عصابات سرقة تستبيح كل شيء في الساحل السوري
ظاهرة السرقة والتشليح منتشرة في معظم المناطق في سورية، إلا أنها في الساحل السوري بدأت تتزايد بشكل غير مبرر، خاصة أنها تعد من المناطق الآمنة، التي لا يجب أن تغيب فيها سلطة الدولة.
السرقات في الساحل لم تعد تقتصر على التعرض للمواطنين على الطرقات العامة، ولم تعد تقتصر على الدراجات النارية التي تحصل بمعدل كل ساعة، أو تشليح السيارات من أصحابها وقتلهم في كثير من الأحيان، السرقات التي تحصل الآن تطورت حتى وصلت إلى سرقة المنازل في القرى.
سرقة زيت الزيتون
عندما رن جوال أم وهاد لم تكن تتخيل أن تسمع خبراً كهذا، ولكن هذا ماحصل، فقد كان هناك من يخبرها أن منزلهم الكائن في قرية الكرامة بريف جبلة "مفتوح". وعندما غادرت عملها بصحبة زوجها وابنها اكتشفت أن كل ما جنوه خلال عامين قد سرق، بكل انتاجها من زيت الزيتون على مدار عامين، وكذلك كل ما وجدوه مما يمكن بيعه: الصابون والمازوت واسطوانات الغاز، وكل ما يمكن أن يتم بيعه دون أن يثير أي شبهة.
ليست سرقة الزيت ككل السرقات، فجني موسم الزيت يحتاج إضافة إلى التكاليف، جهداً تنوء به الكثير من الأسر.
كان هناك من خلع النافذة وملأ كل عبوات الزيت الموجودة في بيت السيدة منيرة، "هو ليس فقط محصول سنتين من الزيت، بل هو جهد أسرة كاملة طوال أشهر، أشعر أنهم سرقوا أكثر من المال، هناك الكثير من اللحظات التي قضيناها في قطاف الزيتون، الحلوة والمرة، سرقوها دفعة واحدة، سرقوا حبات العرق التي كنت أراها على جباه أولادي، سرقوا تحلقنا حول حصيرة الطعام تحت الشجرة.. سرقوا أكثر من المال"
ويعد قطاف الزيتون واحد من أصعب الأعمال الزراعية، ويتميز بأن من يقوم به العائلة ذاتها، لأن الاعتماد على العمال سيزيد التكاليف فوق طاقة غالبية المزارعين.
"اللي بيشوف مصيبة غيرو بتهون عليه مصيبتو" هكذا قالت منيرة وهي تقول إن حزنها لم يطل كثيراً، وخاصة بعد القصص التي سمعتها عن حالات السرقة اليومية، وعن وجود أكثر من ثلاثة منازل في ذات القرية تعرضت للسرقة في اليوم ذاته.
أما أم علي التي توجد بمفرها في البيت صباحاً، فلم تكد تعود إلى منزلها بعد زيارة قصيرة لابنتها، حتى اكتشفت أن هناك من دخل البيت وسرق كل ما يمكن بيعه من "مونتها" وعلى رأس القائمة زيت الزيتون أيضاً.
ليس هذا فحسب، بل هناك من تجرأ حتى على "المزارات" الدينية، دخل "حرامية" إلى بعضها وسرقوا ما تصدق به آخرون من الصندوق الذي توضع فيه الأموال، وهو أمر يعتبر من الكبائر عند الكثير من سكان القرية.
الدراجات النارية والسيارات كانت أبرز المقتنيات المستهدفة قبل هذا "التطور" في ظاهرة السرقة، شاعت ومازالت سرقة الدراجات النارية بشكل أسطوري وفكاهي بنفس الآن، يقول عهد الذي تعرض لسرقة دراجته قبل أن ينهي القسط الثاني من سعرها، بأنه ربطها "بجنزير" أمام بيته في مدينة جبلة، وعندما عاد إليها بعد وقت قصير وجد أن هناك من حطم "قيدها" وسرقها، ليبقى صاحبها يسدد ثمنها، ولأنه ابن المنطقة ذهب إلى أحد محلات إصلاح الدراجات المختصة بتغيير معالم الدراجات المسروقة ومن ثم إعادة بيعها، ليجدها بيد الشاب الذي يقوم بتغيير المواصفات، المفارقة أنه وجدها أمام عينيه لكنه لم يستطع استعادتها حتى بعد الاستنجاد بالشرطي الذي قال له: كيف لك أن تثبت أن هذه الدراجة لك؟
أما قصص سرقة السيارات في منطقة الساحل السوري وعلى طرقاته فهي أكثر خطورة، إذ أن أكثرها يترافق بالقتل، أو الضرب المبرح، أما السلوك الأكثر قهراً فهو مساومة صاحب السيارة على شراء سيارته من جديد، وهذا ما حصل مع سمير الذي أعاد شراء سيارته " أفانتي" بأكثر مما اشتراها به أول مرة، وإن كان السارق سمح له بشرائها بما هو أقل من السعر الرائج حالياً، يقول: "ربحت نصف مليون عن سعر السوق".
الغريب في تلك الحوادث أن غالبية سكان المنطقة يعرفون الطرقات التي تكثر فيها عمليات "التشليح" فقد ذاع صيت طريق قرية "جبلة - بيت ياشوط" وكذلك الأشخاص الذين يتزعمون العمل بتسويق أو التعامل مع أو المشاركة في السرقة، ومع هذا لا تتخذ أي إجراءات رسمية!
انتشار حوادث السرقة يتسبب بقلق كبير لسكان المناطق الساحلية، فبعضهم يعتقد أن غياب الأبناء الذكور بسبب التحاقهم بالقوات المسلحة هو ما يجعل الكثير من ممتهني السرقة يتجرؤون على هذا البيت أو ذاك وسرقته، تقول أم رامي من قرية "الحويز" في جبلة إنه في كل المنطقة التي يسكنونها بجانب النهر لم يبق أي من شبابها في بيوتهم، وأغلب المنازل لا يوجد فيها إلا المسنون والنساء.
بينما تعتبر أم وعد من قرية رأس العين أن المشكلة في تدني الأخلاق عند الكثير من الشباب الذين يحتاجون مبالغ مالية كبيرة كي يعيشوا على هواهم دون عمل، ومع الانفلات الأمني يصبح كل شيء مباحاً.
زي عسكري
تتعدد تمثيليات السرقة، والكثير منها على الطرقات يعتمد على تقمص شخصية الجندي وارتداء اللباس العسكري، قبل أن يكتشف الضحية أن هؤلاء ليسوا سوى عصابة بثياب عسكرية، لكن لم يعد هناك من حيلة. وكما لا تجد هذه العصابات من يردعها، كذلك لا تجد من يبدي أي استعداد للحديث في هذه الظاهرة، مدير منطقة مدينة جبلة اكتفى بالقول إن من يسرق المنازل في القرى ليس من خارجها أو غريباً، في إشارة إلى أن من يسرق سكان القرى هم من أبنائها، وعن إمكانية ردع هذه الظواهر أو الحد منها أكد إن عدد العناصر المخصصة لحماية عشرات القرى لا يصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة، أما أعداد السرقات التي تسجل يومياً فلم يفصح عنها، واكتفى بالتأكيد أنه هناك حالات لايتم الإبلاغ عنها.
يسرى ديب وكالة أنباء آسيا
إضافة تعليق جديد