خطة سورية للاستفادة من طاقة«المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة»
الرفض أو الشفقة المبالغ بها، من ردود الفعل التي تحيط بالمعوّقين وذوي الحاجات الخاصة في مجتمع تلعب المظاهر فيه دوراً مهماً جداً في تحديد القيم وتوزيع الفرص. وفضلاً عن إعاقته الجسدية، التي توّلد شعوراً بالنقص وعدم المساواة مع الآخرين، يجد المعوّق، في سورية، نفسه عاجزاً عن التفاعل العاطفي والحركي مع محيطه، ومستبعداً من سوق العمل، فيعيش دونية دائمة ويُحرم من حقّه الطبيعي في أن يكون منتجاً وأن يعبر عن ذاته وكأنّ مكانه الوحيد هو تلك «الزاوية المعزولة»، إلا منّ رأفة وتعاطف.
وتُعرّف الإعاقة في المفهوم الطبي على أنها خلل وظيفي عضوي أو نفسي يسبب عجزاً في القدرة على أداء نشاط ما، على درجة كافية من المهارة وفي إمكان التكيف مع الوسط الاجتماعي المحيط، وهو ما يكبلّ قدرة المعوّق على الإنتاج والنجاح مقارنة بالإنسان العادي في بيئة معدّة «للأصحاء» فقط، الأمر الذي يتطلب إجراءات تربوية وتعليمية خاصة بالمعوّقين تنسجم مع الحاجات الخاصة كل بحسب نوع إعاقته.
وتبلغ نسبة المعوّقين في سورية 10 في المئة من عدد السكان، وفق تقارير منظمة الصحة العالمية في حين يشكل المعوقون 13.5 في المئة من مجموع سكان العالم، أي قرابة 900 مليون شخص أكثر من 80 في المئة منهم من بلدان العالم الثالث والبلدان النامية. ويؤكد إعلان الأمم المتحدة لعام 1975 حق المعوقين في التعليم والتدريب والتأهيل المهني والمساعدة والتوظيف وغير ذلك من الحقوق التي تساعد على دمجهم في المجتمع وفتح مجالات الحياة أمامهم ليكونوا عناصر فاعلة، معرفياً واقتصادياً، وتجاوز حالتهم القديمة كطرف درجت العادة على تهميشه وإهماله في عملية التنمية.
وعلى رغم أن الكثير من القوانين المحلية في البلدان العربية تتبنى مبادئ هذا الإعلان إلا أن المعوّق لا يزال يواجه رفضاً كبيراً من مجتمعه وحتى من أقرب ذويه، ربما لأن هذه القوانين المحلية غير مدعّمة بتعليمات تنفيذية صارمة وربما لأن الإعاقة لا تزال تجلب العار في موروثنا الاجتماعي وهناك الكثير من الأمثلة عن أسر سورية لجأت إلى إخفاء المعوق بين جدران المنزل تحت وطأة «الخجل»!...
يُظهر الشباب المعوّق إرادة فائقة في تحدي واقعه المتعب، وفي الاستفادة من كل الفرص المتاحة فالكثير من المعوقين استطاعوا وبجدارة إتمام تعليمهم الجامعي بمعدلات عالية جداً وآخرون تحدوا الظروف المحيطة ووظفوا إمكاناتهم في تعلم التكنولوجيا الحديثة كمدخل عصري وأساسي لسوق العمل، وعلى رغم هذه الجهود الاستثنائية تبقى الكثير من الأبواب مسدودة في طريق هؤلاء الأبطال، كيف لا ومعظم الوظائف والمراكز في سورية تتطلب ورقة تثبت سلامة الجسد!. يقول باسم (25 سنة)، اختصاصي هندسة حواسيب مقعد :«لا يصدقون أنني قادر على الإنتاج مثل أي شخص طبيعي». ويتابع بأسى: « وكأن هذا الكرسي يجعل قدراتي العقلية محل شك وعدم تقدير». ويؤكد صديقه أحمد، الذي يعاني أيضاً من شلل جزئي: «الظلم الأكبر هو أن الإعاقة في مجتمعنا تتلازم مع صفة التخلف العقلي، الأمر الذي يضعنا دائماً موضع شبهة واستخفاف وكأننا عالة أو طفرة ليس إلا».
وتعكس أرقام مكاتب التشغيل هذا الواقع المؤلم فمن بين نسب البطالة العالية، تسجل بطالة المعوقين نسباً كبيرة ومتزايدة إذ وبحسب إحدى الجرائد الرسمية بلغ عدد طالبي العمل المسجلين في إحد مكاتب التشغيل ولكل الفئات 140803 مواطنين منهم 2267 معوقاً.
تعتبر سياسات دمج المعوق في مجتمعه أساساً لتحويل النظرة التقليدية إلى ذوي الحاجات الخاصة والإيمان بقدراتهم ومساعدتهم على التمتع بالفرص المتاحة في المجتمع لتنميته وتطوير هذه القدرات.
وشهدت سورية اخيراً تطوراً لافتاً في مجال الاهتمام بالمعوق تجلى بنشاط قادته منظمات أهلية وجمعيات خاصة بالمعوقين بالتوازي مع جهات رسمية مختصة مثل مجلس الوزراء ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ما أدى إلى إقرار الخطة الوطنية لرعاية المعوقين وتأهيلهم، وأيضاً إلى استحداث هيئة خاصة بالمعوقين تحمل اسم المجلس المركزي لشؤون المعوقين يضم ممثلين عن مختلف الجهات المعنية مثل وزارات الدولة والخبراء المختصين وممثلين عن مؤسسات المجتمع الأهلي وأيضاً ممثلين عن المعوقين أنفسهم.
يتولى هذا المجلس مهمة وضع السياسات اللازمة لتنفيذ الخطة الوطنية ومن أهم خطوطها العريضة إصدار تقارير عن واقع الإعاقات والمعوقين في سورية، إنشاء سجل وطني للإعاقة وبناء القدرات في مجال الكشف المبكر والوقاية إضافة إلى حملات التوعية المجتمعية لتحفيز عملية الدمج وأيضاً إقامة وتشغيل معاهد لتأهيل الإعاقات وتقديم التقنيات والبدائل الخاصة للمعوق.
وتتلخص أهداف هذه الخطة الوطنية بأن يكون للأشخاص المعوقين في سورية بحلول عام 2025 فرص وخيارات كاملة للاستفادة من طاقتهم الكامنة وتحسين نوعية حياتهم وكي يحصلوا على الاحترام اللازم والمساواة المطلوبة.
«أن تمنعني إعاقتي من الزواج في مثل مجتمعنا أصبح أمراً مسلماً به بالنسبة الى فتاة مثلي»، تشرح ريما وهي صبية مقعدة في العشرينات من عمرها. وتضيف : « ولكن أن يعيقني مجتمعي عن الفوز بعمل لائق أوظّف فيه مؤهلاتي وأخفّف حمل مصروفي الشخصي عن عائلتي، يجعلني أسلّم بحقيقة أن مجتمعي أيضاً يعاني من الإعاقة».
بيسان البني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد