دمشق تتأهب و أولمرت يناور بالتفاوض؟
الجمل ـ سعاد جروس :منذ توقفت المفاوضات السورية الاسرائيلية في آذار €مارس€ من العام 2000 والسؤال يتكرر: متى يحين موعد استئناف هذه المفاوضات؟ الأسبوع الأخير أعاد السؤال الى التداول الدبلوماسي والسياسي معاً عندما دعت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيفي ليفني €وتبعها عمير بيريتس€ الى تشكيل فريق عمل لاستئناف الحوار مع سوريا بعد ست سنوات من الانقطاع, وبات السؤال الجديد: لماذا يهرب أولمرت الى التفاوض؟ قامت وزيرة الخارجية تسيفي ليفني بتشكيل مجموعة عمل حول سوريا برئاسة ياكوف دايان, من أجل التحضير لحوار «محتمل» مع سوريا من خلال دراسة كل المشاكل بين سوريا وإسرائيل بهدف «الاستعداد سياسياً». جاءت هذه الخطوة وسط سجال سياسي احتدم في إسرائيل بعد فشل العمل العسكري الإسرائيلي في لبنان. فرأى البعض ان الحديث عن ضرورة العودة الى العملية السياسية, حرف للنقاشات حول أسباب الفشل العسكري في لبنان, فيما مضى تيار آخر نحو الدعوة الى جولة عسكرية تالية تستهدف دمشق أولاً. ما بين الفريقين تبقى الاحتمالات على الجانب الإسرائيلي رهن التجاذب الداخلي, فيما ترى دمشق أن المنطقة قادمة على مرحلة لا تحتمل حالة اللاسلم واللاحرب. فهل تفضي تداعيات النصر اللبناني والفشل الإسرائيلي الى حل سياسي شامل, أم إلى مواجهات عسكرية أوسع؟ فُهم خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في افتتاح المؤتمر الرابع للصحفيين, على أنه خطاب حرب, على خلفية معلومات عن تحضيرات سورية لمواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل, في حال فكرت إسرائيل تعويض فشلها في لبنان عبر توجيه ضربة الى سوريا. جاء السجال الإسرائيلي حول العودة الى طاولة المفاوضات مع سوريا, كما وضح الرئيس الأسد في حديث لتلفزيون دبي أن خطابه كان خطاب سلام , وهو يتحدث عن المقاومة والسلام كثنائية متلازمة, فالمقاومة من أجل السلام, إلا ان الأسد نبه الى ان سوريا علمتها التجارب ألا تنخدع بالكلام الإسرائيلي عن السلام, وأنه من الممكن جداً أن تكون الطروحات الإسرائيلية «بالونات اختبار». فالإسرائيليون الذين يفكرون في عودة المفاوضات مع سوريا, إنما يفكرون بتحقيق الأهداف التي فشلت بتحقيقها عسكريا, إذ كان المقصود تجريد سلاح «حزب الله» بغية كسر محور الممانعة إيران سوريا قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية. ويتم الآن البحث في عملية سياسية تخرج سوريا من ذلك المحور عبر الدعوة الى مفاوضات سلام ثنائية, لأنه من وجهة النظر الإسرائيلية سيحقق ذلك عدة أهداف: 1 وقف وصول السلاح من ايران الى «حزب الله» عبر دمشق, وبالتالي شل فعالية المقاومة. 2 إشراك «حماس» واستكمال دائرة السلام حول إسرائيل. وسيكون ثمن ذلك الانسحاب من الجولان. وقد رأى وزير الأمن الداخلي آفي ديختر, أن «إسرائيل تستطيع الانسحاب من الجولان مقابل سلام حقيقي» إلا أنه فيما يتعلق بالمياه, شدد ديختر على أنه «من الصعب التنازل عن قضية المياه في الجولان». وعلل موقفه بالقول: «إن المسار السياسي أفضل من أي مسار عسكري مع السوريين واللبنانيين». كلام ديختر لم يلق ردوداً سلبية من قبل تيار اليمين المتشدد وبعض اليسار في الأوساط الإسرائيلية وحسب, بل قوبل برفض من رئيس الحكومة أيهود أولمرت بقوله, إن إسرائيل لن تتفاوض مع سوريا «حتى توقف دعمها للإرهاب, وتمتنع عن تقديم الصواريخ للمنظمات الإرهابية, وتكف عن رعايتها», مشيراً إلى ضرورة عدم التعلق بآمال عبثية. كما ان التيار المتشدد في إسرائيل راح يضغط باتجاه اخضاع سوريا عبر استهدافها عسكرياً كخطوة أساسية لدحر «حزب الله» وإضعاف إيران وسيطرتها الإسلامية الراديكالية في الشرق الأوسط. ويعتبر هذا التيار أن العنوان الاستراتيجي للتعامل مع «حزب الله» ولاستعادة قوة الردع الضائعة هو دمشق, وأن الحملات الجوية التي لم تنفع في القضاء على «حزب الله» ستكون مجدية ضد دولة مثل سوريا ضعيفة وغير قادرة على الدخول في حرب مع إسرائيل. وذلك سيجعل الفلسطينيين, وهم الأكثر تأثراً بنجاحات «حزب الله», يغيرون سلوكهم تجاه إسرائيل. هذه الرؤية الإسرائيلية لاستئناف المفاوضات مع سوريا, تنفض الغبار عن السجال السوري الإسرائيلي حول العملية السلمية, من دون أن يطرأ عليه أي جديد منذ توقفه في آذار €مارس€ 2000 , حيث تتهم إسرائيل سوريا بأنها ضيعت فرصة كبيرة لتوقيع اتفاق سلام, فيما باتت سوريا على قناعة تامة بأن إسرائيل لا تريد السلام استناداً إلى تجربتها السياسية في هذا الخصوص. فبعد حرب الخليج 1991, ومشاركة سوريا في مؤتمر مدريد للسلام, انفردت الولايات المتحدة الأميركية برعاية المباحثات لاحقاً. وللمرة الأولى جلس المسؤولون السوريون والإسرائيليون معاً للتفاوض حول اتفاقية للسلام. استمرت المحادثات أربعة أعوام ونصف, وغالباً ما بدت مثمرة, ولكنها انهارت في آذار €مارس€ 1996. ثم عادت واستؤنفت بعد أن أصبح ايهود باراك رئيساً لوزراء إسرائيل, وأبدى الرئيس الراحل حافظ الأسد استعداداً كبيراً لتحقيق السلام ووافق على محادثات سياسية رفيعة المستوى من دون شروط, وعُقدت هذه المحادثات في شيبردزتاون في كانون الثاني €يناير€ في العام2000. ووفقاً للمشاركين الأميركيين, أبدى السوريون مرونة غير عادية حيال عدد من القضايا, بما في ذلك الإجراءات الأمنية و«العلاقات الطبيعية السلمية», وسرعان ما تبين أن باراك لم يأت من أجل عقد اتفاق إذ لم يعرض أي تنازلات متبادلة, خوفاً من المعارضة الداخلية التي أظهرتها استطلاعات الرأي للانسحاب الكامل من الجولان, وخشية أن يبدو متسرعاً في عيون الإسرائيليين. فرفض في قضية الانسحاب التعهد بالانسحاب الكامل إلى خط الرابع من حزيران €يونيو€, والجميع يعلم انها مسألة غير قابلة للتنازل عند السوريين, وغادر السوريون مع شعور بالغضب. ويرى بعض الدبلوماسيين الأميركيين أن شيبردزتاون كانت نقطة انعطاف وفرصة حقيقية ضائعة. بعد شهور عدة أقنع باراك الرئيس الأميركي بيل كلينتون بالقيام بمحاولة أخيرة لعرض المقترح الإسرائيلي, وأخبر كلينتون الرئيس الراحل حافظ الأسد بأن لديه عرضاً مهماً, وعقد لقاء قمة في جنيف يوم 26 آذار €مارس€ 2000. وفقاً لهذا الاقتراح لن تنسحب إسرائيل كلياً من الجولان, بل ستحتفظ بشريط من الأرض شرق الشاطىء الشمالي الشرقي لبُحَِِيرة طبريا كان خاضعاً للسيادة السورية قبل 4 حزيران €يونيو€ 1967 في الحقيقة يخضع هذا الشريط للسيادة السورية وفقاً للحدود الدولية للعام 1923 وكان باراك مستعداً لتقديم مقدار كبير من الأراضي مقابل ذلك جنوب شرق طبريا, الأمر الذي لا يلبي مطلباً أساسياً من المطالب السورية لأن السيادة السورية لن تصل إلى البُحَِِيرة. وقبل أن يكمل كلينتون عرضه بدا أن الاجتماع لن يؤدي إلى نتيجة, رفض الأسد المناقشة, كما رفض تقديم عرض مضاد قائلاً: «باراك لا يريد السلام» وهكذا انهارت المحادثات وأغلق المسار السوري, ليأتي بعدها انتخاب أرييل شارون رئيساً لحكومة إسرائيل ليقضي على أي فرصة لاستئناف المباحثات, كما انتهت ولاية بيل كلينتون الذي كان حريصاً طيلة فترة ولايته على حيازة لقب صانع السلام, ليستلم بعده الرئيس جورج بوش الابن الذي افتتح عهده بأحداث 11 أيلول €سبتمبر€ ما أدى إلى قرار أميركا بشن حرب استباقية على الإرهاب أفضت إلى احتلال أفغانستان , ووضع مشروع «الشرق الأوسط الجديد» موضع التنفيذ, وكان احتلال العراق وما تبعه من تداعيات في المنطقة, تخللتها مبادرة دولية لوضع خارطة طريق للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين, كانت سوريا ولبنان على هامشها, إلا أن حكومة شارون سعت ما بوسعها لتستغل الاضطراب في المنطقة لمصلحة فرض حلول أحادية الجانب, تتخلص بموجبها من قوى الممانعة في فلسطين ولبنان وسوريا, تحت عباءة الحرب على الإرهاب, من دون أن تضطر لتقديم تنازلات, وفيما كانت العملية السياسية تسير الى جانب العمليات العسكرية على المسار الفلسطيني, توقف التفاوض تماماً مع سوريا, واستبدل بعملية عزل دولية بدأت بعد احتلال العراق, ولم تأت النتائج على الأرض في العراق وفلسطين ولاحقاً لبنان, منسجمة مع حسابات الخطط الأميركية ولا الغايات الإسرائيلية, فحتى الحل العسكري الذي شجعت عليه أميركا إسرائيل لإحراز نتائج في لبنان, لم يفشل فشلاً ذريعاً وحسب, بل وأدى إلى عكس المطلوب, فقد بدت سوريا أقوى مما كانت عليه, بعدما ربحت في الرهان على المقاومة, وتعززت مكانتها العربية في الشارع, وبات من الصعب الاستمرار في عزلها. أما «حزب الله» وأمينه العام حسن نصر الله, فقد تحول من زعيم لبناني الى رمز عربي للبطولة, كما تضاعفت مشاعر الكراهية في المحيط العربي لأميركا وإسرائيل التي خسرت كثيراً من مكانتها في الغرب جراء الأعمال الوحشية التي ارتكبتها في لبنان. وتضاف تلك النتائج الى ما سبق وحققته «حماس» عبر الانتخابات التشريعية الفلسطينية, هذا ناهيك عما هو أكثر جوهرية وهو الفشل الأميركي في العراق. تلك النتائج وغيرها تجعل إسرائيل تعيد حساباتها, وهو ما كانت لن تقدم عليه لو لم تخفق عسكرياً أمام «حزب الله», إلا أن إعادة الحسابات لا تعني أن إسرائيل ستتجه مرغمة نحو مفاوضات سلام لحل كافة القضايا العالقة, بل ربما العكس تماماً, ستسعى إلى حل عسكري يؤدي الى حل سياسي يُمكنها من فرض شروطها؛ هذا على الأقل ما ينم عنه السجال الإسرائيلي في الأسبوع الأخير, حيث تلازم ارتفاع صوت السلام بالدرجة ذاتها لارتفاع صوت الحرب, ما يجعل سوريا لا تأخذ الكلام الإسرائيلي عن العودة الى المفاوضات على محمل الجد
بالاتفاق مع الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد