عن التدخل الروسي في الولايات المتحدة
لم يفوت الصحفيون لحظة واحدة أثناء المؤتمر الصحفي المشترك للرئيسين ترامب وبوتين في هلسنكي، لمضايقتهم مراراً وتكراراً حول موضوع التدخل الروسي «المحتمل» في الانتخابات الرئاسية الأميركية. الأمر الذي جعل الرئيس فلاديمير بوتين يقترح تشكيل لجنتي تحقيق متقاطعتين، ترسل كل واحدة منهما لاستجواب المشتبه فيهم، في الجانب الآخر.
وخلافا للاعتقاد الشائع، فلدى روسيا أيضاً قائمة بأسماء المشتبه فيهم في الولايات المتحدة.أبدى الرئيس ترامب في البداية تحفظه عن الرد. لكن عندما أعلن المدعي العام في روسيا عن أسماء الأشخاص الذين يرغب في استجوابهم في الولايات المتحدة، سادت على الفور حالة من الذعر في واشنطن.
ومما هو شائع لدى عامة الناس في الغرب أن روسيا منذ انحلال الاتحاد السوفييتي حتى الآن، هي مجرد أرض شاسعة تحكمها قوانين الغاب (فار ويست) وتسيرها عصابات تتحكم بقطاعات واسعة من اقتصاد البلاد، بحماية الكرملين.
لكن على مايبدو أن الغربيين لم يستوعبوا بعد أن فلاديمير بوتين قد وضع حداً نهائياً للمافيات التي كانت تصول وتجول في عهد يلتسين، وأننا لم نعد نرى عمليات قتل، وتصفية حسابات في شوارع موسكو.
وانطلاقاً من أسطورة تلك المافيا، فقد أصدر الكونغرس الأميركي قانوناً في عام 2012، فرض بمقتضاه احترام الملكية الخاصة في روسيا، لأن أعضاء مجلس النواب كانوا وما زالوا، على قناعة تامة بأن شخصاً يدعى سيرغي ماغنيسكي- الذي كان مستعداً أن يثبت كيف تمكن لص مرتبط بالمخابرات الروسية من اختلاس ثلاثة مليارات من الدولارات كانت بحوزة مستثمرين أميركيين- قد تم اغتياله في أحد سجون «النظام». وهم مقتنعون حتى الآن أيضاً بأن أجهزة الاستخبارات الروسية قد كوّنت ملفاً ضخماً عن غراميات رجل الأعمال دونالد ترامب، وأنها تبتزه منذ ذلك الحين. وأن رئيس الولايات المتحدة، كان لهذا السبب لطيفاً ومطواعاً مع «الدكتاتور» بوتين في قمة هلسنكي.
بيد أن القضاء الروسي لديه رواية مختلفة تماماً عن الأحداث نفسها.
وفقاً للقضاء الروسي، فقد تمكن ملياردير أميركي يدعى وليام براودر من إنشاء حزمة مالية تسمح له بالشراء خفية، لحد أدنى من الأسهم في شركة غازبروم. وبالطبع، فإن الحصول على بضعة أسهم في جوهرة الاقتصاد الروسي، من شأنه أن يثير هواجس تمس الأمن القومي، وهذا أمر محظور على الأجانب.
وتفيد التقارير أن براودر قام بهذا التصرف لحساب المليارديرين الأميركيين، الشقيقين زيف اللذين يمولان الحياة السياسية في الولايات المتحدة. كما تخيل مع صديقه خبير الضرائب سيرغي مانيسكي، نظاماً مالياً يسمح بعدم دفع الضرائب عن ذلك الاستحواذ للأسهم.
برودر، الذي يعتبر بنظر الجميع الآن مجرد لص محتال، ومرتبطاً بوكالة الاستخبارات المركزية، كان قد وظف شاباً يدعى أليكسي نافالني، وأنشأ له مؤسسة لمكافحة الفساد، للقيام بحملة دعاية، نيابة عنه، لتلويث سمعة إدارة الرئيس بوتين. وقد سارت خطته على أكمل وجه، وصار على أثرها أحد أبرز قادة المعارضة.
قام برودر أيضاً بتوظيف عميل سابق في جهاز المخابرات البريطانية إم16، يدعى كريستوفر ستيل.
ستيل، هو الذي زود هيلاري كلينتون بملف-لكن من دون أدلة- ادعى فيه أن دونالد ترامب هو ضحية فضائح جنسية تبتزه المخابرات الروسية من خلالها. وهو نفسه من أنشأ، بطلب من لندن «حزمة الأدلة» التي قادت إلى الاعتقاد بأن روسيا أقدمت على تسميم سكريبال وابنته بالنوفيتشوك.ولو سنحت الفرصة للنائب العام الروسي أن يستجوب كبار المسؤولين الأميركيين المتورطين في ألاعيب وليام برودر، و(سي. آي. ايه)، لتوصل، من دون أدنى شك، إلى نتيجة مفادها، عدم وجود أي أثر لتدخل روسي في شؤون الولايات المتحدة، ولكن في المقابل، هناك تدخل أميركي سافر في الشأن الداخلي لروسيا.
الوطن -تييري ميسان
إضافة تعليق جديد