عام 2007 يأتي مثقلاً بالأزمات
لبنان عنوان كبير عالق في استحقاقات العام الجديد, بكل تشعباتها الاقليمية والدولية. فلسطين محطة ساخنة مشدودة الى الحرب الاهلية بقدر ما هي مشدودة الى «الانتفاضة الثالثة» في غياب الحلول. العراق برميل بارود يشتعل منذ ربع قرن وينزلق منذ الاحتلال الى المتاهة الدامية. افغانستان تحدّ متجدد بعد خمس سنوات على احداث ايلول 2001. والشرق الاوسط كله في المنطقة الرمادية يبحث عن شاطئ آمن ومقومات استقرار أمني وسياسي.
هكذا يطل العام 2007 مثقلاً بالأحمال الكبيرة والازمات التي تتوالد يوماً بعد يوم, وهي نوعان: مزمنة عمرها من عمر اسرائيل, ومتجددة على امتداد الصراع العربي الاسرائيلي, وقد اتسعت حلقاته وتشابكت بفعل الحماقات الاميركية المتواصلة والمغامرات العسكرية المسدودة الأفق.
«الكفاح العربي» حاولت قراءة ملامح العام المقبل, مستعينة بالوقائع والخبراء وحتى المنجمين, تحت ثلاثة عناوين عريضة: مفكرة 2007, سنة الاثقال الكبيرة, وحصاد 2006.
سنة 2006 اقفلت على كتلة ضخمة من الازمات المستعصية, ولكنها لم تنته فصولاً, وهذه الكتلة التي شكلت جبلاً من الجليد, انزلقت الى سنة 2007 التي قد تتحول الى مشهد سياسي من الازمات المتجددة التي تراكمت على مدى اكثر من 18 شهراً وكونت عدداً من الاثقال الكبيرة التي قد تنهك السنة الجديدة وتجعلها تجرجر خطاها تحت وطأة الحلول المتعثرة التي قد تدفع لبنان اكثر من اي وقت مضى الى النفق المجهول.
وعلى اي حال, فان السنة الجديدة التي ورثت من شقيقتها التوأم كل مصائب الصراعات الاقليمية والدولية, لن تكون افضل حال من السنوات الثلاث التي مضت والتي كونت كل هذه الازمات المزمنة التي ما زال يعانيها اللبنانيون من خلال فصول متفرقة لمشهد سياسي واحد. واذا كانت سنة 2006, سنة طويلة عاشتها الدولة بكل مؤسساتها في حال من انعدام الوزن والاوضاع الامنية المتوترة والاقتصادية المتدهورة في ظل فقدان الثقة بين فريقي السلطة والمعارضة وغياب الحلول الجذرية, فان السنة الجديدة قد تبدأ ايامها واسابيعها الاولى بنوع من الاضطرابات السياسية والاقتصادية وربما الامنية ايضاً لأنها قد تبدو عاجزة عن تحمل اعباء السنة الماضية التي وصلت الى نوع من الافق المسدود بالنسبة لمعالجة الازمة السياسية الخانقة, لأنها لم تشأ ان تنتهي إلا بجريمة من توقيعها طاولت النائب والوزير بيار امين الجميل, لذلك فان اطلالة سنة 2007, وعلى الرغم من مظاهر الاحتفالات والتهريج والابتهاج بمجيئها, فانها تبقى حزينة تحمل اكثر من 12 مسحة سواد عبرت عنها الاشجار الخضراء الملونة في وسط بيروت والتي تشير الى هذا الحزن العميق الذي يلف البلاد منذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى اغتيال بيار الجميل. ولا شك في ان 2007 ستكون سنة الاتعاب الثقيلة والطرق الوعرة والممرات الضيقة بحيث تعجز اي حكومة عن مواجهتها واقفة على رجليها نظراً لما قد تتحمله من صعاب علي كتفيها, خصوصاً ان هناك ازمات مؤجلة من العام الماضي نتيجة افلاس القوى في السلطة والمعارضة في ايجاد حلول الحد الادنى كلها. لذلك فقد دحرجتها الـ 2006 الى هاوية الـ2007, وتركتها تدبِّر رأسها ولو كان ذلك على حساب وجود دولة موحدة وحكومة وحدة وطنية متوازنة تأخذ على عاتقها إعادة البلاد الى مسارها الطبيعي في ضوء انتاج جديد للمؤسسات الدستورية.
