مذبحة بورسعيد تحاصر «المجلس العسكري»
عاشت مصر يوم أمس تحت وقع الصدمة التي خلّفتها مذبحة استاد بورسعيد، وسط حالة من الغضب الشعبي تبدّت في مسيرات شعبية شهدتها مدن مصرية عدة، وتصاعدت حدّتها ليلاً بعدما اشتبك المتظاهرون مع قوات الأمن في محيط مبنى وزارة الداخلية في وسط القاهرة، في ما بدا سيناريو مصغراً لتظاهرات ستشهدها ميادين التحرير في مصر اليوم، بعدما أخفق المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة كمال الجنزوري مجدداً في اتخاذ خطوات جذرية لاحتواء الموقف، وهو ما دفع بالعديد من أعضاء مجلس الشعب، الذي عقد جلسة طارئة لمناقشة الأحداث، إلى المطالبة بتسليم السلطة فوراً لحكومة يشكلها البرلمان.
وبدأت التظاهرات الشعبية، منذ فجر أمس، وذلك بعد ساعات من المذبحة التي راح ضحيتها أكثر من 74 قتيلاً وما يزيد عن الف جريح في بورسعيد، حيث تجمهر الآلاف أمام «محطة مصر» قرب ميدان رمسيس في القاهرة، بانتظار وصول القطار الذي نقل مصابي المذبحة، مردّدين هتافات تطالب بتنحي المجلس العسكري ومحاكمة المسؤولين عن هذه الأحداث.
وأغلق المتظاهرون منذ صباح يوم أمس ميدان التحرير في وسط القاهرة أمام حركة مرور السيارات، وذلك استعداداً لتظاهرة دعا إليها شباب الثورة اليوم.
كذلك، نظم «ألتراس» (جماهير كرة القدم) النادي الأهلي تظاهرة انطلقت من أمام بوابة النادي إلى مقرّ وزارة الداخلية، حيث وقعت مساءً مواجهات عنيفة، استخدمت خلالها قوات الأمن قنابل الغاز لتفريق المتظاهرين الذين قدّر عددهم بالآلاف، ما أدى إلى إصابة أكثر من 300 شخص بحالات اختناق.
ودعت القوى والائتلافات الثورية جماهير الشعب المصري للمشاركة اليوم في تظاهرة تنطلق من أمام النادي الأهلي إلى مجلس الشعب، لمطالبته بتحمل مسؤولياته كافة أمام الملايين ممن انتخبوه. وحمّلت هذه القوى في بيان المجلس العسكري وحكومة كمال الجنزوري المسؤولية الكاملة عن هذه الأحداث، مشدّدة على أن «الاستقرار الحقيقي للبلاد لن يأتي سوى بعد رحيل المجلس العسكري وتسليم شؤون البلاد لسلطة مدنية منتخبة تتحمل مسؤوليات الوطن في هذه اللحظات الحرجة من تاريخه».
وكان مجلس الشعب عقد جلسة طارئة لمناقشة أحداث بورسعيد. واستبق رئيس مجلس الوزراء كمال الجنزوري مداخلات النواب بالإعلان عن قبول استقالة محافظ بور سعيد، وإقالة مدير الأمن ومدير المباحث في المحافظة.
وقال الجنزوري إنه يحاول جمع الكلمات التي لا يجد منها شيئاً ليقوله في هذه المحنة «فإذا قلت إنني حزين فهذا لا يكفي، وإذا قلت إنني مختنق فهذا لا يكفي». وأضاف «إذا كانت إحدى الفضائيات قد تساءلت بالأمس أين رئيس الوزراء؟ فإنا لم أخلع ملابسي منذ يوم أمسً».
وكانت الجلسة الطارئة لمجلس الشعب قد بدأت بكلمة ألقاها رئيس المجلس محمد سعد الكتاتني («الإخوان المسلمون») الذي طلب من الأعضاء الوقوف دقيقة حداداً على أرواح ضحايا مذبحة بور سعيد.
وفيما رأى معظم نواب مجلس الشعب في مداخلاتهم أن أحداث بور سعيد كانت مؤامرة مدبّرة – برغم تفاوت المواقف عمن يقف حولها – فإن آخرين اتخذوا مواقف أكثر حدّة تجاه المجلس العسكري وحكومة الجنزوري، مطالبين بتسليم السلطة فوراً لحكومة مدنية.
واقترح النائب زياد بهاء الدين تشكيل لجنة من مجلس الشعب تمثل فيها الأحزاب كافة لوضع تصور لاختيار حكومة إنقاذ وطني وآليات وجدول زمني للانتقال لسلطة مدنية منتخبة.
بدوره، اقترح النائب أبو العز الحريري («التحالف الشعبي الاشتراكي») أن يتم الاستماع إلى الوزراء كـ«متهمين». وعلّق على قول رئيس الوزراء بأنه لم يخلع ملابسه منذ أمس الأول بالقول إن «العشرات خلعت أرواحهم أمس».
وقال النائب الليبرالي عمرو حمزاوي «إننا في أزمة سياسية سببها فقدان شرعية من يدير شؤون البلاد منذ الحادي عشر من شباط الماضي». وأوضح أن «شرعية المجلس الأعلى للقوات المسلحة استندت إلى شرط قبول شعبي، ارتبط بعصمة دماء المصريين، ولم تعصم دماء المصريين منذ الحادي عشر من شباط»، معتبراً أنه «لا بد من نقل سريع للسلطة عبر انتخاب رئيس للجمهورية، من دون مزايدات، واتهامات بإهانة القوات المسلحة، لأن من يهان اليوم هو المواطن المصري».
من جهته، طالب النائب عن «حزب الوسط» عصام سلطان باستجواب المجلس العسكري. وقال: «نستطيع أن نقبل استقالة المحافظ، ولكن الذي سيعين المحافظ الجديد هو من عين المحافظ القديم... ونستطيع ان نطالب بإقالة وزير الداخلية لكن وزير الداخلية لا يستطيع أن يحرك ساكناً في وزارة الداخلية من دون أن يأخذ الإذن من عضو المجلس العسكري المختص بوزارة الداخلية».
بدوره، رفض النائب مصطفى النجار (من شباب الثورة) «المقايضة بين الطوارئ والأمن». وشدد النجار على أن «شرعية المجلس العسكري انتهت بعد كل هذه الأحداث والدماء التي سالت».
وفي ختام الجلسة، وافق مجلس الشعب على توجيه الاتهام بالتقصير لوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم يوسف.
وعقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة اجتماعاً طارئاً برئاسة المشير حسين طنطاوي للبحث في تداعيات أحداث بور سعيد.
وفي بيان نشره على إحدى صفحاته على موقع «فيسبوك» استنكر المجلس العسكري التهجم على المؤسسة العسكرية، معتبراً «ان خيال البعض المريض ذهب بأن هذا المخطط الفوضوي من سرقات وحوادث أمنية متعددة هو لإعادة قانون الطوارئ».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد