ليفني تتقدم ولا تخترق موجة اليمين...والعمل يسجل خسارته التاريخية
حسم الناخب الإسرائيلي يوم أمس خياراته ولو بعد تردد. وقرر أن الحافز لتصويته ليس ما يريد وإنما ما لا يريد. وقد ترجم هذا التصويت الانقسام الكبير بين الإسرائيليين حول ما لا يريدون. فالإسرائيليون بغالبيتهم الساحقة، بعد حربي لبنان وغزة، لا يريدون حكومة ضعيفة لا في مواجهة الداخل ولا في مواجهة الخارج، ولذلك صوتوا ضد كل من يعتقدون بضعفه. وإذا كانت استطلاعات الرأي العلمية تظهر أن الإسرائيليين بغالبيتهم الساحقة لا يؤمنون بالسلام مع العرب، فإن أصواتهم ذهبت نحو من لا يريد السلام. وقد خلت الحملة الانتخابية الإسرائيلية هذه المرة تقريبا من كلمة «السلام» ولم تتكرر لا كفكرة ولا كبرنامج، لا على ألسنة المتنافسين، ولا في شعاراتهم. ورأى البعض، ممن يصوغ مواقفه وفق استطلاعات الرأي، أن كلمة السلام باتت كلمة نافرة تؤذي سمع الناخب الإسرائيلي. وإذا كان أكثر من ثلثي الإسرائيليين يفكرون بطرد الفلسطينيين الباقين على أرضهم في داخل الدولة العبرية فإن أصواتهم ذهبت نحو من لا يريد العرب ويعزز الكراهية لهم.
ولعل ما كسبه اليمين عموما و«الليكود» و«إسرائيل بيتنا» خصوصا من أصوات كان تعبيرا عن رفض الشارع الإسرائيلي لمنطق كديما وحزب العمل. ورغم يأس الجمهور الإسرائيلي من كديما وحزب العمل إلا أن من صوت لهما، وخصوصا لكديما، أعلن رفضه لنتنياهو وليبرمان.
لقد قال الناخب الإسرائيلي كلمته ومنح اليمين الإسرائيلي القوة التي كان يطمح لها والتي تحرره نظريا من كل القيود. ومع ذلك فإن الجميع لاحظ أن القوة الممنوحة بأيدي اليمين لا تسمح له عمليا بتنفيذ مراده. فاليمين منقسم على نفسه كثيرا في كل ما يتعلق بقضايا الداخل الإسرائيلي بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة المدنية ودعاة دولة الأمر الواقع. والأغرب أن ترسيم حدود اليمين في الحلبة السياسية الإسرائيلية يضعف إسرائيل في الحلبتين الإقليمية والدولية، ما يزيد الوضع تعقيدا.
وفي كل الأحوال فإن الانتخابات الإسرائيلية هذه المرة خلت تقريبا من أي برامج وطغت عليها الرسائل السطحية للأحزاب. ومن الجائز أن حزب ليبرمان، الذي شكل عنوان هذه الانتخابات ومفتاحها، هو التأكيد الأبرز لغياب الأجندات سوى أجندة الكراهية للعرب. فناخبو ليبرمان لا يعرفون عن برنامجه شيئا سوى أنه هراوة ضد العرب. والسؤال الأكثر إثارة في إسرائيل اليوم هو هل الميل الراهن في إسرائيل مرحلي وموقت أم بنيوي مجتمعي؟ كثيرون يرون أن الانتخابات الحالية هي التعبير الأبرز عن يأس الإسرائيلي وإحباطه. فمشاكل إسرائيل كثيرة وليست هناك قناعة لدى أحد بأن أيا من الأحزاب والمرشحين يملك الحل لهذه المشاكل، والأهم أنه لا يملك القدرة حتى على استقرار الحكم.
انتهت الانتخابات الإسرائيلية ليلة أمس وكثر المتسابقون على إعلان فوزهم. فحزب كديما أعلن أنه الفائز لأنه سبق الليكود بمقعدين والليكود أعلن أنه الفائز لأن معسكر اليمين حسم المعركة الانتخابية لمصلحته. كما أن حزب إسرائيل بيتنا يرى نفسه فائزا لأنه بات الحزب الثالث الأكبر في إسرائيل ولم يتردد زعيم حزب العمل في إعلان أن رأسه مرفوع هو الآخر لأنه بقي واقفا في الحلبة السياسية. وكذا الحال تقريبا مع كل الأحزاب الإسرائيلية التي اجتازت نسبة الحسم وظلت رقما «صعبا» في الكنيست الإسرائيلي.
ومع ذلك فإن الفوز والخسارة ليسا موقفا ذاتيا وإنما هما حساب موضوعي. وفي الحساب الموضوعي فارق كبير بين الفوز الحزبي وتعبيرات ذلك الائتلافية. فغاية الأحزاب، وخصوصا في إسرائيل، ليست البقاء في صفوف المعارضة وإنما الاقتراب من دائرة الفعل والقرار. والمعطيات تبين أن معسكر اليمين المكون من الليكود، إسرائيل بيتنا، شاس، يهدوت هتوراه، البيت اليهودي، يمتلك أكثر من نصف مقاعد الكنيست. وبكلمات أخرى ليس بوسع أحد تشكيل حكومة في إسرائيل من دون رضا معسكر اليمين أو أغلبية مكوناته. أي أن اليمين يملك ليس فقط القدرة على تشكيل حكومة، وإنما كذلك منع الآخرين من تشكيلها.
هذا هو مبتدأ الانتخابات الإسرائيلية وكل ما يلي ذلك مجرد خبرها. والسؤال الأهم هو هل اليمين الإسرائيلي الذي رفض، وهو أضعف، تسهيل مهمة تسيبي ليفني لتشكيل الحكومة وقاد الوضع نحو تقديم موعد الانتخابات سيغير رأيه اليوم وهو في وضع أقوى؟ إن الجواب الأولي يثير خلافات قانونية حول صلاحية الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في تكليف ليفني بتشكيل الحكومة إذا كان هناك معسكر يضم أكثر من نصف أعضاء الكنيست يرفض ذلك. البعض يقول إن بوسع بيريز، القادم من كديما، أن يفعل ذلك، لكنه يثير خلافات شديدة حول منصبه وفعله والنتيجة ستكون الفشل.
وفيما لم تصدر أي معطيات رسمية نهائية حول نتائج الانتخابات، فإنّ العينات التلفزيونية أظهرت فوز كديما بـ30 مقعدا، في مقابل 28 مقعداً لليكود، 14 مقعداً لـ«اسرائيل بيتنا»، الذي تقدم على حزب العمل في ترتيب الأحزاب الإسرائيلية بحصول الأخير على 13 مقعداً، في أدنى نتيجة يحققها في تاريخه. أما حزب شاس المتشدد لليهود الشرقيين فحصل على عشرة مقاعد، فيما تقلص الفارق بين الليكود وكديما مع استمرار فرز الاصوات.
ومع ذلك من الجلي أن الصراع سيدور الآن على عدد من سيوصون بتكليف ليفني وعدد من سيوصون بتكليف نتنياهو. ومن الأرقام المنشورة حتى الآن فإن الأصوات شبه المؤكد أن توصي على نتنياهو تبلغ 49 نائبا هم (الليكود، شاس، يهدوت هتوراة، الاتحاد القومي، البيت اليهودي). ولم يتم حساب إسرائيل بيتنا الذي يحاول زعيمه حتى اللحظة الأخيرة إبقاء نفسه بعيدا عن جيب نتنياهو. كما أن الأصوات التي يمكن أن توصي بليفني تبلغ 46 نائبا (كديما، العمل وميرتس) ولم يتم حساب الأحزاب العربية التي أعلنت أنها لن توصي بليفني لأنها تتجاهلها في مشاوراتها.
ومع ذلك فإن الخيار الثاني، وهو تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة وفق توصية معسكر اليمين، قد يكون بالغ التكلفة بالنسبة لإسرائيل. فحكومة تتشكل من معسكر اليمين هي حكومة لا تتسم بأي مرونة ومتهمة بالتطرف وقد تصطدم مباشرة مع الأسرة الدولية والولايات المتحدة. كما أن الفعاليات الهامة في إسرائيل، الاقتصادية والعسكرية، سوف تستشعر الخطر من هكذا حكومة في ظل تزايد التحديات الأمنية وتعمق الأزمة الاقتصادية.
وهكذا، فإن الانتخابات الإسرائيلية تفرض نوعا من الجمود الذي يفرض على كثير من القوى إبداء تنازلات واللقاء في منتصف الطريق. ويبدو أن بين أوسع الاقتراحات تأييدا في الأوساط النافذة تشكيل حكومة وحدة وطنية من كديما والليكود والعمل. ولا تعارض حركة كديما أن تكون رئاسة الحكومة هذه بالتناوب وعلى أساس مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية القريبة ومنع الابتزاز من جانب الأحزاب الصغيرة. ومن الوجهة النظرية فإن هذا الحل معقول، لكنه من الوجهة
العملية لا يساعد الليكود في الانتخابات المقبلة. ويمكن لهذا الحل أن يكون مقبولا على الليكود إذا ضم للحكومة حزبا يمينيا آخر, شاس أو إسرائيل بيتنا. فالليكود لا يريد أن يظهر كأنه يخون إرادة الناخب الذي قال نعم لمعسكر اليمين ولا لمعسكري الوسط واليسار.
ومع ذلك فإن أسبوعا كاملا سيمضي قبل أن تتضح معالم الصورة النهائية. إذ لن يبدأ الرئيس الإسرائيلي مشاوراته لتكليف أي من نتنياهو أو ليفني بتشكيل حكومة قبل إعلان النتائج رسميا. وقد تستغرق المشاورات أسبوعا آخر قبل تكليف أيهما. وخلال هذه الفترة ستتسابق قوى محلية ودولية للتأثير في تشكيلة الحكومة المقبلة التي يبدو أن مفتاحها الرسمي موجود بيد شمعون بيريز، ومفتاحها العملي قد يكون بيد إسرائيل بيتنا وأفيغدور ليبرمان. لكن أيا كانت الحكومة المقبلة فإنها من دون ريب أكثر يمينية وأشد تطرفا من الحكومات التي سبقتها, وهذا ما قرره الناخب الإسرائيلي.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد