حرجلة: أمل العودة الى الديار
ينتهي الضجيج الإعلامي لأي اتفاق تسوية باتجاه الحافلات الخضر إلى مواقع جديدة للمسلحين والى مراكز للإيواء تخص المدنيين، لتبدأ من هناك حكاية من نوع آخر عن شظف الحياة وخيط الأمل المتمثل بعودة الناس الى بيوتهم.
على الطريق بين دمشق ودرعا وقرب بلدة الكسوة تقع بلدة حرجلة. لم تتصدر البلدة واجهة الأخبار لكونها مسرح معارك أو قصف بل لكونها محطة مؤقتة أو دائمة للنازحين والهاربين من جنون الحرب في مناطق ساخنة، كما حصل في المعضمية وداريا والضمير وجنوب دمشق وصولاً للغوطة الشرقية.
هنا يقع مركز للإيواء نفذته شركات سورية بدعم من الأمم المتحدة وهو يعد الأكبر في البلاد، حيث يتم توزيع اكبر عدد من الحصص الإغاثية والغذائية والمواد الطبية، وهو يتشكل من سلسلة من قرابة مئتي كتلة سكنية بمساحة خمسين متراً لكل منها، مع باحات رملية واسعة تقيم فيها العائلات، فيما تتركز بالقرب منه مبان عدة هي بالأصل مدارس تتبع لوزارة التربية، وتتقاسمها اليوم كل من محافظة ريف دمشق وجهات أخرى بحكم إقامة عدد من النازحين فيها.
المركز ليس وحده في البلاد، إذ ثمة آخر في ضاحية قدسيا بريف العاصمة الغربي سبق أن احتضن مئات النازحين من الغوطة الشرقية بعدما أمّن لهم الجيش ممرات آمنة قبل قرابة السنة والنصف السنة، فيما يقع مركز آخر في عدرا العمالية، القريبة من الغوطة ويستقبل آخر في السويداء نازحين من شرقي البلاد والبادية.
وفي المحصلة، ووفقاً لمصادر متابعة، فإن مراكز الإيواء هي محطة قد تكون مؤقتة كما حصل مع عدد من المدنيين في داريا حيث أقاموا فيها لبضعة أيام قبل أن يغادروا للسكن مع أقارب لهم في دمشق وريفها، فيما فضّل آخرون، لاسيما الفقراء أو ممن لا يتمكنون من دفع إيجارات البيوت في العاصمة، البقاء هنا.
هنا أيضا لن تجد النساء والأطفال فحسب، فكثير من المسلحين قرروا الخروج بدورهم إلى هذه المراكز رغبة منهم في تسوية أوضاعهم، وذلك خلافاً لرفاقهم الذين فضلوا التوجه إلى إدلب، بل إن بعضهم أرسلوا زوجاتهم وأبناءهم إلى حرجلة، فيما شدّوا الرحال إلى الشمال، فيما كان لافتاً انضمام مسلحين سابقين في جيوش الغوطة الشرقية إلى «جيش الوفاء»، وهو تشكيل عسكري رديف للقوات الحكومية كان قد لعب دوراً في معارك الغوطة، لاسيما في محيط عدرا العمالية.
في داخل المركز في حرجلة وغيرها، ثمة خلية نحل قوامها متطوعو منظمة الهلال الأحمر وجمعيات أخرى مدنية لتوزيع المعونات والأغذية، ومحاولة إقامة أنشطة للأطفال الذين يقضون وقتهم باللعب في الباحات الكبرى قبل أيام من بدء العام الدراسي والتحاقهم بمدارس قريبة، بعضهم سيزورها للمرة الأولى في حياته فيما يقضي الرجال أوقاتهم في غرف بعيدة. هناك ستدور قصص عن اعتقالات في سجون «فيلق الرحمن» وعن نساء خرجن مشوهات من سجن التوبة بعد اعتقالهن أو أبناءهن بتهمة (دعم النظام)، وروايات عن فتاوى المشايخ ومعارك وهمية قتل فيها كثيرون بلا سبب، وأخرى عن اطلاق النار على الهاربين في الغوطة وأولئك الهاربين من بطش تنظيم «داعش» حيث قضوا أياما لا تنسى تحت شمس حزيران في صحراء ريف دمشق.
ويبقى المشهد الأكثر مأساوية حين يسأل طفل عن ماهية طعام يكتشفه للمرة الأولى، سيكون الأمر مفسراً حين نعلم أن القاسم المشترك بين اغلب الهاربين من الموت كان اقتصار طعامهم على وجبة يتيمة يومياً، قد تكون حساء بسيطاً وقد تكون بضعة حشائش من الأرض لا اكثر، كما يقول شاب ديراني.
«نريد بداية حياة جديدة»، لعلها العبارة التي ترددت اكثر من غيرها في عشرات الغرف وأمام عدسات الكاميرات من قبل الرجال والنساء، الحياة القاسية وحمل السلاح والتعذيب في سجن التوبة أو اشتراط العمل والقتال لأجل الطعام، تفاصيل يريدون نسيانها ليبدأوا مرحلة جديدة.
تشير إحدى السيدات من داريا إلى أن زوجها الذي انطلق إلى إدلب قد يعود مجدداً إلى دمشق ويسوّي أوضاعه، تضيف أن البعض قد غادر إلى هناك خوفاً من مصير لا يعرفونه، ولكن المشهد قد اصبح واضحاً اليوم، على أن الهاجس الأكبر بين النازحين هو السؤال عن موعد العودة لبيوتهم عند انتهاء تأمين المنطقة، ربما لهذا السبب اختاروا البقاء بجوار بلداتهم المدمّرة .
طارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد