غسيل أموال
استيقظ المواطن رسمي الصابوني بعد نصف قرن من الاستقلال الوطني ليجد نفسه نائماً في غسالة!؟ خرج منها وألقى نظرة شاملة على غرفة نومه ليجد أنها مليئة بأنواع المنظفات! حك ذقنه الطويلة وقال: أذكر أن مسحوق «سار» الذي يصنعه القطاع العام الاشتراكي كان المنظف الوحيد المستعمل قبل أن أنام!؟ حلق ذقنه وارتدى ثيابه ثم خرج من باب بيته ليكتشف أنه يقطن في غسالة ضخمة بعشرات الطوابق والأبواب والأزرار.. فقال مستغرباً: ما هذا؟ فقالوا له: هذا الغاليري الوطني لغسيل اللوحات الفنية.. نظر إلى الجهة المقابلة فوجد أن بيت جارهم نظيف أفندي قد تحول إلى ناطحة غسالات شاهقة.. فقال: وما هذا؟ فقالوا: إحدى شركات الإنتاج التلفزيوني التي تساهم بتدعيم الاقتصاد الوطني! فانبسط رسمي الصابوني أيما انبساط وقال لروحه: يبدو أن نبوءة جدي الصابوني الأكبر بدأت بالتحقق.. أوقف سيارة تاكسي ثم دلف إلى داخلها ليلاحظ كثافة البخار المتصاعد من جهة السائق! نقر على الزجاج الفاصل ففتحه السائق الذي كان على ما يبدو مشغولاً بالاستحمام تحت الدش.. فقال رسمي: ماذا تفعل!! فقال السائق: متل مو شايف.. أستغل لحظات التوقف بالاغتسال تماشياً مع حركة التجديد، والتطوير، والتحديث الوطني..
كانت السماء زرقاء ورائحة المنظفات تضيء الأمكنة، وكلما توغل رسمي الصابوني في شوارع البلد كان انبساطه وانشراحه يزدادان وضوحاً، حيث ناطحات الغسالات تمتد على جانبي الطرق والرجال يغسلون والنساء تنشر الغسيل قبل طيه وتجميعه في رزم ضخمة يسربونها نحو مصارف.. المدينة!! سأل السائق: ما الذي حصل للبلد؟ فأجاب الأخير: لا تسأل، لقد أصبح الوطن غسالة كبيرة منذ أن استلم حزب الغسيل الجمهوري مقاليد الحكومة.. فقال رسمي: ولماذا يبدو الناس أصغر حجماً مما هم في العادة؟ فقال السائق: كشوا وتقلصوا من كثرة الغسيل ولم يعد عندنا سوى حشرات ورخويات فقيرة تزحف وحيتان كبيرة تبرطع في نعيم الغسالات.. فقال رسمي: خذني إلى بردى فقد اشتقت إليه.. فقال السائق: ما هو بردى؟ هل تقصد مصنع الغسالات أم شركة الإنتاج التلفزيوني العملاقة؟ فقال رسمي: بردى النهر.. فقال السائق: تقصد الأنبوب الضخم الذي يمر عبر الربوة ويصب في غسالات المدينة؟ إنهم يعملون على توسيعه بما يتناسب وتطور كاتلات الغسيل الوطني يا عزيزي.. صمت رسمي وراح يراقب الحياة من نافذة السيارة بعدما مسح البخار عن بلورها: مواطنون يدبون على الأرض وآخرون يمتطونهم لاهين بفقاعات الصابون المتطايرة في الهواء وإعلانات المساحيق والغسالات تملأ الطرقات: مواعظ في النظافة وآداب الغسيل.. شعارات لتمجيد الغسالات وحماية الاستثمارات.. وكان ثمة رجل ما يقف على سطح كل غسالة عالية ويمسك بيده صنارة صيد سمك! فأشار رسمي إلى أحدهم وسأل السائق: من هذا؟ قال السائق: هذا عدنان عبد الرزاق، صحفي اقتصادي يرصد حركة بورصة الغسالات والاستثمارات في البلد وينتظر فرصته دون جدوى حتى شاب شعره واسترخى حلمه وصنارته فقال رسمي: أذكر هذا الرجل جيداً فقد كنت أشرب العرق معه قبل خمسين عاماً، عندما لم يكن غسيلكم يزكم رائحة الهواء.. أوقفني هنا أمام دار العبادة إذا سمحت!؟ - السائق: هل تريد أن تصلي؟ فقال رسمي الصابوني: لا.. ولكني سأبول في ثيابي.. نكاية بالطهارة..
بعد أيام نشرت جماعات حقوق الإنسان بياناً تندد فيه بقانون الغسيل الطارئ وتدافع عن حرية المواطن رسمي الصابوني الذي اعتقلته أجهزة الغسالات بتهمة معاداة النظام الصابوني وإطلاق الإشاعات ضد الغسالات...
نبيل صالح
بالإتفاق مع مجلة (تجارة وأعمال) الصادرة حديثاً بدمشق
إضافة تعليق جديد