مشروع تأهيل مطار دمشق:هدر8ملايين يوروعلى تركيب نظام غيرمجدي
لم يع البعض أن محاولته إخفاء الشمس خلف إصبعه ليس إلا ضربا من الجنون...
عندما نشر في شهر تموز الماضي تحقيقا تناولت فيه الهدر الكبير الحاصل في مشروع إعادة تأهيل صالة الركاب في مطار دمشق الدولي، وطالب فيه المحرر آنذاك بفتح تحقيق في الموضوع بما يسهم في الحفاظ على المال العام ومنع هدره و سرقته، لم يجد البعض مخرجا من هذه الفضيحة إلا بتوجيه السهام نحو جريدة «تشرين» والمحرر تحت ذريعة تهم شتى ليس أقلها الإضرار بسمعة مؤسسة وطنية والإضرار بعلاقات البلاد الخارجية، إنما الموقف الذي أبداه السيد رئيس مجلس الوزراء حيال ما نشر كان بمثابة عامل أمان، إذ طلب بموجب كتابه رقم 6295/1 تاريخ 16/7/2008 من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التدقيق العاجل بما نشرته جريدة «تشرين»... حيث أصدرت الهيئة مؤخرا تقرير بعثتها التفتيشية، المتضمن ليس تأكيد ما نشر فقط بل كشف المزيد والمزيد من المخالفات والتجاوزات المرتكبة بحق المال العام....
في هذه المادة نستعرض معا وتبعا للمعلومات من مصادر خاصة أبرز المخالفات التي أكدت البعثة التفتيشية وقوعها أثناء تنفيذ العقد الماليزي و تسببها بإلحاق الضرر بالمال العام..
تجدر الإشارة أولا إلى أن التقرير التفتيشي المعد من قبل البعثة الخاصة المشكلة لهذا الغرض قدم وعبر صفحاته التي زادت عن خمسين صفحة تقريبا تفصيلا علميا لكل ما يتعلق بالعقد وما أحاط به بدءا من طرح فكرة القرض وانتهاء بعمليات التنفيذ التي تمت لمشروع إعادة تأهيل صالة الركاب في مطار دمشق الدولي المبرم بين مؤسسة الطيران المدني وشركة موهيبة الماليزية، ونحن هنا لن نتطرق إلى الوقائع الأولية التي سبقت توقيع العقد بل سندخل مباشرة في تفاصيل ما توفر من معلومات حول ماهية المخالفات التي رافقت توقيع العقد وتنفيذه...
إذ تؤكد البعثة في تقريرها أولا أن العرض المقدم من رئيس مجلس تطوير الصناعات الإنشائية الماليزي لإعادة تأهيل مطار دمشق الدولي كحل إسعافي كان بقيمة 3.5 ملايين يورو، وذلك من خلال مذكرة التفاهم بين الجانبين السوري و الماليزي، تحول إلى قرض بقيمة 40.651 مليون يورو وذلك نتيجة الفروقات المالية الكبيرة في البنود المقدمة من نفس العارض وخلال نفس الفترة، حيث حددت البعثة أمثلة على تلك الفروقات أبرزها:
ـ 6847136 يورو تشمل بنود (إعادة تأهيل الصالة ـ الأعمال الميكانيكية تكييف وتهوية ـ نظام عرض معلومات الرحلة ـ نظام المراقبة بكاميرات فيديو ـ نظام قبول وتسجيل الركاب ـ نظام عدم انقطاع القدرة الكهربائية) و دون الإشارة لهذه الفروقات بأي شكل من الأشكال من قبل الجهة صاحبة المشروع أي المؤسسة العامة للطيران المدني.
ـ 4،1 مليون يورو ونتج هذا الفارق نتيجة عدم قيام إدارة المؤسسة العامة للطيران المدني بتحديد الأعمال المنفذة سابقا لتجنب إدارجها في العقد الجديد مرة ثانية وهي مناضد الهجرة بقيمة 500 ألف يورو، أعمال تحسين وتزيين المناظر الطبيعية في الجناح الرئاسي بقيمة 900 ألف يورو.
ـ 8475169 يورو نتيجة إصرار إدارة مؤسسة الطيران المدني على تركيب نظام CUPCS وتضمين العقد عبارة «ترحيل آلي للمسافرين» وهذا النظام غير مقبول ولا يحقق متطلبات مؤسسة الطيران العربية السورية الجهة المستثمرة لهذا النظام.
ـ 3.5 ملايين يورو قيمة أعمال إضافية دون وجود ما يبين طبيعة هذا البند ومؤيدات إدراجه.
ـ 885 ألف يورو قيمة استشارات فنية و إدارة مشروع في حين تم التعاقد مع الشركة العامة للدراسات الفنية وشركة هالكرو البريطانية للإشراف بمبلغ 4،28 مليون ليرة وللتدقيق بمبلغ 19.9 مليون ليرة.
ـ 4452197 يورو وهي قيمة أعمال / تمهيدات/ شملت ما يلي: أعمال التأمين، رواتب طعام، مياه، كهرباء، أجور سفر، وسائل النقل الخاصة وتقع على عاتق المتعهد وليس على عاتق الجهة صاحبة المشروع.
