سنة أولى زواج: يوميات صعبة
«يشخر طيلة الليل، ولا يدعني أنام. لو كنت أعرف ذلك قبل الزواج، لما تزوجته»، تقول لمى ضاحكةً من محمد، زوجها منذ أربعة أشهر. يقاطعها هو محتدّاً: «كم ساعة تمضين في الاستحمام؟ تحتلّين الحمّام احتلالاً وأنا ساكت وراضي». كثيرةٌ تفاصيل الحياة اليوميّة المشتركة، بعضها يُشعِرُ الزوجين بأنّهما يتعرّفان بعضهما على بعض من جديد، رغم أنّ علاقتهما خمس سنوات قبل دخولهما القفص الذهبي.
مسلسل «ما قبل الزواج وما بعده» هذا، يتكرر كثيراً في أدبياتنا اليوميّة. بعض أساطيرنا تصوّر النقلة كعبور من الجنّة إلى النار، وبعضها الآخر يصبغ الحياة الزوجيّة باللّون الوردي. رغم كلّ هذا الموروث الذي نجده في الأفلام وفي الأغاني ونردده في نكاتنا الشعبيّة، تبقى المسألة في الواقع أكثر تعقيداً بكل ما فيها من مفاجآت (سارّة وغيرة سارّة). يختلف ميزان السلبيات والإيجابيات في التأقلم مع الوضع الجديد بين ثنائي وآخر، وتقول نجلاء حمادة، أستاذة فلسفة التحليل النفسي في «الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة»، إنّ تقاليد النقلة هذه مسألة حساسة في المجتمع العربي واللبناني تحديداً، لأنّها «خاضعة لصيغة هجينة تمزج بين النمط «المودرن» والنمط التقليدي في الارتباط، والجمع بينهما صعب، ويخلق ازدواجيّة في التعاطي». وتضيف حمادة: «أن تكون «مودرن» مئة في المئة أو تقليدياً مئة في المئة، أسهل بكثير من هذه الخلطة. المشكلة تكمن في جمعنا للتقاليد وللرغبة بالتفلّت منها في الوقت نفسه، ما يجعل فهمنا لنوعيّة العلاقة قبل الزواج وبعده مبهماً». هذا ما نجده بالفعل في تجارب كثيرة من حولنا.
ريتا مثلاً، استمرّت علاقتها بزوجها اثني عشر عاماً قبل الزواج، لكنّ «العلاقة أصبحت أقوى وأعمق بعد الزواج. مشاعرنا أصبحت أكثر زخماً، وأنا أصبحت أتدلع أكثر من السابق». رغم العشرة الطويلة، لم تكتشف ريتا أنّ شريك حياتها طوني لا يقول صباح الخير لأحد إلا بعد فنجان «نيسكافيه»، «لكنني أستمتع كثيراً باكتشاف هذه العادات الجديدة لأنني أحبه كثيراً». بالنسبة لرقيّة وجهاد، اختلفت الحال. لطالما تباهت رقيّة بمعرفتها بطباع الحبيب بتفاصيلها المملّة. «بالغتُ قليلاً» تقول اليوم بعد أشهر من الزواج. «ذوقه في الطعام صعب مثلاً، كما أنّه يكره وجود صديقاتي في المنزل، ويجد حجّة للخروج عندما يأتين لزيارتي». أمّا هو فيعلّق: «لم أكن أعرف أنّها تحبّ الثرثرة إلى هذه الدرجة، تمضي ساعات على الهاتف مع أخواتها وبنات خالاتها و...».
مريم، تزوّجت منذ سنة تقريباً، وأصبحت أماً منذ أسابيع. ليست سعيدة بوضعها الجديد، فزوجها يتركها مع ابنهما، ويذهب ليسهر مع أصدقائه. «سمنت قليلاً، لذا أصبح يخجل من الخروج معي أمام أصدقائه». إلهام وزوجها أحمد أيضاً، لم يذوقا طعم العبور على مهل، بعدما دفعتهما الظروف إلى السكن في بيت أهله. «لم أشعر بأنني عروس يوماً، كنت أكتشف عائلته معه. حتّى من الناحية الجنسيّة، لم أشعر بأنني مرتاحة، لأنّ العيون كانت تلاحقني دائماً» تقول بخجل. «أفتقد تلك التفاصيل الصغيرة كثيراً، الكثير من الضجيج يلهيني عنها، وهو أيضاً لم ينتبه لي، ولا لعاداتي، وأصبح محرجاً من مغازلتي حتّى!».
تعتقد نجلاء حمادة، أنّ السبب الرئيسي في «صدمة ما بعد الزواج عند البعض، يكمن في التوقعات العالية التي ينتظرها الاثنان بعضهما من بعض. الاصطدام بهموم الواقع وتفاصيله اليوميّة، يخيّب آمال من كان يتوقّع أن تسير كلّ أموره على خير ما يرام. لذا، يجب أن يبقي من هم على أبواب الزواج أرجلهم على الأرض، وألا يتوقعوا نجاحات خياليّة لمشروعهم الجديد».
ديالا مثلاً تعلّمت كيف تغيّر شيئاً من ثوابتها من أجل إنجاح المشروع. عندما كانت عازبة، كانت تترك عملها إذا لم يعجبها، لكنها اليوم، تعدّ حتّى العشرة قبل أي قرار بتغيير العمل. «نشعر بأننا ننتمي بعضنا لبعض، لذلك يقدّم كلٌّ منا تنازلات من أجل سعادة الآخر» تخبرنا. «أنا لا أحبّ الواجبات الاجتماعيّة مثلاً، لأنني أعود متعبة من عملي، فيما يهوى زوجي السهرات مع الأصدقاء، ولكي أرضيه، أشاركه في كلّ شيء رغم تعبي».
نسرين تتحدث عن تأقلم من نوع آخر: «في السابق، كنت أفكّر بعائلتي وأشعر بالذنب إذا بقيت مع طوني وقتاً طويلاً. اليوم، اهتمامي كلّه منصبٌّ على زوجي وعلى بيتنا». تتنبّه نسرين إلى روعة وقت الفراغ، الذي لم تعد تخشى وجوده في العلاقة بعد الزواج. «قبل أن نتزوّج، كان واجباً علينا دائماً أن نملأ وقتنا بشيء ما حين نلتقي، نتناول الغداء في مطعم، نشاهد فيلماً، نشتري هديّة. الآن لم أعد ملزمة بكل هذه التعقيدات، يمكنني مثلاً أن أقف أمام التلفاز وأقوم ببعض الحركات المجنونة، ولا شيء يمنعني من ذلك. أيام الأحد نقرر أنا وطوني مشاهدة فيلم نحبّه ثلاث مرّات متتالية، ولا شيء يمنعنا من ذلك» تضحك. «حياتنا ليست مثالية، فكل منّا يحمل عادات قد لا يحبّها الآخر، لكننا نجلس دائماً ونتحدّث عمّا يزعجنا ونتعاون على حل الأمور العالقة بيننا». هذه الأحاديث، كما تؤكّد نجلاء حمادة، هي بيت القصيد في نجاح أي علاقة، إذ تقول: «الجزء الأكبر من الزواج، أن يعيد الاثنان تربية بعضهما بعضاً من جديد».
سناء الخوري
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد