فوائدُ طفي الكهرباء (2)
عددنا لكم في مقرأ سابق خمس فوائد رئيسة، لعملية طفي الكهرباء، بعد أن جعلنا لها اسماً عربياً يليق بمقامها هو (بَيْنُ الكهرباء)، فهي تبينُ مثلما بانت (سعادُ) حبيبةُ الشاعر حسان بن ثابت، فتجعل قلوبَ المواطنين متبولة، متيمة، لم تفدَ، مكبولة.
وإليكم بعض الفوائد الأخرى للبين، متابعين الترقيم الذي بدأناه سابقاً:
سادساً- البَيْنُ توفير:
إن الأخوة المواطنين العائفين ردَّ السلام الذين ينتمون إلى شريحة أصحاب الدخل المحدود يمرون بلحظات عصيبة للغاية في الأيام الثلاثة الأولى من كل شهر، فبمجرد ما يستلم واحدُهم الراتب الذي يبلغ عرضُ وجهه عرضَ إصبعين متجاورين فقط، يبدأ بالتفكير في السؤال الخطير التالي:
- كيف سأكمل وأسرتي الشهرَ إلى آخره بعد أن أوزع هذا الراتب الدرويش بين أصحاب الديون المستعجلة، وأقساط البنوك، والفوائد المترتبة على التأخر في دفعها، والفواتير قاصمة الظهر، والضرائب التي تزداد يوماً بعد يوم؟
وبعد طول تفكير، وبعد أن يصبح جبين الرجل ساخناً إلى درجة أنك تستطيع أن تشعل منه سيجارة حمراء طويلة! يتوكل على الله ويذهب إلى السوق ويشتري بعض المواد التموينية التي تنتمي إلى صنف (قوت اللا يموت)، ويضعها في القسم الأعلى من الثلاجة الذي يقال له (الفريزر) بقصد أن يستهلكها بعد نفاد الراتب!
هنا تأتي عملية (بَيْنِ الكهرباء) فتخربطُ هذا العمل كله، فالأطعمة التي يخزنها صاحبنا في (الفريزر)، تحسباً من الجوع في آخر الشهر تَفْسُد، واعتباراً من الشهر التالي يُقلعُ ذو الدخل المحدود عن الشراء بقصد التمون والتخزين، وبذلك يوفر على نفسه بعض المال، واعتباراً من ذلك التاريخ يصبح راتبه يكفيه إلى اليوم السادس من الشهر، بعد أن كان يكفيه حتى اليوم الثالث منه فقط!
سابعاً- البَيْنُ من الإيمان:
ومن الفوائد غير المعلنة، وغير المتداولة لعملية (بَيْنِ الكهرباء) أن القسم الأعلى من الثلاجة (الفريزر)، في أيام التدفق الدائم للتيار الكهربائي، تبني في أطرافه طبقة كتيمة من الثلج، وفي أوقات (البَيْنِ) تذوب هذه الطبقة، ويسيل الماء من أطراف الثلاجة، على الأرض، مروراً بالسجادة أو الموكيت الذي تفرشه سيدة المنزل على الأرض في أيام الشتاء، وبمجرد ما تدخل السيدة إلى المطبخ وترى هذه (اللوصة)، تبدأ بتعزيل المطبخ وتنظيفه تنظيفاً شاملاً، وبهذا تتحقق النظافة في البيوت، والنظافة- كما تعلمون- من الإيمان.
ثامناً- البَيْنُ موقف
من يوم أن فتحنا أعيننا على الحياة ونحن نعرف أن المصدر الوحيد للتدفئة هو النار، وأن أفضل نوع من المدافىء هي تلك التي تعمل على المازوت، فهو متوفر ورخيص ويمكن تخزين مؤونة الشتاء منه في براميل أو خزانات معدنية..
وأنتم تعلمون أن معظم الكتاب الإنشائيين الذين خصصت لهم زوايا ثابتة في الصحف المحلية يتحدثون في مقالاتهم الشتوية عن النار ويصفونها بأنها (فاكهة الشتاء)، فيقول الكاتب منهم، مثلاً: بينما أنا جالس في غرفتي أنعم بالدفء، حيث ألسنة اللهب تتصاعد من مدفأة المازوت، فتضفي على الجو محبة وإلفة، وإذ.. وبعد الـ (وإذ) يبدأ بسرد ما جرى معه في ذلك النهار.. ولم يصادف قط أن تحدث كاتب إنشائي واحد عن الكهرباء بوصفها فاكهة الشتاء، وأن الناس لولاها لطقوا سناً بسن من شدة البرد!
المهم، وبمجرد ما ارتفع سعر المازوت (الحُر) إلى (25) ليرة سورية للتر الواحد، هرع الناس إلى شراء المدافىء الكهربائية، وتركيب المكيفات التي تعطي هواء ساخناً في الشتاء، وبذلك انقلبت الآية وصار سعر المازوت (واوا) بعدما كان سعر الكهرباء (واوا)،.. أضف إلى ذلك أن سعر المازوت ارتفع في أول الصيف، ومعظم أصحاب الدخل المحدود باعوا (بوناتهم) وصرفوا ثمنها في الصيف، وحينما حل الشتاء وجدوا أنفسهم عاجزين عن شراء المازوت بالسعر الحر، ولكيلا ينقرضوا من شدة البرد فقد لجؤوا إلى التدفئة على الكهرباء.
هنا يبدو لي (بَيْنُ الكهرباء) وكأنه موقف تاريخي، المقصود منه إعادة الناس إلى ذاكرتهم وفولكلورهم، وإرغامهم على التدفئة بالنار التي تنتج عن احتراق المازوت، فاكهة الشتاء!
خطيب بدلة
المصدر: النور
إضافة تعليق جديد