المخالفة الثانية التي سجلها التقرير تتعلق بعدم دقة ما بينه مدير الشؤون الهندسية لدى مؤسسة الطيران المدني بسام صقر خلال حضوره الاجتماع المؤرخ في 20/9/2007 بخصوص عدم وجود الإمكانيات لإعداد الدراسات ودفاتر الشروط الفنية اللازمة للمشروع والحاجة في هذا الصدد إلى الخبرات، حيث أن أغلبية الأعمال المنفذة سبق و أن قامت بها مؤسسة الطيران المدني.
ولا يلفت التقرير التنويه إلى عدم تقييد إدارة مؤسسة الطيران المدني بتوجيهات السيد رئيس مجلس الوزراء حول هذا الموضوع لجهة ضرورة التحديد الواقعي للاحتياجات اللازمة وتحديد ما يمكن تنفيذه من الاحتياجات بالموارد المدنية دون الاستعانة بالخارج، حيث أن جميع الأعمال المدنية من الممكن تنفيذها بالموارد المحلية مع الإشارة إلى أن قيمة أعمال البناء في العقد المذكور بلغت قيمتها نحو 16.5 مليون يورو. في المخالفة الرابعة جاء عد الإشارة في حيثيات العقد إلى المادة القانونية التي تم الاستناد إليها لإبرام العقد بالتراضي، إضافة إلى عدم قيام إدارة مؤسسة الطيران المدني بتشكيل لجنة فنية مالية لدراسة العرض المالي بعد أن وافقت الحكومة على التعاقد بالتراضي، كما أنه ذكر في المادة 4 من العقد أن تاريخ البدء هو 18/12/2007 في حين أن تاريخ العقد هو 22/1/2008 وهذا ما يجعل التعامل مع العقد على أنه مصدق سلفا.
ومن المخالفات القانونية الخطيرة التي تضمنها العقد عدم تضمينه موادا تضمن حقوق المؤسسة تجاه دقة التنفيذ لجهة الاستلام الأولي والنهائي وبالتالي تصبح الإدارة ملزمة بالاستلام لكافة الأعمال وفقا لما تم تنفيذه فعلا دون أية إمكانية للرجوع إلى المتعهد، هذا إضافة إلى عدم تضمينه ما يشير إلى مفردات العرض الفني (المخططات الفنية لكافة الأعمال وتحليل الأعمال وتحديدها).
و يرصد التقرير مخالفة قانونية أدت للضرر بالمال العام تمثلت بعدم صدور وثيقة تتضمن إعفاء المقاول من الرسوم والضرائب المتوجبة في سورية (فيما يتعلق بمنشأة المقاول والمواد والبضائع المستوردة لغرض المشروع ) حيث نص كتاب المنح الصادر عن نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية على إصدار هذه الوثيقة ما يعني بالنتيجة تحمل مؤسسة الطيران المدني كافة الرسوم والضرائب لتاريخه والبالغة حوالي 500 مليون ليرة سورية مع إشارة البعثة إلى أن الفروقات في الأسعار المتعاقد عليها تم تقديرها دون لحظ الضرائب والرسوم طالما أن الأسعار الواردة في العقد معفاة من ذلك، وحيث أن العرض المالي للعقد المذكور جاء أغلى من أسعار السوق المحلية بمقدار 25% وفق ما بينته الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية وشركة هالكرو البريطانية فإن هذا الفارق يقدر بنحو 10 ملايين يورو لم تأخذه إدارة مؤسسة الطيران المدني بعين الاعتبار...!!.؟
و يدخل التقرير التفتيشي أكثر فأكثر في عمق تفاصيل مخالفات العقد، ليشير إلى أنه ورد في العقد بند يحمل تسمية أعمال التكييف بقيمة 1321900 يورو في حين أن هذه الأعمال هي مجرد أعمال صيانة تقوم بها ورشات المطار التابعة لمؤسسة الطيران المدني، كما ورد في العقد بند آخر يحمل تسمية الدعم الفني بقيمة 450557 يورو دون تحديد ماهية هذا الدعم ومبرراته والتزامات المتعهد من خلاله، كما ورد بند ثالث تحت مسمى الإنارة بقيمة 186117 يورو دون تحديد العدد أو الكميات اللازمة لذلك.
و فيما يتعلق بنظام المراقبة فإن البعثة أكدت قصور نظام المراقبة بكاميرات الفيديو عن أداء الغاية المرجوة منه وفق ما بينه كتاب إدارة الاتصالات الموجه إلى إدارة المشروع مع العلم أن قيمة هذا النظام تبلغ نحو 1301195 يورو.
و توضح البعثة أن هناك عدداً من الملاحظات الفنية(الهندسية بكافة اختصاصاتها) تشمل الأعمال الكهربائية والميكانيكية والإنشائية تم إثباتها في الاجتماع المنعقد بتاريخ 15/7/2008 بحضور مهندسي شركة الدراسات وشركة هالكرو وشركة الإشراف الماليزية كيليا، ووجود عدد من الملاحظات على الأعمال المعمارية من خلال عدم تحديد قيمة إجمالية لأعمال العزل ووجود بعض البنود بنفس العنوان (أعمال هدم) و وجود اختلاف في قيم أعمال المرحلة الأولى وفي قيمة الأعمال الخارجية إضافة إلى وجود زيادة في الأسعار بالنسبة للأعمال الصحية بنسبة حوالي 25% وبنسبة 35% للأعمال الميكانيكية أما بالنسبة للأعمال الكهربائية وللأعمال الطرقية فتبلغ نسبة الزيادة حوالي 50%.
و تأكيدا لما نشرته «تشرين» فإن التقرير يبين أن البعثة التفتيشية حصلت على عروض أسعار من عدة جهات في الأسواق المحلية(متعهدين ـ موردين ـ تجار) لمواد مماثلة لما ورد في العقد موضوع التدقيق تظهر بوضوح الزيادات السعرية المرتفعة جدا للمواد المتعاقد عليها، كما هو الحال بالنسبة لنظام المولدات الكهربائية حيث أن سعره يقدر محليا بنحو 12 مليون ليرة في حين أن سعره وفق العقد المذكور هو 52.739 مليون ليرة أي بزيادة حوالي ثلاثة أضعاف القيمة، وكذلك الأمر بالنسبة لنظام قبول وتسجيل الركاب حيث يقدر سعره محليا بنحو 7.908 ملايين ليرة في حين أن سعره وفق العقد المذكور هو 266 مليون ليرة أي بزيادة قدرها 33 ضعفا، مشيرا إلى أن التحديد الدقيق لهذه الفروقات يستدعي إجراء التحقيقات المناسبة.
وعلى عكس المعتاد فإن اقتراحات البعثة التفتيشية جاءت مرنة لم تحدد المسؤولين عن المخالفات المرتكبة في العقد ومن تسبب بهدر المال العام، وهو أمر نأمل أن يتم لاحقا بعد تنفيذ مقترحي البعثة و اللذين كانا وفق الأتي:
- وضع بتصرف السيد رئيس مجلس الوزراء الطلب إلى وزارة النقل تشكيل فريق عمل مشترك من الطرفين المتعاقدين (مؤسسة الطيران المدني ـ شركة موهيبة الماليزية) لإعادة النظر بالأسعار المبينة في العقد الخارجي رقم 1 لعام 2008 بخصوص إعادة تأهيل وتحديث بناء صالة الركاب الموجودة في مطار دمشق الدولي بما يهدف بالنتيجة إلى الوصول إلى أسعار عادلة تعكس التفاهم الاقتصادي وطبيعة علاقة الصداقة بين البلدين.
- وضع بتصرف السيد رئيس مجلس الوزراء لاحقا في ضوء النتائج التي سيتم التوصل إليها في ضوء المقترح الأول إجراء التحقيق اللازم بواقعة ارتفاع أسعار التعاقد في العقد المشار إليه وفقا لما بينه التقرير إذا اقتضى الأمر ذلك...
وما نأمله حقا أنه في مقابل الرغبة والحرص على تنفيذ الاستفادة من القرض الماليزي وتنفيذ مشروع إعادة تأهيل صالة الركاب بمطار دمشق الدولي وفق تصور واضح و أسعار حقيقية مناسبة، أن يتم كذلك التحقيق في كل هذه المخالفات و الأسعار الخيالية التي وضعت تمهيداً لمحاسبة المسؤولين عن هدر المال العام و إضاعته، فهذه الحادثة يجب ألا تترك أو تبرر بشكل غير واقعي كي لا تتحول إلى ظاهرة تتكرر في كل مشروع وفي كل قرض نحن بأمس الحاجة لكل يورو أو دولار فيه...
ما سبق كان بعضا من الصفحات الخمسين لتقرير البعثة التفتيشية ومما حصلت عليه تشرين من معلومات، ومع أننا فضلنا عدم التعليق على ما جاء به التقرير و نشره بحيادية لنترك للقارىء والجهات المسؤولة الفصل في هذا الملف الذي كشفته «تشرين»، إلا أن تأكيد المخالفات من قبل جهة رقابية يفتح ملفاً آخر بعيداً عن محاسبة المسؤولين عنها يتعلق بالكوادر التي أشارت منذ البداية إلى هذه المخالفات ورفضت تمريرها فكان مصيرها التشتيت في المحافظات و الطلب منها مؤخرا تقديم طلبات لنقلها خارج ملاك المؤسسة العامة للطيران المدني وخارج وزارة النقل وكأن الدولة لم تصرف ملايين الليرات على هذه النوعية من الخبرات الهندسية... إذ يبدو أن تشكيلة فريق كرة القدم وبعد خسارته أصبح بحاجة لتبديل!!.
زياد غصن
المصدر: تشرين
التعليقات
بعد التعديل!!!!!!!!!!!!!!!
دبي
إضافة تعليق جديد