مرسي يقيل مستشاره السلفي وبورسعيد تعلن العصيان
القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس المصري محمد مرسي أمس بإقالة مستشاره لشؤون البيئة الدكتور خالد علم الدين، أحد قيادات التيار السلفي، يعني أن المواجهة بين جماعة «الإخوان المسلمين» وثانية القوى الإسلامية المنظمة قد دخلت مرحلة الصدام، إذ إن التسريبات التي خرجت من أروقة القصر الرئاسي تتهم علم الدين باستغلال منصبه في رئاسة الجمهورية لتحقيق مصالح شخصية تعني ان هذا الصدام سيكون عنيفا.
خبر الإقالة نقلته قناة «الجزيرة»، التي توصف بانها إحدى الأذرع الإعلامية لجماعة «الإخوان»، ونسبته إلى مصدر رئاسي لم تسمه، قائلة إن الرئيس مرسي اتخذ القرار «بعد ورود تقارير رقابية تفيد باستغلاله ـ خالد علم الدين ـ لمنصبه»، من دون أن توضح أية تفاصيل أخرى.
المتحدث الرسمي باسم «حزب النور» أحمد خليل قال إن «ما ورد حول استغلال علم الدين لمنصبه كلام عار من الصحة تماماً، وسنعقد اجتماعا طارئا للرد على القرار، بعد أن نستمع إلى الدكتور خالد».
وحول القرارات المتوقع اتخاذها خصوصا بعدما أعلنت الرئاسة أكثر من مرة انها لن تقيل حكومة هشام قنديل، وهو الطلب الذي تقدم به «حزب النور» للرئاسة خلال الحوار الوطني، قال خليل: «موقفنا ثابت ولن يتغير من إقالة الحكومة، وهو مطلب اتفقت عليه كل القوى السياسية - يقصد «جبهة الإنقاذ» ـ بعدما أثبتت الحكومة فشلها في إدارة شؤون البلاد».
وخلافا لما أوردته «الجزيرة» بخصوص الإقالة، ترددت أنباء قوية أن السبب يرجع في المقام الأول الى انتقاد خالد علم الدين هيمنة الجماعة على مؤسسة الرئاسة وتدخلها في كل الأمور، وأن مكتب الإرشاد هو المرجعية الرئيسية لكل القرارات.
وفي اتصال هاتفي مع «السفير» كشف مستشار الرئيس السابق لشؤون البيئة انه طلب مقابلة الرئيس قبل ثلاثة أشهر لتقديم استقالته ولم يستطع مقابلته بالرغم من انه أحد مستشاريه، مؤكدا انه تحدث مع عدد من المستشارين عن وجود أخطاء رقابية، وقد تم الرد عليه بأنهم ليسوا جهة رقابية، وهو ما جعله يفكر في الاستقالة.
وعن أسباب إقالته، قال علم الدين: «الحقيقة الكاملة لن أفصح عنها إلا بعد الرجوع الى حزب النور».
وبرغم الجدل الذي أحدثه الخبر، لم تصدر الرئاسة – كالعادة - حتى وقت متأخر من مساء أمس أي بيان يزيل الغموض الذي اكتنف القرار.
في المقابل، فتحت «الإخوان» خطاً للحوار مع «جبهة الإنقاذ» من خلال لقاء «سري» جمع رئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي، برئيس «حزب الحرية والعدالة» سعد الكتاتني مساء أمس الأول، بحضور رئيس «حزب الوفد» السيد البدوي، وهو لقاء استمر لمدة ساعتين، وعقد في منزل البرادعي، وقام البدوي بالتنسيق له.
مصادر في «جبهة الإنقاذ»، رفضت الإفصاح عن هويتها، كشفت لـ«السفير» عن أن الكتاتني طلب من البرادعي العمل على إنهاء حالة التوتر والاحتقان، وأن الأخير أكد على المطالب الخمسة للجبهة للخروج من الأزمة الحالية وهي: ضرورة تشكيل حكومة جديدة محايدة للإشراف على الانتخابات البرلمانية لضمان نزاهتها، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور، وان تطرح تلك التعديلات بعد الانتهاء منها على الاستفتاء الشعبي، وإقالة النائب العام، وتعيين نائب جديد يرشحه المجلس الأعلى للقضاء، بالإضافة الى وضع خريطة واضحة للعدالة الانتقالية، مع إعلان معايير واضحة للتصالح مع رموز ورجال أعمال نظام حسني مبارك أمام الرأي العام، وتعديل قانون الانتخابات الذي أقره مجلس الشورى.
المصادر أضافت ان البرادعي أكد للكتاتني مقاطعة الجبهة وكل القوى السياسية للانتخابات البرلمانية المقبلة في حال عدم إجراء تعديلات على قانون الانتخابات، وعدم وجود ضمانات واضحة لنزاهة العملية الانتخابية برمتها، وأهمها إشراف قضائي كامل والسماح لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بمراقبتها.
