محنة المفتي أحمد حسون
الأزمة الفقهية والإنقسام الوطني الذي تسبب فيه السيد وزير الأوقاف، ممثلا بالمجلس الفقهي الأعلى، تجاوز شخص مفتي الجمهورية ليعيدنا إلى نقطة الصراع الإسلامية القديمة بين جماعة النقل وجماعة العقل منذ أيام الأمين والمأمون في العصر العباسي، ودلالاتها السياسية والإجتماعية خطيرة، ذلك أن ولاية المفتي انتهت منذ الشهر الماضي ولم يكن هناك من داع لإطلاق النار على الرجل طالما يسمح قانون الأوقاف الجديد، الذي سبب أزمة في حينه، للسيد الوزير بتعيين مفتٍ عام جديد للجمهورية، لكن التغيير سيكون أمرا شاقا بعدما شكل الشيخ أحمد حسون علامة فارقة فيه، وكان أول مفت عربي يتسلم هذه المهمة منذ أيام العثماني، إذ المتعارف عليه أن يكون المفتي كرديا. لذلك كان لابد من تدمير الرجل وإزالة آثاره، حيث أنهى المجلس بيانه، الذي لم يذكر أسماء الموقعين عليه، بالقول: (ويذكِّرُ المجلس العلمي الفقهي بأن منهج التفسير بالأغراض الشخصية أدى إلى ظهور التطرف في تفسيره من جهة أخرى؛ لأن منهج المتطرفين والتكفيرين إنما يعتمد على تحريف تفسير آيات القرآن لتنسجم مع أهدافهم التكفيرية. لذلك وجب التنويه إلى مخاطر مثل هذه التفاسير المنحرفة ومآلاتها). وبالتالي فقد اتهموا الرجل بالإنحراف وماهوا بينه وبين التكفيريين الذين اغتالوا ابنه سارية بسبب مواقفه الوطنية!
فمنذ تأسيس المجلس العلمي الفقهي الأعلى عام 2018 بشعاراته البراقة لم يقدم للسوريين شيئا نافعا تجاه حرب السنوات العشر التي استخدمت فيها المعارضة سلاح الدين ضد الجيش والدولة والشعب؛ فلم يردوا على فتاوى داعش والنصرة، ولم يتعبوا أنفسهم بإعادة تأهيل التكفيريين الذين عادوا إلى حضن الوطن، ولم يؤرخوا لخروج الكثيرين من أئمة الوزارة ضد الدولة أو يعالجوا خطل فتاواهم بعدما تحولوا إلى قضاة شرعيين عند الإرهابيين.. ولو فتحنا على صفحة نشاطات المجلس سنرى أنها لم تتجاوز الإعلان عن بداية شهر شعبان، وبداية رمضان، وبداية شوال، والإعلان عن محاضرات السيد الوزير، وضوابط نشر المصاحف، والفوائد الطبية للصوم، وحكم إثبات الهلال، وتحريم تأجير الرحم وزواج التجربة. في الوقت الذي وعدنا فيه السيد الوزير يوم تأسيس المجلس ب: (تأسيس فقه الواقع الذي يجد الحلول المناسبة لمشكلات الناس على الصعد المختلفة وترسيخا لفقه المواطنة والحوار ونشره في المجتمع عبر الوسائل المتنوعة ليكون عامل قوة وليعزز الانتماء للوطن وقيمه التاريخية والحضارية، وبناء المستقبل الفكري للأمة والاستفادة من التراث الفقهي والمخزون العلمي لعلمائنا السابقين، وتقديم الإسهامات الجديدة التي تنهض بالواقع وتتجاوز أخطاء الماضي ومشكلاته). ولم نرَ فعلاً يؤكد قولاً !؟
أما قصة تأويل سورة التين والزيتون فسواء أصاب المفتي أم أخطأ فإنه في تأويله هذا لايضر أمة الإسلام بل قد يعزز تلاحم الهوية الوطنية مع الدينية من حيث أنها تعارض فكر الإخونج الذين يقولون برأي سيد قطب من أن "الوطن وثن". مع التنويه أن كل تفاسير السابقين منذ أيام التابعين إلى اليوم هي تفاسير نسبية تحتمل الصواب والخطأ. كما أنها تنقسم إلى مذاهب عدة تعتمد إما على منهج التفسير العقلي، أو التفسير الروحاني الباطني، أوالتفسير العلمي، أوالتفسير اللغوي، أوالتفسير النصي التقليدي الطاغي على غالبية المفسرين. كما أن كل أنواع التفاسير هذه بدورها محكومة برؤية المفسر نفسه، أي وجهة نظره المحددة بالحواجز الجغرافية واللغوية والزمنية والمصالح والهوى والمؤسسة السياسية التي تحكمه. وبالتالي من حق المفتي أحمد حسون أن يجتهد وأن يصيب أويخطئ، فهو بحسب منصبه يمثل رأس الإفتاء في سورية، وما إنشاء المجلس الفقهي الأعلى سوى محاولة للإلتفاف القانوني على دار الإفتاء والهيمنة عليها، وكل من سيأتي بعد المفتي حسون لايستطيع أن يكون أكثر من موظف تنفيذي لدى سيادة الوزير.
وأما الأزمة المستمرة التي سيشكلها بيان المجلس الفقهي فهي أنه سيعرقل أي محاولة أو مجرد تفكير بتجديد الفقه السني بما يلائم الواقع، ويكرس استمرار قوانين الأحوال المدنية، ويعرقل الحداثة التي تكرس ثقافة المواطنة وحرية التعبير، ويكرر أخطاء الماضي، بعكس مابشرنا به السيد وزير الأوقاف.
لم يكن الأمر يحتاج بيانا متفجرا في نهاية خدمة الرجل، وكان يكفي لقاء المجلس مع المفتي ومحاورته واعتبار ماقاله مجرد كلام شفهي في مناسبة اجتماعية. كما كان يجب أن تؤخذ مواقفه وحضوره اليومي في المحافل الشعبية والدولية خلال سنوات الحرب بعين الإعتبار، حتى لاتشمت المعارضة بنا وتسخر من جزاء سنمار، كما تفعل بعد كل سوء يتعرض له الموالون على يد المسؤولين ..
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد