لقاءات واشنطن لبحث التسوية الفلسطينية: مباحثات «جس نبض» برعاية أميركية

23-07-2013

لقاءات واشنطن لبحث التسوية الفلسطينية: مباحثات «جس نبض» برعاية أميركية

حرك إعلان وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن اتفاق العودة إلى المفاوضات في واشنطن بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الكثير من المياه الراكدة. فقد هرع كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس للتأكيد بأن أي اتفاق لاحق سيتم التوصل إليه سيعرض على استفتاء شعبي. ولا ريب في أن الحديث عن الاستفتاء الشعبي ليس سوى محاولة لتلطيف حدة معاداة قطاعات واسعة في الوسطين الإسرائيلي والفلسطيني لفكرة العودة إلى المفاوضات. وبديهي أن العودة إلى المفاوضات لا تعني البتة ضمان التوصل إلى اتفاق للحل النهائي.
والواقع أن نجاح كيري في نيل موافقة الطرفين على العودة إلى المفاوضات شكل مفاجأة للكثير من المراقبين بسبب الاشتراطات الكثيرة التي وضعها الطرفان، وأيضاً بسبب الواقع الائتلافي في إسرائيل، الذي يحول دون أي احتمال للتوصل إلى اتفاق. ويشرح خبراء سياسيون أن أحد أبرز أسباب نجاح كيري يعود إلى القرار الأوروبي بخصوص المستوطنات الذي بث الذعر في نفوس قادة إسرائيل، وشجع الرئيس الفلسطيني على النزول عن بعض اشتراطاته السابقة. فلسطينيون يتناولون طعام الإفطار في باحات المسجد الأقصى في القدس المحتلة أمس (رويترز)
ونقلت صحف إسرائيلية عن كيري في اتصالاته مع نتنياهو قوله إن الخطوة الأوروبية هي واحدة من خطوات سوف تتم إذا لم تستأنف المفاوضات. وأشارت كذلك إلى أن سيف التهديدات الأميركية بقطع المعونة عن السلطة الفلسطينية ظل يحوم فوق الاتصالات بينهما. وإلى جانب كل ذلك اختفت من إعلان العودة إلى المفاوضات أي إشارة إلى حدود العام 1967، التي كانت تعتبر من أبرز نقاط الخلاف.
ومن السابق لأوانه الحديث عن وجود خطة أميركية كالتي نشرت في بعض الصحف العربية، والتي تحدد أفق التحرك الراهن وجداوله الزمنية. بل يمكن القول إنه يصعب تخيل وجود خطة كهذه في الوقت الراهن أو أنها عرضت على الطرفين لسبب بسيط، وهو أن كيري كان يريد هذا النجاح ولم يكن ليبدده بالدخول في تفاصيل تثير الخلاف. والواضح أن كيري عمد إلى تدوير الزوايا من جهة، وإلى إشاعة الغموض البناء من ناحية ثانية، وإلى تكرار تكتيكات المضي بتقديم الوعود المتضاربة للطرفين. ومع ذلك من الواضح من طريقة تعامل الإدارة الأميركية والطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أن لا أحد يعتبر ما جرى اختراقاً كبيراً يستحق الاحتفال.
الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يسارع للاحتفال بالإنجاز، ما جعل بعض المعلقين يعتبرونه أقرب إلى «التشاؤم الحذر» منه إلى التفاؤل الحذر. ومن يسمع تصريحات وتسريبات المقربين من رئيس الحكومة الإسرائيلية لا يرى أن إسرائيل منطلقة إلى واقع جديد. كما أن التصريحات الفلسطينية، وآخرها تصريحات عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الدكتور نبيل شعث، لا تشير إلى اعتقاد السلطة أن المفاوضات، إذا ما بدأت، سوف تكون أكثر جدية من الماضي. وليس مستبعداً ولكن باحتمال ضئيل جداً أن تكون كل هذه المواقف مجرد تظاهر، وأن التوافقات أكثر اتساعاً.
وبين هذا وذاك اعتقاد جازم لدى الكثيرين بأن الاتفاق على الذهاب إلى واشنطن يقع في باب منع واشنطن من اتهام هذا الطرف من المسؤولية عن إفشال مساعي كيري. فإسرائيل، التي لم يبق لها حليف غير الولايات المتحدة ليست في وارد توتير العلاقة معها في هذا الوقت بالذات. كما أن السلطة الفلسطينية التي ترى أن الواقع العربي عاجز عن ممارسة أي ضغط دولي لصالحها لا تجد مناسباً أيضاً توتير العلاقة مع الإدارة الأميركية أو خسارة دعمها.
وفي ظل ظروف غير مناسبة لكل هذه الأطراف، اندفع الجميع للقبول باستئناف محاولات جس النبض والمداورة. فاللقاء المقرر في واشنطن بين «كبيري» المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات والإسرائيليين تسيبي ليفني، ليس لقاء لإطلاق المفاوضات بقدر ما هو لقاء إجرائي. وهناك تأكيدات بأن ما سيبحث بينهما ليس القضايا الجوهرية مثل الحدود واللاجئين والقدس وإنما جدول الأعمال.
وصرح البيت الأبيض أمس أنه يعمل على تحديد موعد في الأسابيع المقبلة لعقد اللقاء الإسرائيلي الفلسطيني في واشنطن. إلا أن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني قال إن التوصل الى اتفاق سلام ما زال «تحديا هائلا».
ولكن مراسلة «يديعوت» في واشنطن أورلي أزولاي ذكرت أن المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية ستبدأ في مطلع الأسبوع المقبل ولن تتأخر بعد الرابع من آب. والأميركيون ينوون إدارة المحادثات بعيداً عن وسائل الإعلام في مقر وزارة الخارجية بعد تعهد الطرفين بعدم التسريب. وأشارت إلى أن كيري سيفتتح اللقاء بتقديم مشروع لحل الأزمة يقوم على أساس حدود العام 1967 وتبادل أراض معقول. وسيطلب أن يناقش الطرفان مسألة الحدود قبل أي قضية أخرى على أن تقوم اللجان الفرعية لاحقاً بمناقشة هذه القضايا بالتفصيل.
وليس صدفة، والحال هذه، أن «معاريف» نشرت أمس عن تشاؤم وزارة الخارجية الإسرائيلية من نتائج المفاوضات، وأنها لن تحمل جديداً. ويعتقد الإسرائيليون بأن شيئاً يمكن أن يتغير إذا وافقت السلطة الفلسطينية على ما ظلت ترفضه طوال الوقت، وهو التوصل إلى اتفاق مرحلي وعدم السعي إلى حل دائم. وأشارت الصحيفة إلى أن مبادرات حسن النية من الطرفين تغطي فعلياً على عدم وجود اتفاق. وقالت إن إسرائيل وافقت على الإفراج عن معتقلين فلسطينيين «أياديهم ملطخة بالدماء»، في حين وافقت السلطة على تجميد تحركاتها في الأمم المتحدة.
ومن المهم ملاحظة أن الإدارة الأميركية، التي تدرك أن عقدة المفاوضات موجودة أساساً في الجانب الإسرائيلي تفكر في حلها عبر خلق الثقة مع حكومة اليمين. وبديهي أن الحديث عن تعيين السفير الأميركي السابق في تل أبيب، وقبلها رئيس مركز دراسات اللوبي الصهيوني في واشنطن، مارتين انديك مبعوثاً خاصاً للمفاوضات يوفر أرضية للحوار مع القوى اليمينية الإسرائيلية. ولكن يصعب تخيل استعادة هذه الثقة في ظل الحملات التي يشنها قادة اليمين على الإدارة الأميركية الحالية لأسباب مختلفة بينها الضغط من أجل الإفراج عن معتقلين فلسطينيين.
في هذه الأثناء لا تنظروا إلى من يذهبون إلى واشنطن ولا إلى من يطلقون التصريحات هنا وهناك، وإنما إلى ما يجري فعلاً على الأرض في الضفة الغربية والقدس الشرقية. فقد أظهر تقرير لحركة «السلام الآن» أنه منذ تشكيل حكومة نتنياهو الحالية، قبل أربعة أشهر، تقدمت مشاريع بناء أكثر من خمسة آلاف وحدة سكنية في المستوطنات، حيث أنه لم يسبق أن أصدرت تراخيص بناء في المستوطنات بهذا القدر القياسي في مثل هذه الفترة القصيرة.

حلمي موسى

المصدر : السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...