خروج حزب ليبرمان يصدع الأتلاف وحكومة أولمرت على طريق السقوط

17-01-2008

خروج حزب ليبرمان يصدع الأتلاف وحكومة أولمرت على طريق السقوط

قبل أقل من أسبوعين على موعد نشر التقرير النهائي للجنة فينوغراد حول إخفاقات حرب لبنان الثانية، ومع بدء مفاوضات التسوية الدائمة مع الفلسطينيين، تراجعت حدود ائتلاف حكومة إسرائيل إلى 67 نائبا.
وأعلن زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، المكلف خصوصا الملف النووي الإيراني، انسحابه من الائتلاف الحكومي لأنه، خلافا للحكومة، غير مستعد لتقديم تنازلات مؤلمة. ورغم أن رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت يطمح إلى إغراء كل من «يهدوت هتوراة» و«حركة ميرتس» بدعم الحكومة من الخارج، إلا أن دلائل كثيرة تشير إلى أن مسمارا دق في نعش الحكومة وأن كرة ثلج سياسية بدأت في التدحرج.
وسلم ليبرمان، عضو الحكومة الأمنية المصغرة، كتاب استقالته لأولمرت أمس، ومن المفترض أن يسري مفعولها غدا. وأعلن، في مؤتمر صحافي، «أبلغت اولمرت أننا ننسحب من الائتلاف والحكومة». وقال عن رئيس الحكومة «لم نكن متفقين على الدوام، ولكننا كنا صريحين واحدنا مع الآخر». وذكّر الجميع بوثيقة «الخطوط الحمراء التي سلمها لأولمرت عشية مؤتمر أنابوليس».
وأوضح «كل من يعرفني يعلم أنني لست بالمتسرع، وأنني عندما أقول كلاما لا بد أن يؤخذ كما هو، ومن دون إضافات». وتابع إن «الجميع يعلمون أن هذه العملية لن تؤدي إلى نتيجة. ومبـدأ الأرض مقابـل السـلام خطأ فادح من الصعب فهمه».
وبدا أمس أن زعيم «إسرائيل بيتنا»، الذي يشغل 11 مقعدا في البرلمان من اصل ,120 وانضم متأخرا إلى الائتلاف الحكومي قبل عام وربع العام، وبعد حرب لبنان الثانية «من أجل إنقاذ إسرائيل» تركه مبكرا ليمنع خطر التسوية مع الفلسطينيين. وأشار ليبرمان إلى أن أولمرت مستعد لتقديم تنازلات «مؤلمة» في حين أنه غير جاهز لتقديم أي تنازل.
لكن اولمرت اعتبر، في بيان، أن خسارة شريك في الائتلاف الحكومي لن تمنعه من المضي قدما في جهود التوصل إلى اتفاق سلام مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مضيفا انه يعتقد أن المفاوضات توفر «الفرصة الحقيقية الوحيدة لضمان السلام والأمن للإسرائيليين».
ورغم أن أحدا لم يعرف في حينه الأسباب الحقيقية لانضمام «إسرائيل بيتنا» إلى الحكومة فإن أحدا لا يعرف اليوم بالتأكيد أسباب انسحابه منها، ومع ذلك فإن هذا الانسحاب فتح الباب على مصراعيه أمام تغيير كبير محتمل في الحلبة السياسية الإسرائيلية قريبا. ومن الآن فصاعدا سيتعذر على حركة «شاس»، التي تملك 12 نائبا، البقاء في حكومة أولمرت في ظل ما هو معلن عن بدء مفاوضات التسوية النهائية.
وسبق لقادة «شاس» أن أعلنوا أن بدء المفاوضات الجوهرية حول القدس المحتلة تعني نهاية شراكتهم في الحكومة. لذلك سنشهد قريبا تصعيد الضغط من جانب القوى القومية والدينية على «شاس» للانسحاب من الحكومة. ويلعب الليكود دورا مركزيا على هذا الصعيد، خاصة إذا أفلح في توفير أسس لإجراء انتخابات مبكرة بالتوافق مع أحزاب أخرى.
ولهذا السبب تتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن جهد كبير يبذله أولمرت مع «شاس» تأكيداً لقادتها أن لا شيء جدياً يجري مع الفلسطينيين حول القدس. وقد أبلغ عددا من قادة الحركة أن المفاوضات في المواضيع الأخرى غير القدس بعيدة عن نقطة الحسم، وأن القدس بذاتها ليست على جدول أعمال المفاوضات حاليا. كما يؤكد أنه ليس لديه أي قرار بعد بتأييد تقسيم القدس، الأمر الذي ينبغي، بنظره، أن يمنع تفكيرهم بالانسحاب من الحكومة.
ومن الجلي أن المخاطر تتهدد حكومة أولمرت من أكثر من جهة، قد تتوحد جميعها عند نتائج تقرير لجنة فينوغراد الذي سينشر في نهاية الشهر الحالي. فقد كان زعيم حزب العمل الطامح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية أول من أعلن أن حزبه لن يبقى في حكومة أولمرت بعد نشر التقرير.
ويحاول وزير الدفاع ايهود باراك، في الوضع المستجد، الظهور بمظهر الزعيم الذي يفي بوعوده، وهو لهذا السبب يخوض جولات مطولة من الحوار مع العديد من الجهات السياسية. وثمة من يقول أن في خلفية هذا الحوار يكمن أيضا الخلاف حول رؤية الرئيس الأميركي جورج بوش، حيث أن باراك يرى وجوب عدم تقديم التنازلات للفلسطينيين في عهد رئيس «راحل» أي مغادر، ويفضل انتظار انتخاب رئيس أميركي جديد يمكن لإسرائيل أن تتوافق معه حول الخطوات المقبلة.
ويبدو اليوم أكثر من أي وقت آخر أن هناك نوعا من التوافق الضمني بين باراك وزعيم الليكود بنيامين نتنياهو على وجوب تفكيك كديما، إذ أن نتنياهو يطمح إلى منافسة باراك وليس أولمرت الذي تؤيده بعض أوساط اليمين، ما يسمح بتغليب الميل اليميني لمصلحة الليكود. أما تفكيك كديما فسيتيح لباراك الظهور بدلا من أولمرت كزعيم لـ«معسكر السلام» في إسرائيل في مواجهة تطرف نتنياهو.
وأشارت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن باراك ينتظر نشر تقرير فينوغراد ليعلن أن حزبه لن يبقى في حكومة يقودها أولمرت. وهذا يعني وضع كديما أمام خياري الانتخابات المبكرة أو التمرد على أولمرت واختيار رئيس جديد للحكومة بدلا عنه. وتتحدث التقديرات عن أن كديما سيعجز، في كل الأحوال، عن توفير مرشح متفق عليه لرئاسة الحكومة إن هو أطاح بأولمرت، ما يقرب موعد الانتخابات المبكرة في كل الأحوال.
وفي كل الأحوال، أنعش انسحاب «إسرائيل بيتنا» من الائتلاف الحكومي، آمال اليمين بقرب إسقاط حكومة أولمرت. ومن المفترض أن يشكل نشر تقرير فينوغراد فرصة لتصعيد الحملة السياسية والشعبية من أجل إسقاطها أيضاً. وبدأ بعض قادة اليمين بالحديث عن حكومة أولمرت وكأنها مقبرة أو سفينة تغرق و«من الواجب انتشال الدولة من بين أيديها عبر انتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة بديلة».
لا يمكن لأحد إخفاء حقيقة أن انسحاب «إسرائيل بيتنا» من الحكومة شكل إشهارا لاختلال الثقة بأولمرت، وربما بدء النهاية العملية لحكمه. إذ رحب اليمين واليسار والعرب على حد سواء بانسحاب ليبرمان، كل لأسبابه. فاليمين رأى في ذلك بداية انهيار حكومة أولمرت واليسار والعرب رأوا خروجا لفاشي ويميني من الحكومة. فقط حزب كديما كان المتضرر الأكبر من هذا الانسحاب.
وهاجم ليبرمان، في مؤتمره الصحافي، النائبين العربيين في الكنيست الإسرائيلية احمد الطيبي ومحمد بركة، قائلا أنهما يعتبران بنظره «اخطر من (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) خالد مشعل ومن (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله، فهما يعملان من الداخل وبصورة منهجية من أجل هدم دولة إسرائيل كدولة يهودية وصهيونية». وقال «مشكلتنا ليست مع الفلسطينيين بل مع عرب إسرائيل».
ووصف الطيبي تصريحات ليبرمان بأنها «جديرة بالازدراء». وقال «نحن ملح الأرض. انه مهاجر فاشي، أما نحن فسنبقى لفترة طويلة من بعده. هذه ليست حكومة جيدة، ولكنها اقل سوءا من دون الفاشي والمهاجر ليبرمان».
من جانبه، دعا بركة المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية مناحيم مازوز إلى اعتبار «إسرائيل بيتنا» خارج القانون. ورأى أن أقوال ليبرمان «تشكل تحريضا على القتل، وهذا الرجل مصاب بإيدز العنصرية وتتوجب معالجته خارج الحلبة السياسية».
وقال النائب العربي في الكنيست جمال زحالقة «ان عنصرية ليبرمان وأمثاله ليست ظاهرة على هامش المجتمع والسياسة في إسرائيل، بل وجدت لها مكانا ثابتا في مركز الخريطة السياسية الإسرائيلية». وأضاف «نحن هنا قبل ليبرمان، وإذا لم يستطع التعايش مع ذلك فليذهب أدراج الرياح».

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...