فتوى تبـيح قتـل معارضي مرسـي
وجد اغتيال المعارض التونسي البارز شكري بلعيد، صدى كبيرا في مصر، ليس فقط لتشابه الظرف السياسي، ولكون الإسلاميين هم الغالبية الحاكمة في البلدين، وإنما أيضا لأن اغتيال المناضل التونسي تزامن مع صدور فتوى من أحد شيوخ الأزهر تبيح قتل أعضاء «جبهة الانقاذ الوطني» المعارضين لنظام «الإخوان المسلمين»، وأبرزهم رئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي ورئيس «التيار الشعبي» حمدين صباحي ورئيس «حزب المؤتمر» عمرو موسى.
أما الشيخ فهو محمود شعبان، الحاصل على الدكتوراه والأستاذية من كلية الدراسات العربية والاسلامية، وأحد أشهر دعاة التلفزيون، وأكثرهم إثارة للجدل، لكونه يظهر على فضائية «الحافظ» السلفية المنتشرة بين أوساط العامة منذ أكثر من عام، وعادة ما تخرج منه ألفاظ نابية عندما يتحدث عن معارضي مرسي.
وأما الفتوى، فقال الشيخ شعبان فيها حرفياً ان «ما لا يعلمه كثيرون أن جبهة الانقاذ بقيادتها التي تبحث عن الكرسي بوضوح الآن حكمها في شريعة الله القتل»، مستنداً في ذلك إلى الحديث النبوي الذي جاء فيه «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر». ثم طلب رأي هيئة كبار العلماء في الأزهر في من يخرجون على الرئيس محمد مرسي طمعاً في كرسي الحكم وإحراق البلاد، وهو ما بدا بمثابة تحريض مباشر على قتل المعارضين.
فتوى شعبان، تنصل منها الجميع تباعاً، فمؤسسة الرئاسة أصدرت بيانا متأخرا بعض الشيء جاء فيه أنه «من الغريب على أرض الكنانة أن يروج البعض للعنف السياسي ويحرض عليه وأن يبيح البعض الآخر ممن يدعون التحدث باسم الدين القتل على قاعدة الاختلاف السياسي، وهذا هو الارهاب بعينه».
وأضاف البيان ان مؤسسة الرئاسة «تؤكد رفضها الكامل لخطابات الكراهية التي تتمسح بالدين والدين منها بريء».
من جهته، قال رئيس الوزراء المصري هشام قنديل انه بصدد دراسة الإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها ضد كل من يُصدر أو يُروّج لدعاوى أو فتاوى تحض على العنف، مستنكرا مثل هذا النوع من الفتاوى «المتطرفة».
أما مجمع البحوث الإسلامية فاجتمع أعضاؤه أمس مع شيخ الأزهر أحمد الطيب، وأصدر بدوره بيانا أكد فيه رفضه الفتوى، مشدداً على أنه يرفضِ ما وصفه بالفهمِ الخاطئ واستعمال النُّصوص في غير مواضعها، وفهمها فهماً غيرَ صحيح. ونبه المجمع إلى أنَّ مثل هذه الآراء تفتح أبواب الفتنة وفوضى القتل والدِّماء، وأن القاتل والمتسبب في القتل سواء بالتحريض أو بالرأي شريكان في الإثم والعقاب، في الدنيا والآخِرة. وناشد مجمع البحوث الاسلامية المصريين جميعاً ألا يَستَمِعوا إلى مثل هذه الآراء الشاذَّة والمرفوضة عقلاً ونقلاً.
وتبرأ «حزب النور» السلفي بدوره من الفتوى، بل طالب المتحدثُ الرسمي باسمه نادر بكار بضرورة أن يتخذ الأزهر موقفا حاسما من صاحب الفتوى.
وتعاملت وزارة الداخلية مع الفتوى باعتبارها تهديدا علنيا، حتى أن المتحدث الرسمي باسمها خرج أمس ليؤكد أن الوزير اللواء محمد إبراهيم، أصدر توجيهات للقيادات الأمنية بضرورة تكثيف الدوريات الأمنية لمتابعة الحالة على مدار 24 ساعة في محيط منزلي البرادعي وصباحي باعتبارهما من الرموز السياسية.
وغرد البرادعي على «تويتر» قائلا «عندما يفتي شيوخ بوجوب القتل باسم الدين من دون أن يتم القبض عليهم، فقل على النظام ودولته السلام»، مضيفاً «كم من الجرائم ترتكب في حق الإسلام وباسمه»، بينما اختار حمدين صباحي أن يرد عمليا على الفتوى بالمشاركة في التظاهرات التي تنطلق اليوم ضد حكم «الإخوان»، والتي أطلق عليها منظموها اسم «جمعة الكرامة».
من جهتها، حذرت سمر فودة، ابنة المفكر البارز فرج فودة (1945-1992)، الذي اغتالته الجماعات الإسلامية في ذروة نشاطها التكفيري في تسعينيات القرن الماضي، البرادعي وصباحي من الاغتيال عقب هذه الفتوى، إذ كتبت عبر حسابها الشخصي على موقع «فايسبوك»: «إلى البرادعي وحمدين... أبي قتلوه بعد فتوى إهدار دمه، لا تستهينوا بما يحدث، وبما يقولون، فهم مرضى، عقلهم يصور لهم أنهم يحمون الإسلام وينصرونه».
وكانت المفارقة الكبرى في أن عبود الزمر- القيادي في الجماعة الإسلامية وضابط الجيش الأسبق المتورط في قتل الرئيس أنور السادات - قد رفض الفتوى، قائلا ان «لا مجال أبدا لأن يتعامل الإنسان بالسلاح مع خصومه السياسيين، هذا أمر مرفوض، فالإنسان الذي يلجأ إلى الاغتيال، تكون حجته ضعيفة».
أما صاحب «الفتوى القاتلة»، محمود شعبان، فلم يتنصل مما قاله، لكنه استدرك قائلاً انه لم يكفر جبهة الانقاذ، وإنما طالب - فقط - القضاء والحاكم بتطبيق ما جاء في الحديث، مبديا استعداده للمثول أمام النائب العام للتحقيق، وهو الأمر الذي تلقفه الأخير سريعاً، إذ أصدر قرارا بإحالة بلاغ تقدم به أحد المحامين إلى نيابة أمن الدولة العليا، يتهم فيه الشيخ محمود بالتحريض على قتل المعارضين، وهو إجراء روتيني عادة ما يتخذه النائب العام مع معظم البلاغات.
وهي المرة الثانية التي يذهب فيها أحد شيوخ قناة «الحافظ» إلى القضاء، بعدما صدر حكم بالسجن لمدة عام وغرامة بقيمة 20 ألف جنيه (3 آلاف دولار) بحق عبد الله بدر، بتهمة سب وقذف الفنانة إلهام شاهين، كما صدر حكم قضائي بوقف بث القناة لمدة 30 يوما في ذات القضية، لكن مُلاكها طعنوا بالقرار، وتمكنوا من استمرارهم في البث.
محمد هشام عبيه
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد