كشفُ السوابق العائلية الَمرَضية لعلاج ناجع
يبلغ من العمر 38 سنة. إنها المرة الأولى التي يزور فيها الطبيب. بعد الكشف وقياس ضغط الدم وإجراء فحوص أخرى متعلقة بمستوى السكر والكوليسترول في الدم، أسر له الطبيب بأن كل شيء على ما يرام، وأن عليه إعادة إجراء التحاليل كل ثلاث سنوات.
لم تمض سنة واحدة على الزيارة الأولى حتى عاد المريض الى طبيبه وهو يعاني من بعض العوارض الشائعة مثل الصداع والدوخة والرعاف والتعب والطنين في الأذنين. وعندما قاس له الطبيب ضغطه وجده مرتفعاًَ جداً. وبعد الأخذ والرد مع المريض تبين أن أحد الوالدين يشكو من ارتفاع الضغط منذ سنوات، وهو أمر لم ينوه عنه في زيارته الأولى لاعتقاده بأنه لا أهمية له، وهذا طبعاً تصرف خاطئ، ففي هذه الحال يوصي الطبيب بمراقبة الضغط عن كثب وفي شكل روتيني نظراً الى وجود سوابق إصابة بارتفاع الضغط في العائلة.
المعروف ان التشخيص الطبي يعتبر حجر الأساس الذي يعتمد عليه الطبيب في وضع الخطوط العريضة لمصلحة الحالة المرضية ومعدل الشفاء وكذلك الإنذار.
ويحتاج التشخيص الطبي الصحيح للمرض إلى إنجاز عدد من الخطوات المهمة من بينها جمع المعلومات المتعلقة بالحالات المرضية التي حصلت لدى أقارب المريض، خصوصاً أقارب الدرجة الأولى (أب، أم، أخ، أخت). إن رصد بعض الأمراض في العائلة يفيد في توجيه التشخيص، ومن هذه الأمراض:
> ارتفاع ضغط الدم. إن وجود تاريخ عائلي بالإصابة بارتفاع ضغط الدم الأساسي، أي المجهول السبب، يزيد من خطر التعرض له بين أفراد العائلة. وتكمن خطورة مرض ارتفاع الضغط في كونه داءاً صامتاً يلازم صاحبه فترة طويلة قبل أن يكتشف بالصدفة أو بعد إطاحته بأحد الأعضاء المهمة في الجسم مثل القلب والمخ والكلى.
إن أفراد العائلة يجب ان يعلموا بوجود المرض في العائلة لأن كل واحد منهم معرض لخطر الإصابة به نتيجة العوامل الوراثية، كما يجب على كل فرد في العائلة بلغ العشرين من العمر أن يقوم بمتابعة أرقام ضغط الدم من حين الى آخر للتأكد من أن مستواه ضمن الحدود الطبيعية المعترف عليها في الأوساط الطبية.
> الداء السكري. إن الذين لديهم أقارب يعانون من الداء السكري يتعرضون أكثر من غيرهم للإصابة به، ويزداد احتمال الإصابة كلما زاد عدد الأقارب المصابين، وفي حال التوائم المتماثلة تصل نسبة الإصابة إلى مئة في المئة.
إن وجود مرض السكري لدى أحد أعضاء العائلة يجب أن يدفع الآخرين إلى تحري مستوى السكر في الدم في استمرار، خصوصاً أن المرض يمكن أن يبقى فترة طويلة من دون عوارض تذكر، أو أن عوارضه تظهر في شكل بطيء بعد فترة طويلة قد تصل الى سنوات (اللهم ما عدا الداء السكري الأول المعتمد على الأنسولين الذي تكون فيه الفترة قصيرة) ومن هذه العوارض العطش والجوع وكثرة التبول والتعب والإرهاق وهبوط الوزن والدوخة واضطرابات أخرى. إن رصد الداء السكري باكراً من أجل علاجه والتحكم به أمر في غاية الأهمية لتفادي الكثير من مضاعفاته، ومن باب العلم فإن الأشخاص الأكثر عرضة للداء السكري يكونون مصابين به على أرض الواقع قبل سنوات من ظهور بوادر المرض السريرية.
> داء ألزهايمير. لقد أكدت دراسات عدة ارتفاع خطر التعرض لمرض الزهايمير في حال إصابة أحد الوالدين أو كلاهما به. إن مرض الزهايمير يضرب أولاً خزان الذاكرة القريبة، ومع تطور المرض تتدهور الذاكرة البعيدة، والمرض من أكثر أنواع الخرف الشيخي حدوثاً، وهناك عوامل وراثية وغير وراثية تتشارك في إشعال فتيل المرض الذي يبدأ خلسة وببطء في شكل يختلف من شخص إلى آخر. والنساء هم الضحية المفضلة لهذا المرض.
> داء الربو. إن الربو يتواجد في شكل أكبر بين أفراد العائلة الواحدة، فإذا كان أحد الوالدين مصاباً به فإن كل طفل يمكن أن يتعرض لخطر الإصابة بالربو بنـسبة 25 في الـمـئة، أما إذا كان الوالـدان يـعـانـيـان من الربو فإن النسبة المـذكورة تقـفز حتى 50 في المئة. وإذا كان أحد الإخوة يشكو من المرض فإن نسبة وقوعه تبلغ 30 في المئة. بعضهم يظن أن وجود الربو لدى أكثر من فرد من الأسرة ناتج من العدوى به، طبعاً هذا الكلام غير صحيح، فمرض الربو لا ينتقل من شخص إلى آخر بالعدوى، وسبب وجوده لدى أكثر من فرد من أفراد العائلة هو الوراثة.
> فرط كوليسترول الدم العائلي. إن الأشخاص الذين يعانون من فرط كوليسترول الدم العائلي سيمررونه إلى نصف أطفالهم تقريباً، وبناء عليه يوصي استاذ الأمراض الداخلية في جامعة يوتا الأميركية الدكتور بول هوبكنز، المصابين بهذا النوع من المرض بضرورة إخضاع أفراد العائلة للفحوص المخبرية للتأكد من عدم إصابتهم. وإذا عرفنا أن 10 إلى 20 في المئة من المصابين بفرط كوليسترول الدم العائلي فقط على بينة من أنهم يعانون منه، فإننا ندرك أهمية الكشف الطبي الدوري وإجراء الإختبارات المبكرة للسيطرة على الكوليسترول، قبل ان يسبب أذيات قد تنتهي غالباً بأزمات قلبية ودماغية مبكرة وربما بالوفاة قبل الأوان، وعلى هذا الصعيد تنصح جمعية طب القلب الأميركية البدء بإجراء مسح الكوليسترول عند الأطفال في عمر السنتين ثم 5 خمس سنوات، ثم 20 سنة وذلك في حال توافر قصة عائلية قوية بارتفاع الكوليسترول المفرط في الدم.
> التبول الليلي اللاإرادي. أكدت الدراسات أن 75 في المئة من الأطفال الذين يشكون من التبول اللاإرادي يوجد في أحد أفراد أسرتهم (الأب، الأم، الأخ، الأخت، الأقارب) من هو مصاب به، وهذا ما يدفع للشك بأن هناك أرضية وراثية تلعب دورها في زيادة خطر التعرض له. فإذا كان أحد الوالدين يعاني من التبول اللاإرادي فإن نسبة حدوثه في الأطفال تبلغ 40 في المئة، وقد تصل إلى 70 في المئة في حال وجود الخلل لدى الوالدين معاً.
المعروف أن التبول اللاإرادي يصيب حوالى 20 في المئة من الأطفال في سن السادسة، وحوالى 5 في المئة في سن العاشرة، وما يقارب 1 إلى 2 في المئة من الكبار. يجب عدم إهمال تدبير مشكلة التبول اللاإرادي بالتي هي احسن لأنه مع التقدم في السن تزداد الضغوط النفسية على المصاب لتزداد معها صعوبات الحل.
> الغلوكوما. إذا أصاب الغلوكوما أحد أفراد العائلة فإنه يتوجب على أفرادها قياس ضغط العين، وفي هذه الحال يوصى بقياس الضغط داخل العين اعتباراً من سن الأربعين، ولكن في حال وجود إصابات عائلية يجب قياس الضغط قبل هذا التاريخ. يجدر التذكير بأن مرض الغلوكوما يمكن أن يتلف العصب البصري الذي يتألف من أكثر من مليون ونصف المليون من الألياف العصبية التي تتولى عملية نقل كل ما تراه العين إلى المركز البصري في المخ. إن الغلوكوما مرض يصيب أصحابه خلسة من دون أن يدركوا، وليس له عوارض سوى فقدان البصر، وهنا تكمن خطورته، لذا يجب فحص النظر في انتظام.
> حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية. إن وجود سيرة عائلية بمرض حمى البحر الأبيض المتوسط، مع معاناة المريض من حمى متكررة وآلام معاودة في الصدر والبطن، يجب ان تدفع إلى الشك بالمرض، ويطاول هذا المرض عادة سكان حوض البحر المتوسط خصوصاً العرب واليهود الشرقيين والأرمن.
> سرطان الثدي. إن النساء اللاتي يملكن تاريخاً عائلياً بالإصابة بسرطان الثدي هن أكثر تعرضاً لخطر حدوثه لديهن، وكلما كانت درجة القرابة قوية زاد خطر حدوثه، وقد يظهر الورم في هذه الحال في سن مبكرة، أي اعتباراً من العشرينات.
في المختصر، إن التنويه بالسوابق المرضية في العائلة مهم من أجل التوجه نحو التشخيص الصحيح، ومهم أيضاً لوضع الخطوط العلاجية الناجعة، وربما الوسائل الوقائية، لذا يجب على المرضى الإفصاح عنها للطبيب وعدم التعتيم عليها كما يفعل بعضهم لأن هذا لن يكون لمصلحتهم، كما على الطبيب التحري عن وجود إصابات أخرى بين أفراد الأسرة الواحدة.
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد