عن ظلم المرض النفسي وأدويته في سورية

20-11-2007

عن ظلم المرض النفسي وأدويته في سورية

رفض وائل طبيب الاسنان ان يفتح عيادته الخاصة وفضل ان يعمل براتب لدى أحد الاطباء بسبب أنفه الكبير، كما رفض فكرة الاقتران بامرأة للسبب نفسه. توجه الى عيادة الطبيب النفسي ليكتشف ان سبب ما يعانيه ليس أنفه الكبير انما هو «ستار نفسي» لتغطية خوفه الذي اكتسبه من المعاملة السيئة لشقيقه الاكبر له بعد وفاة والده. وليكتشف بعد 16 جلسة معالجة انه يستطيع ان يفتتح عيادته الخاصة وان يواجه العالم على رغم كبر أنفه.

يعتبر وائل احد الاشخاص القليلين في سورية الذين تغلبوا على «نظرة الرفض» الى العلاج النفسي التي تعتبره نوعاً من (مركب النقص) كما تنظر إلى الأدوية النفسية باعتبارها نوعاً من المخدرات التي يؤدي تعاطيها الى الادمان.

ولا تعترف غالبية السوريين كغيرهم من سكان الدول العربية والنامية، بهذا الطب حتى ان نقابة الأطباء لا تعترف به وتعتبر الأطباء النفسيين «مشعوذين» كما يقول كريغوار مارشو الطبيب النفسي الوحيد في مدينة حلب (شمال البلاد).

في المقابل، نفت نقابة الأطباء السوريين بشدة ما جاء على لسان مارشو، واكدت ان النقابة لا تعترف بالمعالجين من خريجي الكليات الفلسفية، أي خريجي كلية علم النفس الذين يحاولون علاج الأمراض النفسية.

وأوضح الطبيب النفسي مازن خليل عضو مجلس ادارة صندوق النقابة: «هناك تداخل بين الطبيب النفسي وعمله بالطب والأمراض وبين المعالج النفسي، وكثير من الامراض عضوية مظاهرها نفسية وكثير من الامراض نفسية ومظاهرها عضوية».

واشار خليل الى وجود 65 طبيباً نفسياً مسجلاً في النقابة والى ان هناك اتجاهاً لإقامة عيادة نفسية شاملة تضم طبيباً نفسياً الى جانب معالج بعد البت بالحالة، لافتاً الى وجود مستشفيات متخصصة بعلاج الامراض النفسية فقط مثل مستشفى البشر ومركز العلوم العصبية.

وعلى رغم الانفتاح الاعلامي والدور الذي لعبته الافلام الاجنبية في تصحيح الصورة عن العلاج النفسي، الا ان غالبية الاسر لا تتقبل فكرة إحضار ابنائها إلى العيادة النفسية عند الحاجة تفادياً لوصمة العار التي يوصم بها من يراجع هذه العيادات، او بسبب ارتباط المرض النفسي في نظر كثير من الناس بما يسمونه الجنون. نصائح كثيرة وجهت الى عائلة الشابة ولاء التي زارت غالب عيادات الطب في مختلف الاختصاصات للشفاء من حالة اصابتها بعد رسوبها في البكالوريا ولم تفلح كل الجهود في اقناع اسرتها بأن ما تعانيه ابنتهم يحتاج الى طبيب نفسي لا يتطلب الخروج الى بعض الدول المجاورة للمعالجة بعد ان يئست من الطب ومن المشعوذين على حد سواء.

يقول مارشو ان كل اشكال الاكتئاب تعالج على اساس مرض عضوي، ففي، حال الاكتئاب، قد لا يعبر المريض عن أعراضه النفسية إلا بعد أن يصل المرض الى حال متقدمة ملؤها الأعراض الجسدية كالخمول والانعزال والآلام وعدم الرغبة في العمل. ويضيف: «عندما نقول ان المرض عضوي نقول ذلك من دون خجل واذا قلنا نفسياً يصبح مخجلاً، اذا قلنا انك مصاب بمرض عصبي لا مشكلة واذا قلنا انه نفسي يصبح جنوناً».

واشار الى ان مرضاه، على قلتهم، اضطروا الى المكابرة على المرض وتعالجوا بأدوية اعصاب وغيرها وعندما اشتد المرض لجأوا الى الطب النفسي بعدما صار العلاج يحتاج الى وقت اكبر وجهد اكثر.

واعترف بأن حالات الاكتئاب في سورية كبيرة وعلى مختلف درجاتها، والحال تستفحل كثيراً حتى لدى الاطفال والمراهقين نتيجة العديد من المعطيات السياسية العامة والوضع الاقتصادي الصعب الامر الذي يؤثر في ايجاد نوع من الشعور بعدم الامان من المستقبل. في المقابل، لايزال كثير من الاطباء يؤيدون النظرة الاخرى الى الموضوع. يقول احدهم «لا يوجد اكتئاب الا بعد التأكد من غياب الاصابة العضوية».

وكذلك اعتبر الدكتور منذر الدقاق «ان التوجه الى الطب النفسي هو نتيجة فشل الاطباء في تحديد الإصابة العضوية بصورة صحيحة».

وفسر وجهة نظره بأن الاكتئاب يمكن ان تنتج منه امراض وظيفية وليست عضوية، واعتبر ان التوجه الى الطب النفسي هو نوع من «الموضة». ولفت الى «ان هناك المئات من ادوية الاكتئاب التي تسبب اثاراً جانبية... وتوزع من بعض الاطباء عشوائياً».

وعلى رغم اعتراف الدقاق بالطب النفسي الذي لا يسبب اي حرج لدى الاميركيين، وبنسبة اقل لدى الاوروبيين؛ الا انه يرى ان في بلادنا ومنها سورية توجد «اساءة في تشخيصه». وشدّد على وجوب «ألا يقال ان لدى الشخص اكتئاباً، قبل التثبّت من غياب أي مرض عضوي لأن بعض الامراض وادويتها تسببان نوعاً من الاكتئاب لدى المريض».

ماذا عن المشعوذين؟

من المعلوم أن علاج المرضى النفسيين في أوروبا القرون الوسطى جرى عادة على يد رجال الكنيسة؛ في فترة انتشرت فيها الخرافات وساد التطرف بالإيمان في الأمور الغيبية كالسحر وتلبس الجان وغيرهما. وعلى غرار ذلك، مازال في سورية الكثير من الاشخاص، حتى بين المتعلمين الى درجات علمية مقبولة، من يلجأون الى السحر والشعوذة ويعتبرون العلاج النفسي «رفاهية» لايتحملون تبعاتها ولا تكاليفها المرتفعة. ويمكن الإشارة الى حال مازن (خريج جامعة)، من الذين اقتنعوا بفكرة الطبيب النفسي لمعالجة الاكتئاب الذي اصابه نتيجة بطالته وعدم قدرته على الارتباط بالفتاة التي يحبها. ويروي ما أصابه قائلاً: «ذهبت الى معالج نفسي بناء على نصيحة احد اصدقائي، ساعدتني والدتي في تغطية نفقاته إذ بلغت قيمة الساعة الواحدة 300 ليرة سورية (ستة دولارات).واكتشفت بعد اربع جلسات ان الامر مجرد تفريغ نفسي يستطيع ان يقوم به احد الاصدقاء او المقربين والموضوع لا يعدو برمته مجرد رمي فلوس في البئر». في ما تعتقد «أم علي»، وهي موظفة في احدى الدوائر الحكومية وتحمل شهادة معهد متوسط، «ان المفهوم الخاطئ لدى الناس بأن كل مريض نفسي هو مختل عقلياً كما صورتها المسلسلات والأفلام العربية خصوصاً المصرية، جعلت الناس حذرين من التعاطي في هذا الموضوع. يضاف الى ذلك انه قلما قرأنا اسماً لعيادة طبيب نفسي على رغم اننا في العاصمة، كما لم نرَ في صحفنا مرة شكراً لطبيب نفسي شفى مريضه».

ويعتبر الطلاب الجامعيون الاكثر انفتاحاً على العلاج النفسي في سورية كما يقول احد المعالجين، على رغم غياب الارقام والاحصاءات. مثلاً، لا يرى الشاب مالك داغستاني (ادب انكليزي) أي غضاضة في مراجعة عيادة الطب النفسي في حال تعرضه إلى متاعب نفسية تستوجب علاجه. ويرى» أن الذين يرددون دائماً مقولة إن المرضى النفسيين «مجانين»، هم مجرد «جهلة» لأن سبب تردد المريض النفسي إلى المستشفى متنوع الأسباب فهو قد يدخله بسبب حال قلق من امتحان جعله يتعرض للأرق، أو وسواس، لكن غالبية الناس المترددين على العيادات النفسية هم شخصيات ذكية وتتمتع بالعقل وطموحة في الحياة الى أكبر الحدود».

ويطالب مارشو وسائل الإعلام بضرورة تكثيف توعيتها وبرامجها الخاصة بالعلاج النفسي. ويؤكد ان اسباباً تقف وراء تلك النظرة الخاطئة «أهمها قلة الوعي العام بماهية المرض النفسي، وعدم الميل الى مساعدة اصحابه على الاندماج مرة اخرى في المجتمع».

سمر أزمشلي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...