من هنا فإن سنة 2007 قد تكون نوعاً من الاستنساخ المشوه للسنة التي سبقتها وتركت لها كل هذه الاثقال الكبيرة التي تفوق قدرتها على تحمل مثل هذه المعجزات التي تستلزم عصا سحرية لتفكيك عقدها وإعادة ربط حبل التواصل بين معسكري 8و14 آذار, بحيث تصبح الدولة محكومة بموقف توافقي واحد بدلاً من الرؤوس الموزعة في مناطق نفوذ الزعامات السياسية المختلفة التي اصابتها اخطر الامراض السياسة ولا سيما مرض «البارانويا» الذي يحمل هذا الزعيم او ذاك على تحويل الحلم الى حقيقة والتصرف على اساسها. في حين ان هذه الحقيقة لا تخرج عن اطار الاوهام. وهذا المرض الذي يطلق عليه في الماضي مرض الحلم بالعظمة والسلطة, عجز علماء النفس حتى اليوم عن اكتشاف دواء له من اجل قتل «بكتيريا» السيطرة ولو على حساب الشعب المسلوبة ارادته والذي يعيش مغسول الدماغ.
ومهما يكن من امر, فان المحطات السياسية والاقتصادية والامنية المهمة والخطرة التي فرملت اندفاع الحكومة باتجاه المعالجات الكبرى في السنة الماضية هي نفسها التي قد تحول دون قيام الدولة القوية والقادرة على مواجهة الانواء في هذا البحر من الازمات. لذلك, لا بد ان تكون سنة 2007 اصعب من سابقاتها واخطر منها, لأنها قد لا تطرح سؤال لبنان الى اين, بل لبنان اين؟ خصوصاً في حال تعذَّر على كل الافرقاء في الداخل و الخارج التوصل الى تحديد اطر الحلول المقبولة من هؤلاء الافرقاء في ظل احتدام الصراعات الاقليمية والدولية. فالمحطة الاولى ستكون سلة الحلول الصعبة التي يقترحها الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى والتي, وإن بلغت نسبة 51 في المئة من التفاؤل, تبقى عرضة للسقوط في مطبات السلطة والمعارضة, وتبقى البلاد معلقة على الحبال المشدودة فوق هوة الموت او الانتحار. لأن الفريقين المتنازعين يلعبان «الروليت الروسية» ويجازفان بحياة وطن وبمصير شعب. لذلك فان محطة عمرو موسى في بيروت مرتبطة بشكل او بآخر بكل ما يجري في العراق وفلسطين وبالصراعات الدولية والاقليمية في الشرق الاوسط. وهذا ما يحمل اللبنانيين على الانتظار طويلاً في هذه المحطة لعله يصل قطار الترياق من العراق, ولكن هذا الانتظار متعب وممل, الامر الذي يدفع الى الاعتقاد بأن السنة الجديدة ستحمل عنوان المحطات الخطرة. حيث ينتظر المسافرين قطاعو الطرق الذين يزرعون ساحات الحلول بالالغام والقنابل الموقوتة. لذلك فان مهمة الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى قد تتعرض للتفجير, بحيث تغرق البلاد في مستنقعات من الوحول المتحركة التي قد تحول دون الوصول الى المحطة الآمنة.
مشروع نظام المحكمة ذات الطابع الدولي, يشكل اللغم الاكبر في بدايات السنة الجديدة, وقد ينفجر قبل ان يصل الى مجلس النواب, لأنه, وبحسب الرئيس نبيه بري, صادر عن حكومة غير شرعية وغير دستورية, لذلك لا يمكن لرئيس المجلس ان يتسلمه ويدعو الهيئة العامة للمجلس لمناقشته في جلسة تشريعية. وهذا الرفض قد ينتقل بكل اوزانه الثقيلة الى مطلع العام المقبل, خصوصاً ان عدداً من النواب يوقعون عريضة تطالب بضرورة فتح دورة استثنائية لمجلس النواب وفقاً لجدول اعمال محدد تتضمن بنوده نظام المحكمة ذات الطابع الدولي وغيره من البنود والمواضيع الخلافية, ولكن هناك عقدة دستورية قد تمنع الرئيس نبيه بري من الموافقة على فتح مثل هذه الدورة الاستثنائية قبل حسم موضوع توسيع الحكومة على قاعدة 19101 وإنهاء الجدال القائم منذ استقالة وزراء حركة أمل وحزب الله حول شرعية ودستورية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. لذلك فان سنة 2006 التي وصلت منهكة الى نهايتها ارتاحت من كل هذه المشاكل ولكنها جيرتها الى السنة الجديدة بكل تشعباتها وتعقيداتها الداخلية والخارجية.
ومن دون تكليف واجتهاد, فان مبادرة عمرو موسى الذي زار دمشق والتقى بشار الاسد تبدو مؤجلة الى ما بعد الاعياد, بحيث تزيد الاعباء السياسية والخلافية على السنة الجديدة التي تنوء من كثرة الاثقال الكبيرة التي قد تتحملها او التي جيرتها لها السنة الماضية وابرزها:
1 مشروع بروتوكول المحكمة ذات الطابع الدولي بعدما تم نشره في الجريدة الرسمية ورفضت الامانة العامة لمجلس النواب تسلمه بناء لاشارة من الرئيس نبيه بري الذي يعتبر هذا المشروع صادراً عن حكومة فاقدة الشرعية والدستورية وبعد الاتفاق على تشكيل لجنة سداسية تضم قاضيين واربعة ممثلين عن قوى السلطة وفريق المعارضة لدراسة هذا المشروع وادخال بعض التعديلات عليه وفقاً لملاحظات الرئيس اميل لحود خصوصاً لجهة تحميل الرئيس مسؤولية تصرفات مرؤوسيه, اضافة الى منع رئيس الجمهورية من استخدام صلاحية اصدار عفو خاص عن اي متهم تصدر بحقه احكام مختلفة. من هنا, فان المحكمة ذات الطابع الدولي تشكل عقدة العقد او العقدة الاكثر صعوبة والتي تستلزم جهوداً كبيرة للحل. لأن المعارضة تطالب بتقديم مشروع حكومة الوحدة الوطنية على هذه المحكمة التي سيعاد درسها في الحكومة الجديدة ويتم احالتها على مجلس النواب بطريقة قانونية ودستورية. وهذا يعني ان اولوية المعارضة هي في تشكيل حكومة وحدة وطنية او توسيع الحكومة الحالية من خلال مبدأ 19101, ومن ثم دراسة المحكمة ذات الطابع الدولي بالتزامن مع وضع قانون انتخابي جديد تجري على اساسه انتخابات نيابية مبكرة. إلا ان فريق 14 آذار يرفض ذلك ويضع المحكمة في المرتبة الاولى من اولوياته يليها تشكيل حكومة واجراء انتخابات رئاسية مبكرة و اخيراً قانون الانتخاب. والانتخابات النيابية المبكرة وغيرها من البنود الخلافية مثل الاستراتيجية الدفاعية لحماية البلاد من اي عدوان اسرائيلي, وكل هذه المحطات مطروحة على بساط البحث في السنة المقبلة التي ستكون مثقلة بالمواضيع الخلافية التي ربما قد تهدد بفراغ دستوري مخيف قد يطرح تساؤلات كبيرة وخطرة حول مصير الدولة والوطن في ضوء حديث عن انقسامات سياسية حادة قد تؤدي الى نوع من التقسيمات.
2 الخلافات المستحكمة حول توسيع الحكومة والتي تتركز على الجهة التي تسمي الوزير الملك. فالمعارضة تتمسك بحقها في اختيار هذا الوزير وتفرضه على حكومة 19101, في حين ان فريق السلطة يرفض ذلك ويدعو الى اختيار هذا الوزير بالتوافق بين الفريقين. ويبدو ان هذه المشكلة قد تحول دون التوصل الى حل بشأن توسيع الحكومة, الامر الذي يحمل على الاعتقاد بأن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ستبقى كما هي الى ما بعد الاعياد وسط وضع دستوري وشرعي غير معترف به من الرئيس اميل لحود وقوى الثامن من آذار. وموضوع حكومة الوحدة قد يشكل احدى العقبات الرئيسية امام فريقي الصراع في العام المقبل, بحيث قد تجد المعارضة نفسها مضطرة الى تصعيد تحركاتها والانتقال الى الخطة «ب» من استراتيجيتها المرسومة والتي تقضي بالدعوة الى العصيان المدني لفترة محددة في الايام الاولى من السنة الجديدة ومن ثم الى العصيان المفتوح في حال لم تجد المعارضة استجابة لمطالبها. وهذا ما يضاعف الاثقال على سنة 2007 التي بدأت تتلمس صعوبة تسلق الحائط المسدود الذي يفصل بين الحلحلة والازمة المستحكمة. لذلك فان هذه السنة ستكون اصعب بكثير من سابقتها, خصوصاً في ضوء الاستحقاقات السياسية والمالية التي تنتظرها.
3 الانتخابات الرئاسية المبكرة في ضوء غياب التوافق على هذا البند لأن الرئيس اميل لحود لا يمكن ان يوقع على مثل هذا المرسوم قبل اجراء انتخابات نيابية مبكرة تحسم الجدال حول الاكثرية والاقلية وفقاً لارادة الشعب. وهذا البند يشكل موضوعاً خلافيا بين فريقي 8و14 آذار. بحيث تبقى الازمة مفتوحة على كل الاحتمالات ولا سيما الوصول الى موعد الاستحقاق الرئاسي بدون ان يحصل توافق. وهذا قد يؤدي الى استحالة اجراء انتخابات في موعدها الدستوري لأن المعارضة ترفض ان ينتخب المجلس الحالي رئيساً جديداً للجمهورية كونه يمتلك الأكثرية. وفي حال تعذر اجراء هذه الانتخابات تدخل البلاد في فراغ رهيب في السلطات الدستورية, انطلاقاً من شغور موقع رئاسة الجمهورية, وفقدان حكومة السنيورة شرعيتها ودستوريتها اضافة الى تعطيل عمل مجلس النواب. عندئذ تسقط الدولة برمتها مع تخوفات من عرقنة لبنان, كما حذر عمرو موسى من الوصول الى هذه الحال اذا لم يتوصل الفريقان الى حلول قبل شهري شباط €فبراير€ وآذار €مارس€ المقبلين.
4 تداعيات حرب تموز €يوليو€ على الصعيدين السياسي والاقتصادي, خصوصاً ان هناك جدالاً حول هذا الموضوع وسجالات إعلامية حول مواقف بعض الجهات السياسية الداخلية من سلاح المقاومة والقرار الدولي رقم 1559 وضرورة تطبيقه, لأن هناك استراتيجية دفاعية كانت ولا تزال مطروحة على بساط البحث من اجل ايجاد طريقة لشرعنة سلاح حزب الله واعتباره سلاحا لا ينطبق عليه هذا القرار الدولي, لكون حزب الله هو مقاومة وليس ميليشيا. اما الشق الاقتصادي هذا الوضع فان فريق السلطة يعتبر ان تكلفة العدوان الاسرائيلي بلغت ارقاماً ضخمة تفوق قدرة الدولة على تحملها خصوصاً ان الحديث يدور حول 13 مليار دولار, اضافة الى تعطيل موسم السياحة وضرب الاقتصاد. ومع هذا فان المساعدات العربية والدولية لاعادة اعمار البنى التحتية لا تغطي كل النفقات, مع العلم ان هناك طرقاً وجسوراً ما زالت تستلزم اعادة بنائها وخصوصاً في مداخل صيدا ومنطقة الشمال.
والمشكلة الاقتصادية والمالية الضاغطة قد تكون من عوامل الخلافات بين الافرقاء خصوصاً في حال لم تسفر النتائج المطلوبة عن مؤتمر باريس 3 الذي سيعقد في 15 كانون الثاني €يناير€ 2007. وهذا المؤتمر يشكل الاستحقاقات المالية الاولى في السنة الجديدة, خصوصاً ان موازين عامي 2005و2006 لم تصدرا حتى الآن ولا تزال وزارة المال تصرف الاعتمادات على القاعدة الاثنى عشرية. ويبدو ان الاوضاع الحالية ستكون القنبلة التي قد تفجر خلافات اضافية في البلاد, لأن قيمة الدين العام ارتفعت الى 43 ملياردولار, لذلك تبدأ السنة الجديدة باستحقاقات مالية في شهر شباط €فبراير€ تتمثل بدفع خدمة هذا الدين التي تبلغ 3.7 مليارات دولار, اي ما يوازي ما قد يكسبه لبنان من باريس3 ولكن كقروض ميسرة مع بعض المساعدات المالية.
5 الوضع الامني الذي استجد في نهايات العام 2006 بعد جريمة اغتيال النائب والوزير بيار امين الجميل اضافة الى الاحداث الامنية الاخرى والتي كان آخرها مصادرة اسلحة وذخائر ومتفجرات وصواعق كهربائية في منطقة الكورة. وهذه الحادثة الخطرة قد ترخي بظلالها على بدايات السنة الجديدة, لأن هذه القضية ما زالت تتفاعل في ظل شائعات واتهامات الامر الذي بدأ يخلق مناخات امنية غيرمريحة تنذر بمضاعفات خطرة في بعض المناطق اللبنانية. ولكن قوات الجيش اللبناني وقوة الامن الداخلي اتخذت الاجراءات الاحترازية لمنع اي انفجارات في هذه المناطق خوفاً من اتساع رقعتها, كما ان القضية هي في يد القضاء الذي قد يحسم كل هذه الشائعات التي بدأت تثير البلبلة في صفوف بعض الاحزاب في الشمال وبين لبنان والبقاع. لذلك فان الموضوع الامني الذي بحثه الرئيس السنيورة في مجلس الامن المركزي قد يكون من المواضيع الثقيلة جداً في فترة ما بعد الاعياد, لأن هناك اجواء حذر وترقب في منطقتي الكورة والمتن الشمالي حول انعكاسات حادثة مصادرة هذه الاسلحة وتوقيف سبعة من الحزب السوري القومي الاجتماعي. وانطلاقاً من كل هذه المواضيع الخلافية تراكمت كل هذه الازمات كتلة واحدة وتحولت الى كرة ثلج ضخمة قد تؤثر سلباً في سنة 2007 التي قد تحمل مزيداً من المشاكل فوق طاقتها. لذلك فان السنة الجديدة ستكون من اسوأ السنين التي عاشتها البلاد منذ السبعينيات, لأنها تشهد عملية تفكيك الدولة وتحلحل الوطن الموحد لتقوم مكانه مناطق او كانتونات صغيرة متناحرة حيناً ومتقاتلة في كل حين. الامر الذي يدعو الى تدخلات خارجية لوقف دورة العنف المرتقبة في البلاد والسعي الى خلق هيئة تأسيسية ينبثق عنها حكومة انتقالية تضع قانوناً انتخابياً جديداً تجري الانتخابات النيابية على اساسه, وينتخب المجلس الجديد رئيس جمهورية يعيد انتاج كل المؤسسات الدستورية بطريقة مدروسة ومتينة. ولكن مثل هذا الحل الذي قد يستغرق وقتاً طويلاً ربما اكثر من سنتين, قد تسبقه احداث دموية, كان الامين العام للجامعة العربية قد حذر منها في حال فشل وساطته.
وازاء هذا الواقع, فان عمرو موسى الذي يتنقل على رؤوس اصابعه بين السرايا الكبيرة وعين التينة لم يحرز بعد اي تقدم في هذا الحوار القائم بين فريقي الصراع, كونه لا يخرج عن اطار حوار الطرشان, لأن الوسيط العربي الذي يعتقد بأنه تقدم خطوة نحو الحل يجد نفسه انه تراجع خطوتين.فالهوة واسعة بين السلطة والمعارضة ولا يمكن ردمها او على الاقل تضييقها إلا من خلال تبريد النزاعات الاقليمية والدولية في المنطقة. لأن الازمة اللبنانية باتت تشكل جزءاً من هذه النزاعات, خصوصاً ان الرئيس جورج بوش شدد في آخر مؤتمر صحفي له على انه لا يمكن للولايات المتحدة واوروبا ان تخسر معركة لبنان الذي قد يشكل في نظره ركيزة الشرق الاوسط الكبير. ولكن في المقابل فان مرشد الثورة الاسلامية الايرانية آية الله علي خامنئي اكد ان لبنان سيكون المكان لهزيمة اميركا. لذلك فان عمرو موسى الذي يجهد في التوصل الى حلحلة وليس الحاصل في هذه المرحلة وجد نفسه مكبلاً بالسلاسل الاقليمية والدولية, بحيث ان وساطته وتحركاته انحصرت في هامش ضيق داخل لبنان في حين ان المشكلة الأهم في مكان آخر. ووسط هذه الاجواء المعقدة والمقلقة, فان كل الازمات التي عانتها وتعانيها البلاد مؤجلة الى السنة الجديدة التي قد تكون سنة الازمات المتجددة والشائكة, بحيث تضطر الى التنحي عن مسؤولياتها وترك البلاد في مهب الرياح الاقليمية والدولية الساخنة. لذلك فان كل المعطيات لا تؤشر الى وجود حلول سريعة بل الى استراحات مؤجلة بين المرحلة والمرحلة, وهذا يعني الموت البطيء.
واياً تكن آفاق مرحلة ما بعد الاعياد فان كل المؤشرات تدل على ان سنة 2007 ستكون سنة طويلة وثقيلة لأنها قد تكون السنة المفصلية التي قد تحدد مصير لبنان وهويته وتركيبة نظامه وفقاً لحديث عن احتمال عقد مؤتمر وطني واسع يكون بمثابة طائف 2.
غابي أبو عتمة
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد