قانون الأحوال الشخصيّة «الجديد»: أهلاً بن لادن!
«وينن.. وين وجوهن»!
لا نعرف أسمائهم. قيل أنّهم شكّلوا كلجنة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء السوري رقم 2437. الأسماء ليست مهمّة. لكن ماذا عن الوجوه؟ ليست مهمّة أيضاً. غير أن «عنوان المكتوب» يشي بأنّ جلّهم من الملتحين. اللحيّة شأن شخصيّ، غير أن انعكاس ظلّها على شأن عام، حسّاس، خطير، وإشكالي، يجعل من أمر وجودها في الزمان الخطأ (مطلع الألفيّة الثالثة) والمكان الخطأ (تشريع قانون الأحوال الشخصيّة السوري) أمراً يصعب تقبّله.
لا وجوه لهم، ولا أسماء. مضطرون نحن، إذاً، إلى التعامل مع وجودهم الشبحي، هذا باعتبارهم لحىً مطلقة. يمكن المغامرة بالقول إن ظلال اللحى متشابهة، لكنّها ظلال تسنّ وتشرّع القوانين لجماعة بشريّة مفرطة في التنوّع. هو شكل آخر للتسلّط؟ ربما. بل مؤكد.
«وين صواتن»!
لم نرهم. لكنّنا رأينا أصواتهم بأعيننا. الأصح أنّنا قرأنا أصواتهم، من خلال 665 مادة، شكّلت القانون السوري «الجديد» للأحوال الشخصيّة. أصواتهم قادمة من عمق التاريخ، من القرنين السابع عشر أو الثامن عشر، وربما قبل ذلك بكثير. أصوات، أو صدى لأصوات أسلافهم، تؤكد وجودهم كأشباح أو كظلال لحى. لن نظلمهم جداً، فقد يشاركهم سعادتهم في حال إقرار القانون، من قد يكون ممثّلاً «شرعياً» لهم. إنّه ساكن الكهوف والمغاور الذي يقسّم العالم اليوم إلى فسطاطين، ومن يشنّ حرباً كونيّة باسم الدّين. إنّه باختصار من ليس له «آخر».
«.. في وادي بيني وبينن»!
معظم مواد القانون الجديد تحيل مشروع الدّولة الحديثة في سوريّة إلى الذاكرة. الدّولة التي لا تزال تحبو، والتي لا يزال ينقصها الكثير الكثير كي «تتمتع» بهذه الصفة. فالقانون يتحدّث عن طوائف (يوجد منها في سوريّة 20 طائفة بحسب قانون المندوب السامي الفرنسي في العام 1936)، ويتحدّث عن رجل وعن: موطوءة ونشاز ومنكوحة. إنّها عينّة من التسميات التي أطلقتها «الظلال» على المرأة ـ المواطنة السوريّة.
والقانون يتحدّث أيضاً عن: كتابي/ة وذمي/ة. هي أيضاً الصفات التي أطلقتها ذات «الظلال» على غير المسلمين. أمّا «ملحد» أو «لا أدري»، فهو بالطبع غير موجود في ظلال اللحى تلك، التي تفصّل الواقع على قياس «رؤيتها» و«فكرها». القانون يتحدّث عن سن زواج محدد بـ17عاماً للأنثى و18 عاماً للذكر، باستثناء «حال ادّعاء البلوغ، فيكون 15 عاماً للذكر و13 عاماً للأنثى: هل قلت اغتصاب قاصرات مشرّعن؟ هل قلت من له الحق، غيرك، في تحديد سنّ بلوغك؟
تصغي مواد القانون الجديد إلى نشيد الكمال الذي تهمس به «الظلال» لنفسها. فتضع غير المسلم/ة والمسلمة في درجة أدنى من ذاك الكمال. ففي الإرث: للذكر مثل حظ الأنثيين، وفي الشهادة: رجل وامرأتان أو مسلم وكتابيان. كمالها المفترض، يحجب عن «الظلال» استشعار الخطر الذي تمهّد له أصواتها: «بطلان زواج المسلمة بغير المسلم». باب مشرّع لإثارة الفتن الطائفيّة، مع الكثير من حوادث الخطيفة»، ومع كثير من الدماء أيضاً.
كمالها المفترض، يؤهلّها لتوليد نموذج ممسوخ لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإجازة الطلاق بحكم من القاضي، أي التفريق، هو «قانون حسبة». وهو سيعود على المفكر المصري نصر حامد أبو زيد بالكثير من «الزملاء والزميلات»!
المواطنة، المجتمع المدني، حقوق المرأة، الدولة الوطنيّة الحديثة، هذه المفاهيم، بل المشاريع المغدورة، نحرتها «الظلال»، لتعود إلى فردوسها المفقود، والذي بالمناسبة لم يكن يوماً موجوداً. فردوس لن يتحقق لها بحكم الطبيعة لا أكثر. الطبيعة التي ترفض اللون الواحد والنغمة الواحدة والزيّ الواحد، ولكنّ إقرار القانون «الجديد» سيدعم مشروع ظلال اللحى في العودة (أو الإبقاء؟!) على المجتمع السوري، كتجمّع طوائف تتحصّن بانعزالها، وتتمتّع بسرمديتها، وتلقي جانباً بكل «المختلفين» و«الصعالكة» و«المنبوذين».
«وينن»!
بتعارض مواد القانون «الجديد» مع الدستور السوري الذي ينصّ على: «المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات»، و«الدولة تكفل مبدأ تكافؤ الفرص»، و«العمل حقّ لكل مواطن»، و«على الدولة أن تكفل للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعّالة والكاملة في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة»..
وبتعارضها مع الاتفاقيات التي وقعّتها سوريّة، والملزمة تالياً بتطبيقها، مثل: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اتفاقّيّة إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة «السيداو»، اتفاقّيّة حقوق الطفل، وإعلان حقوق الطفل وغيرها..
مع ذلك التعارض يغدو طبيعياً أن نتساءل ليس فقط أين أصحاب ظلال اللحى من العصر، بل أيضاُ أين معرفتهم بدستور بلادهم واتفاقياتها الدوليّة. التساؤل يضمر جواباً: غياب المعرفة يحيل، ببساطة، إلى جهل وجهلة.
محمد دحنون
المصدر: السفير
التعليقات
خزيتمونا الله يخزيكم
وزيرين بحصان واحد
اعادة النظر ضرورية
اكيد لا
سن البلوغ
هزلت
آآآآآآه يا أوهامي .....
إضافة تعليق جديد