كاراج جبلة يتلوّن بعد الإرهاب: تبديد الذاكرة المؤلمة
يُلوّن عشرات الشبان مقاعد وأرصفة وجدراناً كانت قد اتشحت بالسواد منذ شهرين، يرسمون عليها بعضاً من حياة حاول الإرهاب نزعها من نفوسهم، عندما استهدف كاراج مدينتهم جبلة، فخلفّ مئات الشهداء والجرحى.
كاراج جبلة الذي تنطلق منه وسائل النقل إلى 165 قرية تقريباً، تحول إلى محطة مؤلمة في تاريخ المدينة الساحلية، حتى أن زائريه، وهم بالآلاف يومياً، باتوا كلما مروا به، يمررون معهم صور شهدائهم في شريط الذاكرة الذي لا يمحى.
إلا أن الذاكرة المتألمة تجاه ما حدث في المدينة لم تمنع بعضاً من الشبان والشابات من أن يعملوا على محو ما استطاعوا من آثار التفجير وتلوين الكاراج بألوان الحياة، لإزالة السواد الذي اتشح به.
تحسين واقع الكاراج بصرياً كان عنوان مبادرة أهلية عمل عليها أكثر من 30 شخصاً من أبناء جبلة والمدن المجاورة وانضم إليها بعض السائقين والركاب، فخلطوا مع بعضهم البعض الطلاء وحملوا الفراشي وشرعوا في تغيير صورة التفجير علّهم يرسمون صورة أفضل لغدهم وغد أطفالهم.
خالدة جاءت من قرية بيت ياشوط للمشاركة، بينما حمل الفنان علي حنوف ألوانه معه من الصباح إلى الكاراج الذي وضع الفنان محمد عثمان ابداعه على مقاعده. أما رشا حسن فقد وقفت تراقب المتطوعين بعينين دامعتين، على صوت جوليا وهي تغني «منرفض نحنا نموت قولولن رح نبقى».
وعندما غادر الناشط سامر الكاراج الخميس الماضي إلى قريته «بسنديانة»، لم يكن يتوقع ان يعود إليه صباح السبت ليجده بهذه الحلة الجديدة.
يقول سامر إن «التفجير طبع صورة نمطية في رأسي عن هذا المكان. كنت أظن أنه من الصعب أن تتغير، لكن على ما يبدو أن بعض اللمسات يمكن أن تضخ فينا روحاً جديدة لحياة مختلفة».
رسومات متنوعة زينت مقاعد الكاراج المئة والخمسين، التي رسم على بعضها لعبة الضامة (لعبة شعبية يلعبها السائقون) إتاحة ً لفرصة التسلية للسائقين والركاب خلال أوقات انتظارهم الطويلة، فيما رسم على بعضها الآخر مفاتيح موسيقية يمكنها أن تعزف بصمت أحلام الجبلاويين المنتصرين للحياة.
وواظب محمد وندى ومعهما راما، على المشاركة في المبادرة على مدى ثلاثة أيام. هم كما معظم المشاركين لا يحترفون الطلاء ولا حتى الرسم، بل فقط الرغبة بفعل شيء للمدينة التي يعيشون فيها.
وتعد هذه المبادرة على بساطتها حاجة ملحة للمدينة التي تستوعب قرابة 300 ألف وافد إلى جانب سكانها الذين لا يزيد عددهم كثيراً عن عدد الوافدين، حيث أن الكاراج يعد شريان حياة بالنسبة لجبلة، وقد خلفت التفجيرات آثاراً نفسية لدى البعض ممن باتوا يشعرون بالرهاب كلما مروا بقربه أو دخلوه لحاجة ما.
وأكد المتطوع أيمن أسعد أن الناس حينما سيشعرون بالتغيير «سيتغيرون لا محالة».
وتقول سلام قاسم وهي فنانة في العشرين من عمرها أن «الفن يمكنه تحويل الطاقة السلبية إلى ايجابية، وكان ذلك واضحا في عيون الناس عندما رأوا الكاراج بحلته الجديدة»، مؤكدة أنه «لا يمكننا منع الموت، ولكن بمقدورنا أن نخفف من الحزن الذي يخلفه».
المتطوع جورج يوضح أن «دائرة العلاقات المسكونية والتنمية قدمت لنا المواد اللوجستية اللازمة لتغيير صورة هذا المكان الذي أضحى ذاكرة سوداء»، مشدداً على أن الهدف كان «تلوين الذاكرة بألوان أخرى غير السواد، ألوان تشبه زائريه، وتشبه جبلة بريفها وسهلها وبحرها».
يذكر ان كاراج جبلة كان قد استهدف بتفجير ارهابي راح ضحيته 120 شهيدا وحوالي 350 جريحاً صباح 23 أيار 2016. وقد تبنى تنظيم «داعش» التفجير الذي استهدف أكثر منطقة مزدحمة في المدينة ما خلف كارثة كبرى، وملف التفجير لم يغلق بعد حيث لا تزال نتائج تحاليل الحمض النووي «دي ان إيه» تصدر تباعاً للضحايا الذين لم يتم التعرف على جثامينهم نظراً لشدة الانفجار.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد