فزاعة الأكثرية اللبنانية
كل المعطيات تدل على أن لبنان مقبل على جولة جديدة من المواجهات السياسية التي تستعدّ لها القوى المتنازعة، كل على طريقتها، ويترافق كل ذلك مع مخاوف من دخول لبنان في فتن تعدّ في بعض المطابخ الدولية «المتخصصة» في شؤون المنطقة. ويقول مرجع سابق إن الولايات المتحدة التي تدير حالياً فتناً مذهبية وطائفية في العراق وفلسطين، لن تمتنع عن تكرار الأمر في لبنان إذا خدم ذلك مصالحها، وما يعزز المخاوف هو التشنج الداخلي السائد.
لكن المعارضة اللبنانيية تتجاوز الفتنة والكلام عنها وتنطلق من الموقف الاخير للنائب ميشال عون في اعتباره برنامجاً يقيم «الدولة المدنية العصرية القوية القادرة والعادلة» الى معركتها الهادفة الى إسقاط الحكومة وإحلال «سلطة جديدة متوازنة». وترى المعارضة في هجوم الاكثرية السريع على عون ما يشير الى أنها بدأت استخدام «الاحتياط الاستراتيجي» في اجتماع قوى 14 آذار في قريطم بعد ساعات على موقف عون.
وكان من تجليات هذا الاجتماع زيارة النائب وليد جنبلاط للبطريرك الماروني نصر الله صفير، وقرار بشن هجوم مركّز على عون، اعتقاداً من المجتمعين بأنهم إذا نالوا منه مقتلاً يكونون قد نالوا المنال نفسه من حليفه حزب الله. أما «سلاح المدفعية» فكان إعلان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن مؤتمر «باريس ــ 3» سينعقد منتصف كانون الأول، إلحاقاً بكلام السفير الاميركي جيفري فيلتمان عن أن المساعدات الاميركية والدولية للبنان مربوطة بهذه الحكومة.
وفي هذا السياق، يكشف قطب نيابي أن تحديد موعد «باريس ــ 3» جاء نتيجة ضغوط اميركية ــ فرنسية على البنك وصندوق النقد الدوليين لمنع انفراط عقد حكومة السنيورة، لأن هاتين المؤسستين الدوليتين غير مقتنعتين أصلاً بالمشاريع الاصلاحية التي قدمتها هذه الحكومة، بل إنهما لا تريان أن هناك برامج إصلاحية لديها. وهو ما يتصل أيضاً بما تعيشه الأكثرية على مستوى «الهواجس الخارجية»، ومنها:
أولاّ: الانتخابات النصفية الأميركية اذ تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال كبير بفوز الحزب الديموقراطي فيها، وهو ما قد يؤثر سلباً في موقع الإدارة الحالية الحليفة لفريق 14 آذار.
ثانياً: التقرير الجديد لرئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس في 15 كانون الاول المقبل، وليس معروفاً حتى الآن إذا كان سيأتي مثل سابقه أم سيحمل جديداً في اتجاه الاتهام لتسريع قيام المحكمة ذات الطابع الدولي لإجراء المحاكمة في هذه الجريمة.
ثالثاً: الانتخابات الفرنسية منتصف سنة 2007، حيث سيخرج الرئيس جاك شيراك من الرئاسة، وبذلك ستفقد قوى 14 آذار حليفاً كبيراً.
رابعاً: انتخابات رئاسة الجمهورية في نهاية ولاية الرئيس إميل لحود، إذ إن الاكثرية لم تتفق حتى الآن على مرشح واحد من صفها، ولذا فإنها تعيش سباقاً مع الوقت لتأكيد إمساكها بزمام الامور ومحاولة قضم ما أمكنها قبل وقوع «الأجَل المحتوم»، ولهذه الغاية استعجلت إقرار التشكيلات الدبلوماسية أخيراً وهي تستعجل اليوم إقرار التشكيلات القضائية محاولةً ملء الشواغر في الإدارات العامة قبل رحيلها، لأن التواريخ المقبلة، كلما اقتربت ضعف إمكان الصمود عند القلعة الاخيرة لهذه الأكثرية وهي الحكومة.
وفي ضوء هذا الواقع يرى فريق المعارضة أن قوى الأكثرية تلجأ الى رمي فزّاعات في وجه الآخرين، أولاً من خلال الحديث عن الفتنة الداخلية برغم أنها المسؤولة عن الامن منذ اكثر من سنة ونصف سنة، ولم تصل بعد الى كشف مرتكبي أي حادث أمني كبيراً كان أو صغيراً. ثم ربط النمو الاقتصادي ووصول المساعدات الدولية ببقاء الحكومة الحالية، لأن أي حكومة جديدة ستتعرض لما تتعرض له الآن حكومة «حماس» من تضييق مالي واقتصادي وسياسي، بحيث إن العالم الغربي سيتعامل مع الحكومة البديلة (التي تضم المعارضة) كما تتعامل الآن مع رئيس الجمهورية، بالمقاطعة أو بالتجاوز، وهو مما يجعل المعارضة في نظر الجمهور، سبباً للويلات وفق الدعاية التي تروّجها الاكثرية والجهات الغربية والقائلة إن المعارضة هي من سبّب العدوان الاسرائيلي الأخير وخسائره، وإنها ستكون سبب الحصار المالي والاقتصادي الذي سيتعرض له البلد إذا تسلمت السلطة.
أما الأمر الثالث، فهو القول إن تطيير المعارضة نصاب جلسات انتخاب رئيس جديد سيكون سبباً في نقل السلطة كاملة الى الحكومة الحالية، ما يدعم موقفها التفاوضي أو السلطوي.
بين المنطقين يبقى السؤال: من ستكون له الكلمة الاخيرة بعد عيد الفطر، ومن سيكون الشقي ومن سيكون السعيد؟
طارق ترتشيشي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد