عن آفاق النانوتكنولوجيا... ومخاطرها
قدّر «مشروع النانوتكنولوجيا المنبثقة» عدد المنتجات النانوية المتوافرة في الأسواق سنة 2008 بنحو800 منتج. وتشمل مساحيق الوقاية من أشعة الشمس، ومستحضرات التجميل، والمنتجات الغذائية، والفضة المستخدمة في عمليات تعليب المواد الغذائية، والملابس، والمبيدات، والأدوات المنزلية، إضافة إلى معجون الطلاء. ومن تطبيقات النانوتكنولوجيا الأخرى: مساحيق النانو، وهي جسيمات ذات خصائص فيزيائية، كيميائية وبيولوجية تسمح بإدخال وظائف معزّزة داخل المنتجات. هناك أيضاً أنابيب النانو الكربونية، وهي عبارة عن أجسام رفيعة مكوّنة من جزيئات الكربون تفوق الفولاذ قوة وتنقل الكهرباء والحرارة أفضل من النحاس، ومن المتوقّع الاستفادة منها في مجال صناعة الخلايا الوقودية بديلاً عن الوقود الأحفوري، ومن المنتجات المتوافرة أجهزة التحسّس، والحواسيب، وأجهزة التلفاز. وأنظمة التصفية بالأغشية النسيجية، وهي أنظمة قادرة على تأمين مياه الشرب عن طريق تنقية المياه من البكتيريا والفيروسات، والإلكترونيات الجزيئية التي تبرز أهميّتها نتيجة العوائق التقنية التي يمكن أن تواجه شرائح السيليكون الرائجة الاستعمال اليوم وفي السنوات العشر المقبلة، إذ تعتقد الشركات المصنّعة للحواسيب بإمكان استبدالها بأدوات أصغر حجماً وأكثر قدرةً على حفظ المعلومات. يمكن الحديث أيضاً عن النقاط الكميّة، وهي عبارة عن أدوات تحتوي على إلكترونات اصطناعية طليقة الحركة تُستعمل في صناعة الحبر غير القابل للتزوير، وإرسال المعلومات بعيداً عن كمائن القراصنة. إضافة إلى تكنولوجيا إنتاج طاقة نظيفة وفعالة، ومكافحة داء السرطان عبر صنع أدوات دقيقة للغاية تستطيع التجوال داخل جسد الإنسان، وتصوير الأورام الخبيثة، وتحديد أمكنتها ومن ثم معالجتها. وأخيراً، هناك محاكاة الجهاز العصبي لدى الإنسان للتوصّل إلى بدائل للأعصاب والأنسجة الدماغية تُستعمل في أجهزة الكومبيوتر والرجال الآليين، أو حتى لتفعيل الدماغ البشري وتنشيطه بالرقاقات والشرائح الإلكترونية.
إذاً توافر النانوتكنولوجيا فتح آفاقاً واسعة، ولكن هذا على أهميته، لم يمنع الخبراء من إبداء القلق حيال ما سيؤول إليه، أو حيال «الطريقة الثورية» في التفكير والتصنيع. إذ إن بلايين الدولارات التي تُنفق لدمج هذه التكنولوجيا في المنتجات المختلفة وترويجها في الأسواق تفوق بأضعاف ما يُنفق من أموال لإعداد الدراسات التي تناقش تداعياتها الصحية، والبيئية، والاجتماعية والأخلاقية، بدءاً من قدرتها على تطوير وسائل تدميرية ووضعها في أيدي «أناس غير مسؤولين»، مروراً بتهديدها بنشر التلوّث، وصولاً إلى إزالتها لمعالم الهوية البشرية.
بالنسبة إلى الأخطار الصحية، دعا المعهد الوطني الأميركي للصحة والأمان المهني إلى التنبّه لتعرّض كل من العمّال والناس العاديين للجزيئات النانوية خلال مراحل تصنيع المواد النانوية واستعمالها، لناحية تفاعل هذه الجزيئات مع الأنظمة الجسدية. فقد تبيّن مثلاً أن الجزيئات المكوّنة من الفضة يمكن أن تقضي على البكتيريا المفيدة التي تحلّل المادة العضوية في منشآت معالجة النفايات، واستنشاق بعض الجزيئات النانوية يؤثّر على الجهاز التنفّسي والدماغ ويزيد من إشارات الالتهابات والإجابات الإجهادية.
دراسة صادرة عن جامعة كاليفورنيا الأميركية بيّنت أن الكدميوم المُستخدم في هذه الجزيئات يمكن أن يتسبّب بحالات التسمّم. فيما حذّرت دراسات بريطانية من خطر وصول هذه الأخيرة إلى الغشاء الجنيني لدى النساء الحوامل وانتقالها إلى الأجنّة. زد على ذلك إتلاف الجزيئات المستخدمة في مساحيق الوقاية من أشعة الشمس للحمض النووي، بحسب خبراء من جامعة أكسفورد.
بيئياً، يولي الخبراء اهتماماً لمعالجة المضاعفات المحتملة، والمتأتّية بالدرجة الأولى من وجود الجسيمات الطليقة وغير المندمجة بالمواد، لكونها صغيرة الحجم وذات خصائص كيميائية معيّنة وقدرة على التعمير لآلاف السنوات، ما قد يرفع من معدّلات التلوّث والاحتباس الحراري ويدمّر المزيد من طبقة الأوزون.
أما اجتماعياً وأخلاقياً، فيتوجّس المتابعون من مسائل عدّة. أولاها تعاظم الفجوة بين العالم المتطوّر والدول النامية. ثانيتها، احتمال حصول جماعات إرهابية على المنتجات النانوية. ثالثاً، استمرار تضاؤل حجم أجهزة استراق السمع والتنصّت التي يمكن أن تُزرع في الأجساد لمراقبة الأفراد دون معرفتهم شخصية. والأمر الرابع يتعلق بإتاحة النانوتكنولوجيا المجال أمام خلق الإنسان «الخالد» الكهربائي والميكانيكي الوظائف. فعندها تبطل وظيفة الإنسان الاجتماعية وتُطرح مسألة الحقوق وتمركز الثروة والقوة وتوزيع المكاسب في ما بين «الخالدين». أما الأخطر، فهو تخوّف هؤلاء من نجاح استبدال الأعضاء الحيّة بأخرى نانوية، العملية التي من شأنها الإيذان بدخول البشرية طور التقهقر والانقراض.
روني عبد النور
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد