حرب الخراف في الانتخابات السويسرية
أشعلت الخراف حرباً لافتة في الانتخابات التشريعية في سويسرا والتي تجري غدا الاحد، لتتحول هذه الحيوانات الوديعة إلى سلاح ذي حدين، تتجاذبه الاحزاب المتنافسة على السلطة الكونفيدرالية في بلد هادئ لم يشارك أو يشهد حرباً منذ أكثر من قرن ونصف القرن.
وبعكس ما درجت عليه الحملات الانتخابية من استخدام رمز الخراف في معرض ذم شراء الاصوات (كما جرى مثلا في الانتخابات الكويتية في حزيران العام 2006)، بادر حزب (اتحاد الوسط الديموقراطي» في سويسرا هذه السنة إلى رفع الخراف كرمز لـ«الذود عن الوطن» في حملته الانتخابية. وهي فكرة لم يخطر ببال (اتحاد الوسط» ساعة ابتكارها، بأنها ستنقلب ضده لترشقه بتهمة العنصرية.
بدأت القصة حين انتشرت ملصقات دعائية للحزب، تصوّر خرافاً بيضا تطرد خروفاً أسود من العلم السويسري، يمثل الاجنبي (الحامل للوثة الارهاب والتهديد الامني، مع تعليق: من أجل مزيد من الامن». وذيل الملصق بشعار الحملة (بيتي ـ سويسرتنا»، ورمزها: شمس باسمة تحمل العلم السويسري وتشرق على المراعي الخضراء التي تشتهر بها سويسرا، وقد طبعت بالاسم المختصر للحزب وعبارتي: (الجودة السويسرية»، و«من أجل سويسرا قوية».
إذاً، من أجل سويسرا قوية، وللحفاظ على الجودة السويسرية، لا بد من طرد الخروف الاسود ـ الغريب ـ الاجنبي، وهو في الحالة السويسرية، ووفقاً للبرنامج الانتخابي الاكثر وضوحاً لـ«اتحاد الوسط»، يتلخص في المهاجر الذي يهدد أمن سويسرا، رغم أن هذه الاخيرة هي بين أكثر الدول الأوروبية صفواً، حيث لم يعكر سلامها خطر أمني خارجي أو داخلي منذ ما يربو على الـ155 عاماً.
لكن (اتحاد الوسط» يؤكد أن معدلات الجريمة ترتفع باطراد في سويسرا، ترافقاً مع تنامي المهاجرين إليها، الذين يكادون يمثلون ربع سكانها (22 في المئة من 7.5 ملايين نسمة ـ المعدل النسبي الاعلى في أوروبا)، والذين ترفض السلطات الكونفيدرالية النظر في منحهم المواطنة قبل مرور 12 عاماً على مكوثهم فيها (ما يعد فترة قياسية عالمياً).
وبالنظر إلى حساسية الموضوع والمرحلة الانتخابية، سارعت أحزاب منافســة لإدانة الملصق ومصدره، معتبرة أنه يتضمن إيحــاء عنصرياً إزاء أبناء العرق الاسود والمهاجرين الافــارقة. فأدانت رئيسة الكونفدرالية السويسرية ذات الـ26 إقليماً، الاشتراكية ميشلين كالمي ـ راي، هذه الدعاية الكريهة»، فيما حذرت وزيرة الاقتصاد التي تمثل الحزب الديموقراطي المسيحي دوريس لوتار من انعكاسها على إقبال المستثمرين الاجانب، وخلق (خوف» لديهم من نزعة تطرف سويسري قد يوحي به الخروف الاسود.
وارتفع التنديد إلى مستوى الامم المتحدة، من دون أن يتعدى درجة الادانة. وقد زكى هذا الاتهام تركيز هذا الحزب في برنامجه الانتخابي على مسائل انعدام الامن والهجرة، ومجاهرته بعدائه للاجانب. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، هاجم مئات من المتظاهرين مهرجاناً انتخابياً لـ«اتحاد الوسط»، الذي استعمل الحادث ليؤكد وجهة نظره المعادية للأجنبي.
وسط هذه التجاذبات، ظهرت، قبل أقل من شهر، حملة (خراف الحراسة» في لوزان، والتي أطلقت عبر الانترنت عريضة تدعو الاحزاب الرئيسية المتزاحمة على السلطة إلى تجنب الحملات المؤججة للعنصرية، وتدين دعاية (اتحاد الوسط» الانتخابية. وتمكنت الحملة من جمع حوالي 26 ألف توقيع حتى الان، معظمها من النورماندي وسويسرا وفرنسا وإسبانيا. وتدعو العريضة الاحزاب السياسية، واللوبيات، ووسائل الاعلام، وجماعات الضغط الى رفض وإدانة كل حملة تثير الحقد، الخوف، العنصرية أو رهاب الاجانب».
وتقول رئيس الحملة غير المتحزبة وأستاذة علم الاجتماع في المعهد العالي للادارة العامة في لوزان، كارول ويزر، (إن الاقبال على توقيع العريضة المنشورة على الانترنت، هو مؤشر حقيقي على تبرم السويسريين المعزولين من الصامتين حتى الان»، مضيفة (لقد اكتفوا أن يكونوا رهينة لعنف حملة حزب اتحاد الوسط الديموقراطي. نحن نقدم لهم جرعة أوكسجين، وبالاحرى منبراً، والبعض يعبر عن خجله مما يحصل، فيما يشمئز الباقون منه».
من جهته، اعتبر (اتحاد الوسط« أنه يجب ألا ينظر إلى خروفه الاسود على أنه (رسالة عنصرية»، بحيث (يجب اعتباره نعجة جرباء، لا أفريقياً صغيراً». وندد الحزب بـ«مؤامرة» تحاك ضده، مهدداً بنسف (الصيغة السحرية» التي تضمن منذ أكثر من نصف قرن استقرار البلاد، عبر تعايش ممثلي الاحزاب السياسية الكبرى. وهم يتوزعون، في الحكومة الائتلافية الحالية، بين ممثلَيْن عن (اتحاد الوسط الديموقراطي»، وآخريْن عن الحزب الاشتراكي، وممثلَيْن عن حزب (الليبرالي الراديكالي»، وآخر عن (الحزب الديموقراطي المسيحي».
اللافت أن كل هذه الحملات الضارية على (اتحاد الوسط» تبدو أعجز عن تقويض شعبيته، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الاخيرة أنه سيحقق، في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ الكونفيدراليين غدا الاحد، نتيجة أفضل من انتخابات العام ,2003 مع ترجيح نيله أكثر من 27 في المئة من أصوات المقترعين السويسريين.
ديالا شحادة
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد