مراكز الإيواء في دمشق: ملاذ الناجين من الغوطة الشرقيّة
في البهو الكبير للمجمع التربوي في ضاحية قدسيّا، غربي دمشق، الذي تحوّل إلى مركز يستقبل المسلّحين الساعين لتسوية أوضاعهم، والعائلات الناجية من مناطق الاشتباك، فوجئنا بعدد كبير من المواطنين، حيث استقبل هذا المركز خلال الشهرين الماضيين 300 أسرة من قرى حوش نصري، وحوش الضواهرة، وحوش الفارة، والريحان، والنشابية، والمليحة، وزبدين، وعربين، وسقبا، وكفر بطنا، ودوما، تقيم 185 أسرةً منها حالياً في المركز، بينما لا تزال أسرٌ أخرى تتوافد إليه على نحو يوميّ.
أبو نعيم، الرجل الخمسيني، لم يدرك ما حلّ به طيلة سنوات الحرب، إلّا بعدما انتهى به المطاف في مركز الإيواء. يروي معاناته داخل مدينة دوما، وحكايته مع رجال زهران علوش، ومسلّحي «جيش الإسلام» الذين اتهموه بسرقة 70 ليتراً من مادّة المازوت «غير المتوافر إلّا بندرة داخل المدينة»، بحسب تعبير أبو نعيم، وأرغموه على تسديد ثمنها، الذي قدّروه بمئة وأربعين ألف ليرة سوريّة، ما يعادل 700 دولار تقريباً. الأمر الذي اضطره لبيع منزله، لتسديد المبلغ، دون أن يعفيه ذلك من تحويله إلى القضاء: «سدّدت المبلغ المطلوب ولم أنجُ منهم، إذ أرادوا مقاضاتي ما دفعني للهرب». ويتابع حديثه ليروي حكاية خروجه من دوما التي بدأت باتصال هاتفي مع لجنة المصالحة الوطنية، التي حدّدت له موعداً للخروج مع عائلته عبر مخيّم الوافدين، غير أنّ الاتفاق بين الأهالي ولجنة المصالحة أُجّل أكثر من مرّة، ما اضطر الكثيرين ممّن كانوا ينتظرون، إلى العودة أدراجهم، فيما أصرّ أبو نعيم على البقاء والنوم في العراء إلى اليوم التالي، حيث حدّدت اللجنة الساعة الحادية عشرة ظهراً موعداً للخروج.
يتابع أبو نعيم شارحاً: «الإرهابيون كانوا يرصدون تحركات لجنة المصالحة، والباصات التي ستنقل الخارجين من الغوطة، فقصفوا الباصات بالهاون، والرشاشات، ما اضطر اللجنة إلى مغادرة المكان والعودة أدراجها». ويتابع بغصة كبيرة: «في اليوم التالي، وكان يوم الاثنين، وقعت حادثة لن أنساها طيلة حياتي، فبينما كان مواطن ينتظر عند معبر الوافدين مع ولديه (6 سنوات و8 سنوات) استهدفتهم قنّاصة الإرهابيين، فقتل الأب وأحد الأولاد، وأصيب الآخر في خاصرته، وأسعفه الجيش السوري إلى داخل المخيم». أمّا حسن، الشاب العشريني، الواصل حديثاً إلى المركز، فيروي قصّة وفاة ابنته التي رفض الأطباء في مشفى حمدان، في منطقة الحجارية، معالجتها لعدم انتماء والدها إلى أيّ تنظيم مسلّح، وحوّلوها إلى إحدى النقاط الإسعافيّة الخاصّة بالمجموعات المسلّحة، داخل دوما، حيث فحصها طبيب يدعى أكرم الكعكة. ويقول حسن: «أخبرني أنها تحتاج إلى أوكسجين وأنّ 90% من هذه الحالات مصيرها الموت. ثمّ تركنا، لتسلم ابنتي الروح بعد قرابة الساعة».
رانية شيخ عمر، الإداريّة في الفريق المدني الخيري التطوعي في مركز قدسيّا، تحدّثت عن الإجراءات التي تتخد عند وصول أيّ مسلح يسعى إلى تسوية وضعه، أو أحد الهاربين من ظلم المسلحين في المناطق، إلى المركز، شارحةً أنّ «الإجراءات تجري بسهولة شديدة ودون تعقيد. فبعد وصول المواطنين إلى المركز، يسجَّل من ستسوّى أوضاعهم أمنياً، وعند استكمال اﻷوراق اللازمة، يُخضعون لعلاج نفسي إسعافي على أيدي اختصاصيين، لتأهيلهم وإعادة دمجهم في الواقع الاجتماعي. وبعد المُتابعة النفسية، تعقد لهم محاضرات تثقيف توعوية يقدّمها رجال دين وشخصيات ثقافية» للوصول، بحسب تعبير شيخ عمر، إلى «إعادة بناء الثقة» مع المُسوّى أوضاعهم. أمّا الأهالي، واﻷسر الوافدة، فيقولون إنّه «تسجّل أسماؤهم، ومن ثمّ يتابَعون صحيّاً من خلال فريق صحي تابع لوزارة الصحة، وأطباء الفريق التطوعي، ويقدّم إليهم العلاج إن احتاجوا إليه، ولقاحات الأطفال إن لزم اﻷمر، ومن ثمّ يقدّم الفريق والمركز كلّ ما يلزمهم من وسائل تدفئة وأغطية والوجبات الساخنة التي تعد داخل مطبخ المركز».
إنّ الخدمات التي تقدّم في هذا المركز، تسهم على نحو كبير في تخفيف المعاناة عن اﻷسر الخارجة من الغوطة، وتمثل، مع الإجراءات التي اتخذتها الدولة السورية، عاملاً مهماً لتشجيع المسلحين والمطلوبين والفارين من خدمة العلم، على تسليم أنفسهم للدولة السورية، وتسوية أوضاعهم، كما تشجّع اﻷهالي على الهرب من الظلم الواقع عليهم داخل الغوطة الشرقية، حيث يوهمهم المسلّحون بأنّ خروجهم سيعرضهم للخطر، فيفاجأون باحتضان الدولة لهم، وتأمين ما يلزمهم من خدمات أساسية.
حسام زيدان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد