طرق لتعليم أبنائك مهارات التعاون

إن الصراع اليومي الذي يعانيه الآباء لجعل أولادهم يتصرفون بطريقة مقبولة منهم ومن المجتمع الذي يعيشون فيه من أهم مسببات الإحباط والغضب، يتمثل الجزء الأساسي في المشكلة في تضارب احتياجات الآباء مع اهتمامات الأبناء؛ فالكبار بحاجة دائمة إلى النظافة والنظام والروتين، أما الأبناء فلا يهتمون بذلك.

ولكي يلبي الآباء احتياجاتهم يقومون دائمًا بإلقاء الأوامر، مما يجعل الأبناء يتعاملون أحيانًا بدافع العداوة؛ فيصبح موقف الأبناء: «سنفعل ما نريد»، وموقف الآباء: «ستفعلون ما نطلبه منكم»، وتثور الخلافات بين الطرفين.

إن الطريقة التي نوجّه بها أبناءنا نحو ما يجب عليهم فعله أهم من الفعل ذاته، فالشعور الكامن خلف أفعالنا يحدد هذه الطريقة، حيث يمكن للوالدين أن يقولا: «ماذا تعلمت من ذلك؟!» بنبرة لائمة تؤدي إلى شعور الأبناء بالعِناد والنفور، أو بنبرة متعاطفة مهتمة تخلق جوًا من القرب والثقة.

تحدثنا في السابق عن كيفية مساعدة الآباء لأبنائهم على التعامل مع مشاعرهم، والآن نركز على معالجة الآباء لبعض مشاعرهم التي يعانون هم أنفسهم منها، وكيفية بناء المزيد من جسور الثقة والاحترام المتبادل والتعاون بينهم وبين أبنائهم.

لنعد معًا أولًا إلى رحلة في ماضينا القريب، ونلقي نظرة على أكثر الطرق التي كان يتم التعامل معنا بها في طفولتنا من آبائنا والتي توارثناها في تعاملنا مع أبنائنا بشكل تلقائي، ولنتذكر كيف كانت ردود أفعالنا ومشاعرنا حينها.

10  طرق خاطئة متوارثة في التعامل مع أبنائنا

1. اللوم والاتهام

كم مرة تعرضنا للوم والاتهام من قبل والدينا وسمعنا مثل هذه الكلمات: «كم مرة قلت لك لا تترك ملابسك المتسخة هكذا؟ ألا تستطيع وضعها في سلّة الغسيل؟»، «المشكلة أنك لا تسمع أبدًا ما أقوله لك». علينا أن نتذكر فقط مشاعرنا عند سماعنا تلك الكلمات.

2. الشتائم

كيف كان شعورنا تجاه أنفسنا بعد تعرضنا لشتائم مثل هذه: «للحذاء مكان مخصص خارج الغرفة ثم يأخذك غباؤك لتضعه بجوار سريرك!»، «هل يأكل أحد بهذه الطريقة؟ أنت مقرف»، «الحيوانات فقط هي ما يترك أماكنها قذرة وأنت مثلهم لذلك تترك غرفتك بهذا الشكل».
3. التهديد

كيف كان حال قلبك عند تعرضه لتهديد كهذا: «إذا لم ترتدِ ملابسك خلال 5 دقائق فسأغلق باب البيت وأتركك وأذهب»، «المس هذا الكوب مرة أخرى وسوف ترى ضربًا لم تره في حياتك».

4. الأوامر

«رتِّب غرفتك الآن في هذه اللحظة»، «لم تنهِ واجباتك حتى الآن؟ هيا أكملها أمامي.. أنجز.. أسرع».

5. إلقاء المحاضرات ودروس الأخلاق

«هل يعجبك منظر غرفتك وهي متسخة وغير منظمة؟ ما يجب أن تفهمه أن الإنسان المنظم في غرفته يمكنه أن يكون منظمًا في كل جوانب حياته ويحبه الناس لنظامه ونظافته».

6. التحذيرات

«انتبه، ستصدمك السيارة»، «لا تلمس الكوب؛ سوف تكسره»، «لا تتسلق الحائط هل تريد أن تسقط؟».

7. عبارات الضحية

«دائمًا تتركون غرفتكم متسخة لأقوم أنا بتنظيفها، ماذا تريدون مني؟ هل يعجبكم أني دائمًا متعبة؟ انتظروا غدًا سيأتي أبناؤكم ويردون كل ذلك لكم»، «إن أقعدني المرض فاعلموا أنه بسببكم».

8. مقارنات

«لماذا لا تكون مثل أخيك دائمًا ينهي واجباته أولًا بأول؟».

9. السخرية

«بذكائك الخارق تركت كتبك في المدرسة وأنت تعلم أن لديك امتحانًا غدًا»، «لا يمكنني قراءة الكتابة الهيروغليفية التي تكتبها!»

10. التنبؤ

«لن تفلح في حياتك أبدًا، ولن يثق فيك أحد، ستظل أنانيًا ولن يلعب معك أحد من زملائك».

كيف نعالج أفكارنا ونصحح معتقداتنا القديمة؟

بعد استعراض هذه الطرق القديمة يمكننا أن ندرك أمرًا مهمًا، وهو أن نبرة اليأس التي نسمعها من المربين المتمثلة في كلمة: «ماذا نفعل؟ هكذا ربانا آباؤنا وهكذا تعلمنا كيف نربي أبناءنا»؛ هي نتاج حالة من الإحباط أفرزته هذه الطرق، مما يجعلنا ندور في رحى هذه الحالة لنتقاسم وابل الإحباط بيننا وبين أبنائنا. ولكي نعالج أفكارنا القديمة ومشاعرنا تجاهها؛ لنعرف أولًا معنى: سوء السلوك.

إن سوء السلوك ليس سوى نقص في المعرفة أو نقص في المهارات، وغالبًا ما يعاني الكبار من النقص نفسه في المعرفة والوعي والمهارات، ولا يملكون معلومات كافية عن السلوك الإنساني ونمو الطفل، فيظنون أن السلوك الخاص بالمرحلة العمرية نوع من سوء السلوك، مما يجعلهم يلجئون للطرق القديمة في التربية.

 وفي كثير من الأحيان، ما يبدو وكأنه سوء سلوك لدى الأطفال هو في حقيقة الأمر جزء من تطور النمو الطبيعي عندهم، وما يعد سوء سلوك ربما يكون ناتجًا عن كون عقولهم لما يتطور بعد بشكل كافٍ لفهم المتوقع منهم، أو ليس لديهم المهارات الاجتماعية أو اللغوية اللازمة للحصول على ما يريدون بطريقة مقبولة اجتماعيًّا، ولهذا السبب تنتشر صراعات القوى بين الكبار والأطفال.
الطفل كائن اجتماعي، هدفه الشعور بالانتماء والأهمية.

ألفريد أدلر

بحسب المفاهيم الأساسية التي حددها عالم النفس «ألفريد أدلر»، فإن الأطفال كائنات اجتماعية تبحث عن الشعور بالانتماء والأهمية عبر قناعاتهم التي يحددونها من خلال رؤيتهم لأنفسهم، والتي تحددها ردود أفعال الكبار عليهم وشعورهم تجاههم، فإن الطفل الذي يسيء السلوك يحاول أن يقول لنا: «أنا لا أشعر بالأهمية والانتماء، ولدي معتقد خاطئ عن كيفية تحقيق ذلك».

وغالبًا ما يتضح الشعور الكامن خلف الكلمات في نبرة الصوت، فعندما تتركز ردود أفعالنا في اللوم والسخرية وإعطاء الأوامر، تتحول كلماتنا إلى حالة من الإذلال والتعنيف، والتي تخالف مبدأ الاحترام الذي نتمنى أن نجده في التعامل مع أبنائنا.

ولو أننا وضعنا أنفسنا محل أبنائنا وتذكرنا مشاعرنا تجاه هذه الطرق القديمة لوجدنا أنها تنتج الشعور بالذنب والخوف والإحساس بنقص الأهمية، وافتقاد الثقة بالنفس، ووصم النفس بما لم تخلق لأجله ولا به: «أنا غبي»، «أنا فاشل».
ما الذي يجب على الوالدين فعله؟ 5 طرق توضح لك ذلك

التحدي الخاص بالكبار هو التخلي عن الفكرة المجنونة القائلة بأننا نتعلم بشكل أفضل عندما نتعرض للإيذاء أولًا!

فمن الأمور الراسخة في ثقافتنا أن علينا إيذاء الأطفال أولًا حتى نعلمهم الصواب والخطأ، وهذا ما يخالف منهج الرسول – صلى الله عليه وسلم – في التربية وللأسف تتسبب نظرة الاشمئزاز ونبرة عدم الرضا من قبل الأهل في جرح كبير للابن، وتتحول كلمات مثل «غبي، مهمل، وغير مسئول» إلى سلاح يستخدمه الأبناء ضد أنفسهم.

والتعليم والتربية هنا يجب أن تتسم بالطرق التي تمنح الأطفال شعورًا بالاحترام والاهتمام من قبل الوالدين، بحيث يكون الكبار مرآة من الأخلاق، حين يتطلع إليها الأبناء تكون سلوكياتهم رد فعل يتصف بالاحترام المتبادل مع الوالدين، ونجد ذلك وقد وصانا به معلمنا الأول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه عنه أبو هريرة: «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق».

بعد فهم سلوكنا وسلوك الأطفال ومعالجة أفكارنا القديمة يمكننا أن نتعلم طرقًا محددة وأدوات واضحة للوصول إلى ترغيب أبنائنا في التعاون معنا بشكل أفضل.

1.  وصف المشكلة

من الصعب أن يؤدي الطفل ما عليه وهو يتلقى تهديدًا أو سؤالًا تهكميًّا أو توبيخًا، ولكن إذا ما وصفت للطفل المشكلة مباشرة يصبح مدركًا تمامًا لها، وسيكون لديه فرصة للتفكير في الحل، أو فرصة لتذكر ما عليه فعله، فبدلًا من قول: «كم مرة قلت لك أن تطفئ مصباح الحمام بعد أن تستخدمه؟!»، يمكننا أن نقول: «المصباح في الحمام لا زال مضيئًا».

2. إعطاء المعلومات والتركيز على الحلول

تساعد المعلومات الطفل في فهم ما يجب عليه فعله، وتنمي عقله وتوسع إدراكه بشكل كبير، وتكون مقبولة بالنسبة له، وتساعد الوالدين والأبناء في التركيز على الحلول بدلًا من التهديد أو إلقاء المحاضرات أو السخرية، مثال ذلك بدلًا من أن نقول بنبرة حادة: «من شرب الحليب وترك الزجاجة خارج الثلاجة؟» يمكننا أن نقول: «يا أولاد، يصبح طعم الحليب حامضًا إذا بقي خارج الثلاجة». مثال آخر: «إن وجدتك تكتب على الجدران مرة أخرى فسأعاقبك»، يمكننا أن نقول: «الجدران ليست للكتابة، الورق هو المخصص لذلك».

3. اختصار الكلام

يعتاد الأبناء اللعب الكثير حتى يلهيهم ذلك عما يجب عليهم القيام به تجاه أنفسهم، كأن يلهيهم عن ارتداء ملابسهم، فتبدأ الأم في إعطاء محاضرات مصحوبة بالصوت العالي حول عدم الالتزام باتفاقاتها معهم: «وكم مرة قلت لكم ارتدوا ملابسكم ولم تجيبوني».

يجرنا الصوت العالي وكثرة الكلام إلى حالة أشد غضبًا وحنقًا تجاه أبنائنا، وقد يصبح الصوت العالي عائقًا في فهم الطفل ما نقول، لأنه لا يسمع إلا صراخًا فقط، لكن إذا استطعنا أن نختصر الكلام لكلمة تلفت انتباه الأبناء إلى ما يجب عليهم القيام به كأن نقول: «يا أولاد.. ملابسكم»، «كتبكم ليست في أماكنها».

4. مشاركة المشاعر

حين نفصح عن مشاعرنا ونشاركها مع صغارنا نكون أكثر صدقًا ونخبرهم ما نريد دون أن نؤذيهم أو نؤلمهم؛ مما يجعلهم يحبون التعامل معنا حتى في حالة الغضب ما دمنا لا نهاجمهم. كأن نستبدل قول: «أنت مزعج» بقول: «أشعر بالانزعاج من صوت الصياح، يمكنك اللعب بهدوء».

5. كتابة الملاحظات

يرهقنا كثرة الإلحاح على أبنائنا فيما يجب عليهم فعله، ويثير ضيقنا نسيانهم المتكرر لواجباتهم ومهامهم الشخصية؛ لذا يمكننا أن نكتب ملاحظة نجذب بها انتباههم، وربما أضفينا على كلماتها شيئًا من المزاح لمزيد من التشجيع، كأن نكتب على دولاب ملابسهم ورقة تقول على لسانه: «يا أولاد، أرففي تشتاق ملابسكم أعيدوها رجاء وإلا بكيت»، وبجوار الكلمات وجه يضحك.

الآن وقد أصبح لدينا خمس مهارات جديدة بإمكاننا أن ندرب أنفسنا عليها، وربما وجدنا بعضها مناسبًا لنا ولأبنائنا، وبعضها غير مناسب، أو قمنا بعمل مزيج بينهم جميعًا، لكنها على كل حال ستساعدنا على خلق جو من التعاون والاحترام المتبادل في أسرنا وتجعلها أكثر دفئًا وودًا.

وكالات