شبان 48 يرفضون الخدمة المدنية في جيش إسرائيل
في مدينة الناصرة، عاصمة الجليل الفلسطيني، أطلقوا الشرارة؛ مئات الشبان والصبايا من عرب منطقة 48 التقوا في مؤتمر شعبي مناهض للخدمة «الوطنية» التي تحاول إسرائيل فرضها عليهم كفاتحة لجر الشبان العرب، الى الخدمة العسكرية. وجاء المهرجان بمبادرة من اتحاد الشباب الديمقراطي، لكنه ليس التحرك الأول ولا الأخير في المعركة ضد ما يعتبره هؤلاء الشبان محاولة جديدة لفرض «الأسرلة».
لقد فرضت إسرائيل الخدمة العسكرية بموجب قانون سن في العام 1949. لكنها لم تطبق القانون على المواطنين العرب لدوافع أمنية. وفي مسعى الى زرع الفتنة الطائفية بين المواطنين الفلسطينيين، أبطلت في العام 1956 استثناء الشبان الدروز من الخدمة العسكرية. وبمرور السنوات، اتسعت الخطة بفتح أبواب الجيش الإسرائيلي أمام المتطوعين العرب من بقية الطوائف.
في السنوات الأخيرة انطلقت أصوات إسرائيلية تطالب بفرض الخدمة على الشبان العرب، ولكن في ضوء رفض الشبان العرب للخدمة في جيش يحارب شعبهم الفلسطيني من جهة، والدول العربية من جهة أخرى، اخترعت القيادة الإسرائيلية مسميات مضللة لهذا المشروع. فتارة أسموها «خدمة مدنية» وتارة «خدمة وطنية». ومع كل صوت يرفعه عرب 48 مطالبين بالحقوق والمساواة، يربط الإسرائيليون تحقيق ذلك بما يسمونه «الواجبات».
قبل سنتين حاولت إسرائيل مجدداً تحقيق مآربها، وخرجت لجنة رسمية بتوصيات تدعو إلى «منح امتيازات لمن ينضم إلى الخدمة». ولاقت هذه التوصيات، معارضة واسعة في المجتمع الفلسطيني، الذي اعتبر ربط الحصول على الحقوق والمساواة بالخدمة الوطنية أو المدنية، يتناقض مع المواثيق والمعاهدات الدولية.
والمتتبع لأوضاع المواطنين العرب في منطقة 48، يجد أنه لا يوجد أي اختلاف في تعامل المؤسسة الإسرائيلية، القائم على سياسة التمييز والاضطهاد، مع أي شريحة من شرائح المجتمع العربي، لا بين تلك التي يخدم أولادها في الجيش، ولا تلك التي لم تتطوع للخدمة، فالقرى العربية الدرزية والقرى البدوية لا تختلف مطلقا من حيث أوضاعها عن بقية البلدات العربية، لا من حيث الخدمات ولا من حيث سياسة مصادرة الأراضي ولا في غيرها من المجالات الحياتية.
غير ان بعض الشباب قبل الإغراءات الإسرائيلية والتحق بالخدمة، بعضهم في الجيش، وآخرون في الشرطة. وترفض المؤسسة الإسرائيلية نشر معطيات رسمية حول نسبة هؤلاء، لكنه حسب تقديرات المحامي سعيد نفاع، بلغ عدد المتطوعين العرب في الشرطة قرابة 7000 شاب، وعدد المتطوعين في الأجهزة الأمنية المختلفة 4000 شاب، وهي معطيات أثارت قلقه وقلق المحاربين ضد «أسرلة الشبان العرب».
وبحسب معطيات نشرتها وسائل إعلام عبرية، أخيراً، ارتفعت نسبة المجندين من الشبان المسلمين والمسيحيين في السنوات الأخيرة، وهي معطيات قرعت ناقوس الخطر وقادت إلى التحرك الشبابي المناهض للخدمة.
احد المبادرين إلى هذا التحرك كان صالح علي (28 سنة) من سكان الناصرة، الذي يعتبر «أن الحديث لا يجري عن خدمة وطنية أو مدنية كونها لا تمت بصلة الى الوطنية الفلسطينية».
ويضيف: «ان الهدف من هذا المشروع هو سلخ الشبان العرب عن شعبهم الفلسطيني ومقدمة لضمهم إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بهدف تفتيت البنية الاجتماعية والقومية العربية». ويرى أنه «إذا كان لا بد من الخدمة الوطنية فيجب أن تكون خدمة وطنية فلسطينية من خلال مؤسساتنا الأهلية والوطنية وليس من خلال المؤسسة الأمنية الإسرائيلية».
وترى الشابة سهير أسعد (19 سنة)، من قرية اكسال، في مشروع الخدمة «محاولة لكسر الحاجز النفسي لدى الشبان العرب المعارضين لكل ما يرتبط بالجيش الإسرائيلي».
وتقول إن «الأهداف الخفية لهذا المشروع أعمق من أهدافه المعلنة فإسرائيل تسعى إلى سلخنا عن مجتمعنا الفلسطيني وجعلنا نُغلب المصلحة الشخصية وتنمية الشعور بالأنانية».
والموقف ذاته تتبناه عناب حلبي (19 سنة) من قرية دالية الكرمل. وعناب هي ابنة للطائفة العربية الدرزية التي فرضت عليها الخدمة الإجبارية، وتقول «إن إسرائيل استخدمت الشبان الدروز سلاحاً لتمزيق النسيج الوطني للعرب الفلسطينيين في منطقة 48».
ويرى الشبان الثلاثة في الادعاء بأن «الخدمة تحقق المساواة»، مسألة مثيرة للسخرية. ويقولون إن دولة تدعي الديموقراطية يجب أن لا تربط الحقوق بالواجبات. «الحقوق تولد مع الإنسان وإذا لم أتجند فهذا لا يعني انه يحق للدولة حرماني من حقوقي»، تقول سهير.
وتقول عناب انه على رغم فرض الخدمة على الشبان الدروز فإن أوضاعهم لا تختلف عن بقية الشبان العرب، بل إنهم يواجهون التمييز داخل صفوف الجيش.
وتعتبر أن إسرائيل نجحت بفرض الأسرلة على جانب من الشبان الدروز، لكنها لم تصل إلى باطنهم: «نحن لسنا كما يحاولون تصويرنا، وإذا كان هناك من يبحث من بيننا عن مصالح ومآرب شخصية وسياسية، فهؤلاء لا يمثلوننا».
ويقول صالح: «إسرائيل لا تعدنا بحقوق جماعية كما تدعي مقابل الخدمة، وحتى لو فعلت ذلك فسنبقى على موقفنا الرافض للخدمة وسنواصل نضالنا لتحصيل حقوقنا خصوصاً اننا أصحاب الأرض الأصليين».
وترى عناب حلبي ان أمام المعروفيين الأحرار مهمة صعبة، «خصوصاً في هذه الظروف، حيث بتنا نواجه وللأسف جدالاً يثور حول ما إذا كان الدروز عرباً»!
وتنتمي عناب إلى جمعية الجذور التي انطلقت أخيراً للعمل في الشارع الدرزي ضد التجنيد الإجباري. وتقول: «الجدناع» يأتون إلى المدارس ويغرون شبابنا للانخراط في الجيش، ونحن نشجع طلابنا على رفض الخدمة وشق طريقهم في مجالات التعليم». وتجزم بأن «التجنيد لم يحقق أي شيء للدروز».
في مهرجان الناصرة فاق عدد الحضور توقعات المبادرين، ويعتبر صالح علي هذا التجاوب مؤشراً الى نجاح الحملة ضد الخدمة، على رغم صعوبة المهمات المنتظرة. ويقول إن الخطوة المقبلة تشمل تنظيم حملات توعية في مختلف البلدات العربية والمبادرة إلى تشكيل هيئات محلية لمحاربة المشروع.
وتوجه سهير نداء إلى من وقعوا في حبائل المشروع الصهيوني وتقول إن الخدمة لن تحسن حياتهم بل ستفقدهم ثلاث سنوات يمكنهم استغلالها لتحقيق مكاسب علمية. ففي النهاية، تقول سهير، «حتى بعد انتهاء الخدمة سيسمع الجندي العربي من الجنود اليهود عبارة «عربي قذر».
وليد ياسين
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد