مشاكل الكبار الجدد

منذ أربعين عاماً كانت البرازيل بلداً مفلساً تحكمه ديكتاتورية عسكرية. أما الهند فكانت بلداً زراعياً متخلفاً. وفي الصين كانت الثورة الثقافية تحكم قبضتها على البلد.
هذا ما كان من قبل. أما الآن فقد انقلبت الصفحة من التاريخ. إن قصص النجاح الاقتصادي والنفوذ السياسي لا تزال حية ترويها مراكز الأبحاث في العالم. ويشوش هذه الصورة اليوم ما تعانيه تلك البلدان من مشكلات عميقة، تجعل الناس تخرج إلى الشوارع، احتجاجاً على الفساد وعدم الكفاءة في إدارة الحكم. هم يطالبون بالحكم الرشيد.
تعاني البلدان المذكورة حالياً من انخفاض نسب النمو الاقتصادي. فقد تراجعت نسبة النمو في الصين إلى 7,5 في المئة بعد ان كانت 14 في المئة، وفي الهند إلى 5 في المئة بعد أن كانت 10 في المئة، وفي البرازيل 2,5 في المئة بعد ان كانت 6 في المئة، وتبقى هذه النسب أفضل بكثير مما عليه النمو الاقتصادي في أميركا وأوروبا. وعلى الرغم من ان تلك البلدان تقاوم الهيمنة الغربية، الا انها تبقى مختلفة سياسياً حول قضايا العالم.
تعدد نماذج النمو الاقتصادي في هذه البلدان يبقي الفروق في أنظمة الحكم السياسية ضئيلة جداً. فالصين تحكم بواسطة حزب واحد. اما الهند فبلد فيدرالي. وفي البرازيل يعود نظام حزب يحوز شعبيته من الأرياف. وقد نشأت في البلدان المذكورة طبقة وسطى تزداد حضوراً يوماً بعد يوم. وعلى الرغم من النمو الاقتصادي المشهود فإن نوعية الحياة في الريف لم تتغيّر. كما تزداد الفروق بين الأغنياء والفقراء. يتظاهر الناس في تلك البلدان ضد الأنظمة الحقوقية التي عفا عليها الزمن (كما في الهند) وضد البيروقراطية والمحسوبية (كما في الصين) وضد الهدر وصرف الأموال الطائلة على مشاريع كبرى ترمي إلى زيادة النفوذ فــقط (كـما في البرازيل). يطالبون بالحرية وتحمّل المسؤولية وباختصار «الحكم الصالح».
لا بدّ أيضاً في هذا المجال من إظهار بعض النجاحــات. فــفي الــصين يوجد اليوم نــظام صحــي فعّال وتعليــم واســع وناجح. وتبقى نسبة الأمية منخفضة جداً. وفي الهند نظام سياسي يحترم حقوق الإنسان، على الرغم من أن الناس يطلبون من الدولة تحريرهم من الفقر المدقـع. وفي جــدول منــظمة الشــفافية الدولية تقع البرازيل في المرتبة 69 والهند في المرتبة 80، والصين في المرتبة 94.
تظهر التوقعات الاقتصادية ان الصين والهند والبرازيل ستتابع نموها الاقتصادي في العقد المقبل وان كان بنسبة متوسطة. وسينتقل عشرات الملايين من سكانها إلى الطبقة الوسطى. وستتخطى الصين عتبة «نقطة التحوّل» التي يشير إليها الاقتصادي الانكليزي لويس. لقد اعتمد نمو الصين الاقتصادي على الأجور المخفضة لمئات ملايين العمال القادمين من الريف. وتحولهم إلى الطبقة الوسطى مستقبلاً، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الانتاج، وبالتالي إلى خفض نسبة النمو الاقتصادي فيها.

سمير التنير

المصدر: السفير