من جانبه رد الكتاتني على مطالب البرادعي بأنه سيقوم بنقلها الى الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في أقرب وقت ممكن، مشيرا الى ان «الإخوان» تريد النهوض بالدولة، ولن يتم هذا الا بمشاركة الجميع.
اللافت أن الإعلان عن اللقاء جاء من خلال الكتاتني الذي كتب على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»: «التقيت اليوم بالدكتور محمد البرادعي والدكتور السيد البدوي لتبادل وجهات النظر حول الوضع السياسي الحالي، ولم نتطرق من قريب أو من بعيد إلى مبادرة حزب النور».
على جانب آخر، ما زالت فضيحة تعيين عمر مرسي، ابن الرئيس المصري، في وزارة الطيران، والمتخرج حديثا (2012) تتصدر المشهد، برغم تراجع الشاب عن التقدم للوظيفة.
وكتب عمر مرسي على حسابه الشخصي على موقع «تويتر»: «لن استكمل أوراق تعييني». وبنبرة استعطاف، سأل: «كيف يحصل شاب على وظيفة في مصر الحبيبة؟»، وهو سؤال تندر عليه ناشطون، بأن قرروا تنظيم مسيرات وتظاهرات الى وزارة الطيران للمطالبة بتعيين كل المتخرجين العاطلين عن العمل منذ سنوات.
وتحسبا لحدوث أي تظاهرات احتجاجية، قامت أجهزة الأمن بالدفع بست سيارات أمن مركزي، ومدرعتين، وسيارة إطفاء، لتأمين وزارة الطيران بسبب تعيين ابن مرسي في الوزارة.
وبالتوازي مع الرفض الشعبي، توالت الاعتراضات القانونية ضد تعيين ابن مرسي، حيث تقدم عصام خليل ببلاغ للنائب العام ضد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الطيران المدني ورئيس الشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية، للمطالبة بعزل وزير الطيران ورئيس الشركة، وإلغاء تعيين عمر مرسي، في حين تظاهر عدد كبير من الحاصلين على درجتي الدكتوراه والماجستير أمام مقر «حزب الحرية والعدالة» المواجه لمبنى وزارة الداخلية وأمام مبنى مجلس الشورى، للمطالبة بتعيينهم أسوة بنجل رئيس الجمهورية .
في هذا الوقت، كانت مدينة بورسعيد سباقة في تنفيذ أول عصيان مدني. وخلافا لكل التوقعات، أصيبت الحياة في المدينة بالشلل بعدما أغلقت محال كثيرة أبوابها، استجابة للدعوة التي انتشرت خلال الأسبوع الماضي، للمطالبة بالقصاص لشهداء المدينة الذين قضوا نحبهم على أيدي قناصة وزارة الداخلية في الأحداث التي أعقبت الحكم بالإعدام على 21 متهما من أبناء المدينة في مذبحة بورسعيد في السادس والعشرين من كانون الثاني الماضي، وما أعقب ذلك من مواجهات دامية بين المواطنين والشرطة، بالإضافة الى معاملة قتلى الأحداث مثل شهداء الثورة معنوياً ومادياً، وعدم تسييس قضية إستاد بورسعيد ومراجعة الأحكام من جهة قضائية محايدة وإعادة التحقيق وإظهار المتسبب الحقيقي وراء الحادثة. ونظم الآلاف من طلبة المدارس وشباب «أولتراس» النادي المصري وأهالي شهداء ومصابي الأحداث الأخيرة وقفة حاشدة في ميدان الشهداء («المسلة»)، ثم تحركوا في مسيرة جابت شوارع ٢٣ يوليو والثلاثين، ومحمد علي، واستجاب إليهم عدد كبير من التجار وأغلقوا محالهم، وتوقفوا أمام المؤسسات الحكومية وناشدوا العاملين فيها التضامن معهم، حيث استجاب إليهم بعض موظفي مصلحة الجمارك وهيئة الميناء.
وامتد العصيان إلى معظم مدارس المحافظة، بعدما باتت الفصول شبه خاوية نتيجة لارتفاع نسب غياب الطلاب، وهو ما اعترف به وكيل أول وزارة التربية والتعليم في محافظة بورسعيد أحمد عرابي الذي أكد لـ«السفير» أن نسبة الحضور داخل المدارس «متدنية للغاية» وقد وصلت إلى 25 في المئة فقط، مرجعا ذلك إلى استجابة الطلاب إلى دعوات العصيان المدني.
ما حدث في بورسعيد أمس فتح باب الأمل من جديد أمام القوى السياسية التي تبنت من قبل الدعوة الى العصيان، لكنها فشلت في إقناع المصريين. فهل تتوافق القوى وتحشد لعصيان يجبر نظام «الإخوان» على الاستجابة لمطالب المعارضة؟
محمد فوزي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد