في تكريم الشاعر اللبناني غسان مطر
نبيل صالح: بمناسبة صدور ألأعمال الشعرية الكاملة للشاعر غسان مطر تم يوم الأحد الماضي تكريم الشاعر شعبيا في مكتبة الأسد الوطنية، وفيمايلي كلمتي:
كنَّا أمَّةً عظيمةً، عندما كان الشُّعراءُ والعلماءُ يتصدرون مجالس الخلفاء والأمراء، ثم بتنا أمماً متوحشة تنفي شعراءها ومفكريها وسائر جيادها التي ترفض وضع اللجام في أفواهها.
فمازالت "إسبارطة" تفترس أثنيا بدلاً من مواجهة مخالب "إسرائيل"، في أزمنة اختلطت علينا مفاهيمُها حتى لم تعُدْ سُلُطاتُنا تُمَيِّزُ بين الإرهابيِّ والعَلمانيِّ، حيثُ قادةُ "إسبارطة" مشغولون بقراءة التقارير حول أخطار مثقفي "أثنيا" الافتراضيَّة بينما صواريخُ العدوِّ تُلْهِبُ أرضَنا، وتُشعِلُ حياتَنا وتُرَمِّدُ أحلامَنا.
أهلاً بكُمْ في أرضِ الموت، حيثُ كُتِبَ على الفَردِ الأحَدْ، أن يراقصَ موتَهُ طيلة الوقت، وكذا كانت حياةُ شاعِرِنا المُحتَفَى به بينَنا اليوم، فقد عانَقَ الموتَ عندما خَطَفَ زعيمَهُ "أنطون سعادة"، ثم أفقدَهُ ابنتَهُ، وغيَّبَ زوجَهُ، وبما أنَّ الحكمَةَ تقولُ: "إذا هِبْتَ أمراً، فَقَعْ فيه"، فقد أتقَنَ شاعرُنا التَّحديقَ في عينِ الموتِ، وقراءة أسرارهِ، حتَّى باتت الحكمةُ تُغَلِّفُ قصائدَهُ الغاضِبَةَ من كُلِّ ضَعْفٍ أو تهاوُنٍ في سياساتنا وقراراتنا ليزيدَ من سَطوَةِ "إسرائيل" مصدرِ كُلِّ الشُّرُورِ التي تصيب العالم ..
من هنا، من باب العداوة لإسرائيل، يمكننا أن نفهمَ شخصيَّةَ الأستاذ غَسَّان مطر الشِّعريَّة التي تشكَّلَتْ ونضجَتْ خلال نصفِ قرنٍ ونيفٍ من الكتابة، وهي استمرارٌ لفلسفة الحياة التي انتهجَها أجدادُنا السُّوريُّون، من خلال مناهضتِهِم نهجَ "إسرائيل" العدوانيَّ عبر تاريخ صراعنا الطويل.
إنَّ أغلبَ مُتابِعِي وعُشَّاقِ شعر الأستاذ غسَّان مطر اليوم، قد بدؤوا بمعرفته عبر تداوُلِ تسجيلاتِ قصائدِهِ الهِجائيَّةِ الغاضبةِ، وحِفظِها، كونُ كلماتِهَا غنائيَّةٌ بسيطةٌ، وواضحةٌ تذهبُ مباشرة نحو معناها دونما صناعة أو مخاتلة لغويَّة، كما لم يتغيَّرْ أسلُوبُهُ كثيراً خلال رحلته الشِّعريَّة الطَّويلة، فشعرُهُ يشبهُهُ في صدقه، بلا ألاعيب أو بهلوانيَّاتٍ شعريَّة، حيثُ الحكيمُ يدرُسُ بنية أذُنِ السَّامِعِ قبلما يصبُّ كلمتَهُ فيها، هاتِهِ الكلمةُ التي تشكلُ شخصيَّةَ الفرد الحُرِّ، وتُمايِزُ بين الأمم، حتى أنَّ الرب ماهى في كتبه المقدَّسةِ بينه وبين الكلمة باعتباره عقلاً كُلِّياً ينيرُعقولَ خلقِه.
نبارِكُ للسُّوريِّينَ هذه الإضافةَ الإنسانيَّةَ إلى مخزُونِهم المعرفيِّ بطباعة الأعمال الشِّعريَّة الكاملة للشاعر غسَّان مطر، كما نباركُ لدار "دلمون" غرسَتَها الثَّانيةَ في حديقة الشِّعر بعدَ غرسة صديقنا الشَّاعر "فايز خضُّور"، التي احتفينا بها العامَ الماضي، ونؤكِّدُ على استمرارِ سُقياها بقراءتنا النَّقديَّة المتجدِّدة لقصائد غسَّان مطر الإبداعيَّة بأمَلِ أن نَصِلَ إلى عمقها الإنساني.
أخيراً...
استوقفني أحدُ مقاطِعِ شاعرنا الكبير حيث يقولُ (جنوني بلادي)، إذ أنَّني أعملُ الآن على كتابي: "تاريخُ الجنون السُّوريِّ " وأتقاطع معه ككاتِبٍ وبرلمانيٍّ وأتفهَّمُ توقُّفَهُ عن النَّشر خلال سنواتِ عملِهِ البرلمانيِّ، إذ لا يمكنُكَ أن تكتبَ الشِّعرَ بينما تراقصُ الذِّئابَ في أروقة البرلمان، خصوصاً وأنَّكَ القائلُ (علِّمَنِي زمني أنَّ الذِّئبَ هو الإنسان)
وأختم بجميل مطلع يعلق بروحي من إحدى قصائده في الشَّام إذ ينتسبُ فيقُول:
أومَأْتَ... هل غُصْنُ شمسٍ، أمْ أضَأْتَ يدا
أم وجهُ ربٍّ على قوس الغمَامِ بدا...
قلتَ: انتسِبْ... قلتُ: من أرزٍ ومن كِبَرٍ دمي،
وأمِّي حنانُ الماء في بردى..."
والسَّلام
دمشق الشَّام 21 تمُّوز 2019
................. نبيل صالح
"كاتب – عضو مجلس الشعب السوري"
إضافة تعليق جديد