أن يتجاوز حد الصواب في هذه اللحظة، أو يجنح عن الطريق، متخطياً حدود الأمن والسلامة، مندفعاً إلى ذلك، سواء برغبات أنانية أو جموح متعصب أو عصبي، ومن ثم يعرّض الوطن والمواطنين لما لا بد من تجنبه، ولذلك يفرض على الجميع أن يرتفعوا إلى مستوى المبادئ التي يمثلها شهر الصيام من تجرد خالص لله ومن إيمان ملتزم بالوطن أولاً وأخيراً».
ويبدو أن هذه الرسالة التحذيرية قد جاءت تعقيباً على محاولات تعطيل تشكيل الحكومة من قبل «حزب النور» السلفي، وهو ما تردّد أنه جزء من خطة السفيرة الاميركية آن باترسون حتى تمنح الفرصة لمفاوضات تسمح بعودة مرسي بعد استهداف مؤيديه مقر الحرس الجمهوري أمس الأول.
وأعاد البيان تأكيد أن «رئيس الجمهورية المؤقت والموقر، وهو الممثل الشرعي لأعلى منصة قضاء في مصر بصفته رئيس المحكمة الدستورية العليا، قد أصدر إعلاناً دستورياً يغطي المرحلة الانتقالية، وقد أعلن معه جدول مواقيت محددة لكل خطوة من خطوات إعادة البناء الدستوري على النحو الذي يحقق إرادة الشعب».
ويعني ذلك، بشكل ما، ان المسؤولين عن المرحلة الانتقالية، او شركاء ما بعد مرسي، ليسوا صنّاع سياسات، ولكنهم «يسيرون وفق جدول»، وبذلك، ووفقاً لبيان قيادة الجيش، فإنّ «معالم الطريق واضحة، ومرسومة ومقررة، تعطي الجميع ما هو أكثر من الكفاية للطمأنينة إلى أن المسيرة تتقدم على نحو واثق وشفاف، عن طريق معرفة الحق والتزام شروطه، وليس لأي طرف بعد ذلك أن يخرج على إرادة الأمة ورؤاها لمستقبلها، لأن مصائر الأوطان أهم وأقدس من أن تكون مجالاً للمناورة أو التعطيل، مهما كانت الأعذار والحجج، ولن يرضى شعب مصر بذلك، ولن تقبل به القوات المسلحة».
وعبر بيان قيادة الجيش عن ثقة وحسم تعلن من خلالهما القوات المسلحة نهاية مرحلة «التفاوض» غير المعلنة مع العهد «الإخواني» البائد، وهذا ما عبّرت عنه حالة «الاستسلام والهزيمة»، التي تبدّت في تصريحات من تكلم امس من قيادات «الاخوان»، وكان السبب الرئيسي في ذلك، تغير لهجة المواقف الصادرة من واشنطن، حيث بدأت الإدارة الأميركية تدين تحريض قيادات «الاخوان» على العنف، وتقر بضرورة النظر إلى «المرحلة المقبلة»، ما يعني بوضوح أن صفحة مرسي طويت بالنسبة إلى صناع القرار في البيت الأبيض.
ولم يخرج عن سياق الاستسلام، إلا تصريح للقيادي «الاخواني» محمد البلتاجي (المطلوب للعدالة بتهمة التحريض على العنف) دعا فيه إلى الهجوم مجدداً على مقر الحرس الجمهوري، وتصريح آخر لمتحدث باسم «الإخوان» وصف فيه اختيار الببلاوي بأنه «صفقة مع الانقلابيين».
وكانت تلك أعلى ردود فعل «الإخوان» على البداية الفعلية لدوران ماكينات المرحلة الانتقالية الجديدة، في ظل مناخات جنائزية سيطرت على المعتصمين بجوار مسجد رابعة العدوية، والذي احتشد فيه آلاف من مؤيدي الرئيس المعزول تحت شعار «مليونية الشهيد».
وبعد الإعلان عن اسم رئيس الحكومة الجديد، قام القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، مساء أمس، بجولة في ميدان التحرير، متفقداً الحالة الامنية، وذلك بغرض الاطمئنان، وللإعلان عن «السيطرة» (باللغة العسكرية). وتزامناً مع هذه الجولة، تفقد رئيس الاركان اللواء صبحي صدقي منطقة ماسبيرو ، مطمئناً على الفرقة المرابطة هناك، ومحاوراً مواطنين عابرين وسط «حالة معنوية مرتفعة»، وفق توصيف النشرات العسكرية.
وفيما قرر «حزب النور» السلفي عدم المشاركة في مشاورات المرحلة الانتقالية، إلا أنه أعرب عن موافقته على اختيار الببلاوي، معترضاً في الوقت ذاته على غياب مواد «الهوية الاسلامية» في الاعلان الدستوري الذي صدر امس الاول.
والمفارقة أن قوى ليبرالية ومدنية وحركات ثورية اعترضت على مواد في الاعلان الدستوري، معتبرة ان مادته الاولى بالذات وضعت تحت ضغط «حزب النور» وتجنباً لما قد يثيره من اعتراضات.
واعلنت حركة « تمرد» اعتراضها على الإعلان، مؤكدة انها لم تُستشر فيه. كما قرر البرادعي إعداد تعديلات على الاعلان تزيل آثار مواد الدستور، وخاصة المادة 219 التي لم تكتف بأن تكون الشريعة الإسلامية اساس التشريع، لكنها حددت «مبادئ الشريعة الاسلامية التي تشمل ادلتها الكلية وقواعدها الاصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب اهل السنة والجماعة».
يواجه الحزب السلفي هجوماً شديداً بسبب أدائه دور «الطرف المعطل»، خاصة مع تكشف التنسيق بينه وبين السفيرة الأميركية آن باترسون. ووصل الهجوم الى درجة فتح ملفات قديمة، حيث اعلن الدكتور سعد الدين ابراهيم، الحقوقي المعروف بقربه من الدوائر الاميركية، أن «السلفيين طلبوا منه تقديمهم للأميركيين باعتبارهم بديلاً للاخوان».
ويذكر ان الشعور بالثقة والاطمئنان الى دوران ماكينة مرحلة ما بعد «الاخوان» انعكس خارجياً بمبادرات من السعودية والامارات لتقديم منح وقروض بلغت 8 مليارات دولار (اي ما يفوق قيمة قرض صندوق النقد الدولي الذي حاول مرسي الحصول عليه وفشل).
الدوران هنا إعلان انتصار جديد على محور إقليمي كان يضم تركيا وقطر (بسلطتها القديمة) والنظام «الاخواني» في مصر. أما مبادرات دعم «العهد الجديد» فتوحي ببداية تغيير في توازنات الإقليم.
وبمشاعر الثقة نفسها استدعت وزارة الخارجية المصرية سفيري تركيا وتونس، لتقديم اعتراضات على تصريحات مسؤولين في البلدين دفاعاً عن نظام «الاخوان»، معتبرة أن ذلك يمثل تدخلاً في شؤون مصر الداخلية.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد