حوالات السوريين تقارب دعم الحكومة في 2016
لعبت تدفقات تحويلات المغتربين باتجاه البلد دور المتغير المحذوف من تحليلات وتوقعات الاقتصاديين المحليين، وخاصةً ما يتعلق بالوضع المعيشي، ومطالبات زيادة الأجور والرواتب، كعامل من عوامل تحسين الدخل، أو المطالبات بتحسين شروط المنافسة في الأسواق ورفع قيمة الليرة والحفاظ على استقرار سعر الصرف لتحسين الدخل الحقيقي.
وفي ظل عدم وجود تصريح رسمي واضح عن القيمة الإجمالية أو الوسطي اليومي للحوالات، تداول الوسط الإعلامي عدة أرقام عن مصادر حكومية، أو عن مصادر في سوق الصرافة، تفيد بأن قيمة الحوالات اليومية تقدر بين 3 إلى 4 ملايين دولار أميركي، وبعضها يتحدث عن 5 ملايين دولار، أو أكثر. ويبرر مصرف سورية المركزي عدم الكشف عن الرقم الحقيقي بحرصه على عدم كشف أي أرقام تخص القطع الأجنبي يمكن للمضاربين أن يستغلوه لمصلحتهم، وكان حاكم مصرف سورية المركزي دريد درغام يركز على أن الحوالات جيدة، دون ذكر أي رقم دقيق، لنتفق معه من حيث المبدأ، وخاصة أن القيم الحقيقية للحوالات يصعب تقديرها نظراً لنشاط التحويلات غير الرسمية، عبر المكاتب غير المرخصة، أو عبر بعض الأشخاص، أو بصحبة المسافرين.
ولكن للإضاءة أكثر على أهمية تدفقات تحويلات المغتربين في الاقتصاد، نستعين بآخر البيانات التي يوفرها البنك الدولي عن التحويلات، والتي قدّرت التحويلات في العام الماضي (2016) بأكثر من 1.62 مليار دولار أميركي، أي بمعدل وسطي 4.5 ملايين دولار يومياً.
وبالمقارنة مع أرقام الموازنة العامة للدولة لعام 2016 (بلغت 1980 مليار ليرة منها 973.25 مليار ليرة للدعم الاجتماعي) نجد أن الحوالات شكلت أكثر من 83% من إجمالي مبالغ الدعم الاجتماعي (باعتماد سعر صرف 500 ليرة للدولار بشكل وسطي تقديري)، أي إن ما تلقاه المواطنون من حوالات بالقنوات الرسمية يشكل أكثر من 83% مما خططت الدولة لإنفاقه في جميع مجالات الدعم الاجتماعي الواجب تقديمه للمواطنين، والرقم الحقيقي طبعاً أكبر من ذلك لصعوبة تقدير إجمالي الحوالات عبر الطرق الرسمية وغير الرسمية.
وأكد الأستاذ في قسم الإحصاء بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور شفيق عربش، والمدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء، أكد عدم وجود علاقة ارتباط إحصائية بين رقمي الحوالات الخارجية وإجمالي مبلغ الدعم الاجتماعي في الموزانة، في حين يمكن المقارنة بينهما على سبيل قياس الحجم فقط، منوهاً بأن الرقم الحقيقي للحوالات أكبر من مبالغ الدعم الحقيقية، لكون المنفّذ أقل من المعلن في الموازنة، منوهاً بأن الحكومة تتذرع بأحجام تدفق تحويلات المغتربين لتأجيل دعم القدرة الشرائية للمواطن، علماً بأن رقم التحويلات لا يشكل زيادة حقيقية في الدخل يعتد بها قياساً إلى عدد الأسر في البلد اليوم، مبيناً أن الحكومة لا تتصدى كما يجب لانخفاض القدرة الشرائية للمواطن، وأن المواطن هو من يدعم الحكومة.
وحول أهمية تحويلات المغتربين شدّد عربش على فكرة أنها بقيمتها الحالية لا تعتبر كبيرة ومؤثرة في الاقتصاد بشكل كبير، وهي لا تشكل أكثر من 20 ألف ليرة للأسرة في الشهر، علماً بأن ليس جميع الأسر تتلقى حوالات، ولكن بشكل وسطي، وعلى مستوى الاقتصاد، فإن هذا الرقم لا يعتبر زيادة حقيقية في الدخل.
أهمية الحوالات: مقاربات بالأرقام
بمراجعة البيانات المتوافرة عن قيمة التحويلات منذ عام 1977 وحتى العام الماضي، نلاحظ تبايناً واضحاً في قيمتها من عام لآخر، نظراً لتباين العوامل المؤثرة فيها، ولا سيما الأوضاع الاقتصادية العالمية، وخاصة في الدول المرسلة، وأسعار النفط العالمية، لأنها مؤشر يرتبط طرداً مع تدفق التحويلات وخاصة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد اقتصادياتها على النفط، وبينما بلغت الحوالات 92.4 ملايين دولار في عام 1977 سجلت 636 مليون دولار في العام الذي يليه، وهكذا تحركت قيمة الحوالات ارتفاعاً وانخفاضاً دون مستوى 900 مليون دولار حتى عام 2006، إذ سجلت بعدها ارتفاعات واضحة، فوق مستوى المليار دولار أميركي، وسجلت ذروتها خلال سنوات الحرب.
وكمؤشر للحجم، بلغ وسطي نسبة تحويلات المغتربين إلى إجمالي الناتج المحلي 2.40 بالمئة خلال الفترة الممتدة بين عامي 1980 و2010، و2.58 بالمئة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2010، ونحو 5 بالمئة خلال سنوات الحرب.
وشكلت تحويلات المغتربين كنسبة إلى إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة (2005- 2010) 2.5 مرة من وسطي مساهمة الرسوم الجمركية في الناتج، و70% من وسطي مساهمة قطاع المال والتأمين والعقارات، و41% من وسطي مساهمة البناء والتشييد، و15% من وسطي مساهمة الزراعة، 0.7% من وسطي مساهمة الصناعة والتعدين، و17% من وسطي مساهمة تجارة الجملة والمفرق، و26% من وسطي مساهمة النقل والمواصلات والتخزين، و77% من وسطي مساهمة خدمـات المجتمع والخدمـات الشخصية، وهذا مؤشر إلى الأهمية النسبية للتحويلات، التي ازدادت بشكل ملموس خلال الحرب، نتيجة تغير تركيبة الناتج من جهة، وازدياد تدفق التحويلات بدعم من انخفاض قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية.
وحسب تقديرات مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» في تقريره الاقتصادي الأخير بعنوان «تأثيرات الأزمة في الاقتصاد السوري (2011- 2015)» لتركيبة الناتج في عام 2015 بعد أن تغيرت بفعل الحرب، نستنتج أن قيمة التحويلات في العام نفسه شكلت نحو 28.6 بالمئة من مساهمة الزراعة في الناتج المحلي، و39.43 بالمئة من مساهمة الصناعة والتعدين، و21.26 بالمئة من مساهمة تجارة الجملة والمفرق، و23.9 بالمئة من مساهمة النقل والمواصلات والتخزين، و50.76 بالمئة من مساهمة قطاع المال والتأمين، و14.1 بالمئة من مساهمة الخدمات الحكومية.
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد