زياد.. الناطق الرسمي عن ذواتنا
الجمل-*رويدا الجراح:
- يزودنا زياد الرحباني ببهجة نسينا بأنها في متناول يدنا. يذكرنا بأننا بشر نحب ونغضب ونسخر وننقد ونعترض ونوافق ونسلم.
- هو زاد لكل رحلاتنا اليومية، وكم نحن ضائعون ضمن الأشياء اليومية المقيتة، وكم هو ملتقط لماح لتلك الأشياء ليحولها بسحره لأمور ممتعة ومحبوبة وجميلة.
- آلاف من الجماهير تدخل باختيار و طواعية إلى القلعة، بل اشترت بطاقة لتدخل لهذه القلعة، وتنشد السجن ضمن جدرانها التي تحكي آلاف الحكايات..ومخطوط على نتوءات حجارتها موسوعات و مجلدات من الأحداث والتواريخ، كل هذه الجموع تطلب السجن والحبس لتلمس ولتمسك بذواتها ولو لمدة ساعتين، زياد..زياد الرحباني، بل هو زياد الذات الإنساني.. لا أحد يقول الفنان أو المبدع، ولا أحد يسميه بأية ألقاب، الجميع وعلى شتى المستويات ينادونه باسمه الأول زياد. هذه المناداة الحرة دون أي تحفظ تثبت فهم هذا المخلوق أل زياد للذات البشرية بكل تنوعها واختلافها، كما يثبت فهم الناس لذلك المخلوق الخارق والمكون من نغم وخلاصة ذكاء وبساطة.
يجعلنا هذا المخلوق.. نعتقد بأن ألحانه بسيطة لدرجة يحسسنا بأنها صوت أنفاسنا، مثل نبض ودقات قلوبنا لذلك ننساق جميعنا دون أي تحفظ بما يقرره هو عنا، وكلنا نرضخ وبحرارة لهذا القرار. أنا هنا لا أضفي على زياد الرحباني أي صفة تبجيلية وإنما أقول ما أحس وما يحسه الناس نحو هذا المخلوق.
- كلام مقطوعاته هي الكلمات نفسها التي تنطق فيها ألسنتنا، عندما نثرثر مع حالنا أو مع بعضنا بالطريقة العفوية العادية، ونحن لا نملك تقدير كلامنا العادي، و لانعطيه حقه بالنطق، هو يملك تقدير ذلك الكلام ويتقن كيف يعيده علينا بأسلوبه الذي هو أسلوبنا، نحن نرمي بالكلمات و نموتها ونهملها ونستخف بها، و هو لوحده يمسك بها و يبعث في كل جملة من الكلام العادي المتعاطين فيه..روح.. روح حية..نابضة منبهة إيانا بأننا نعرف هذا الكلام، ولا نعرف بأنه على هذا المقدار من العظمة.
- زياد يصنع من الكلام العادي طاقة سحرية، ولا يجمله ولا يغلفه ولا يغيره، بل يطرحه ضمن نوع من الموسيقى الصادرة عن إحساسه بذلك الكلام، ولو ابحر كل منا بتجليات الموسيقى التي ترافق نبرات الكلام لوجدنا بأننا نعرفها، ولكن لا نعرف كيف نصيغها..وأحياناً كثيرة لا نعرف كيف ننطقها..هو يعطي للكلام موسيقاه الحقيقة العفوية السلسة والغير مفركة.. لذلك عندما نسمعها بطريقته نعيد لفظها باللحن العفوي والمناسب للفظ ذلك الكلام، ودون أي تفكير نردد معه كل الكلام الذي هو.. من نبهنا بأنه هذا كلامكم.. فقولوه على هذه الطريقة.
- كل تلك الجموع من البشر دخلت إلى القلعة لتحبس.. مع كلامها و صوت نسيج موسيقى تركيبتها الإنسانية، من خلال رسول متواضع قريب من الأرض يمسك بكل سهولة بشغاف القلب. ويملك تلك الحالة من المعرفة العميقة، ليكون المؤشر.
كم هو كلامنا ولحن ذلك الكلام وموسيقاه يا زياد من خلالك مدهشة. وعظيمة.
و كل تلك المحبة التي هي أوسع من الحب لزياد الرحباني، لأنه الناطق الرسمي عن ذواتنا.
* كاتبة ومخرجة درامية
إضافة تعليق جديد